آراء

المرأة الكُردية في المجتمع الأوروبي : تحديات الاندماج والحفاظ على الهوية الثقافية

أمل حسن

المرأة الكُردية في المجتمع الأوروبي تجسّد صورة معقدة لمعادلة الاندماج الثقافي والمحافظة على الهوية . تعيش في واقع مختلف تماماً عن المجتمع الذي نشأت فيه، حيث تجد نفسها وسط بيئة تتطلّب منها التكيف والاندماج مع معايير جديدة ؛ قد لا تتوافق مع قيمها وتقاليدها.

هذا الوضع يضع المرأة الكُردية أمام تحديات تتطلّب منها إيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على هويتها الثقافية وبين التفاعل مع متطلبات الحياة الجديدة في المجتمع الأوروبي.

المجتمع الأوروبي، بمميزاته المتعددة ، من حرية فردية وحقوق متساوية للجميع، يمثّل فرصة غير مسبوقة للمرأة الكُردية لتحقّق طموحاتها، سواءً كان ذلك من خلال التعليم أو العمل أو الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والسياسية.

تجد النساء الشابات في هذا المجتمع مساحات أوسع لتطوير أنفسهن، واكتساب مهارات جديدة تمكنّهن من التأثير في مجتمعاتهن الجديدة بشكل إيجابي، وهذا الواقع الجديد يفتح لهن أبواباً كانت مغلقة في مجتمعاتهن الأصلية، مما يعزّز شعورهن بالتمكين والاستقلالية.

ولكن في المقابل، تبرز تحديات كبيرة، خاصةً للنساء الكُرديات الأكبر سناً ، اللواتي يجدن صعوبةً في التكيف مع القيم والمفاهيم الجديدة في المجتمع الأوروبي. هذه الفئة، التي غالباً ما تكون قد تجاوزت سن الستين، تواجه إحساساً بالغربة والانعزال، حيث يصعب عليهن التأقلم مع بيئة لا تحمل نفس القيم التي تربين عليها. الحاجة هنا ليست فقط لتوفير برامج تأهيلية واجتماعية تساعدهن على تجاوز هذه الحواجز، بل أيضاً لفهم عميق لمعاناتهن ومخاوفهن المتعلقة بفقدان الهوية والانتماء.

على الرغم من كل تلك التحديات، فإنّ الحفاظ على الهوية الثقافية يظلّ ضرورة لا غنى عنها بالنسبة للمرأة الكُردية. التقاليد، اللغة، والعادات هي مكونات أساسية لهويتها، ورغم تطلعها للاندماج في المجتمع الأوروبي، تسعى جاهدةً للحفاظ على هذا التراث الثمين.

العديد من النساء الكَرديات يعملن بجدٍ لتعليم أبنائهن اللغة الكُردية، ويروين لهم القصص التي تحمل في طياتها عبق تاريخهم وثقافتهم.

في خضم هذه العملية المعقدة، يظهر دور الزوج بشكلٍ واضح. العديد من الرجال الكُرد تحمّلوا مشقات هائلة للوصول إلى أوروبا، حيث خاطروا بحياتهم لجلب أسرهم إلى بر الأمان. هذه التضحيات تضع على عاتق المرأة الكُردية مسؤولية تقدير ما قام به زوجها، والسعي للحفاظ على استقرار العلاقة الزوجية. فالاندماج في المجتمع الجديد لا يجب أن يعني التخلي عن القيم الأسرية، بل على العكس، يمكن أن يكون فرصة لتعزيزها في ضوء الفهم الصحيح للحرية والديمقراطية.

فهم الحرية في هذا السياق ليس أمراً سهلاً. الحرية هنا لا تعني الانفصال عن الجذور أو التمرد على القيم الأسرية، بل تعني القدرة على اتخاذ قرارات مسؤولة تحترم العلاقات الإنسانية والثقافية. في الواقع، شهدت بعض العائلات الكُردية في أوروبا حالات تفكك، فور وصولها إلى المجتمع الجديد، حيث أدّى سوء فهم الحرية إلى تدهور العلاقات الزوجية، وتشتت الأسر،. هذه الظاهرة تشير إلى أهمية التوعية المستمرة حول المفاهيم الحقيقية للحرية والديمقراطية، بعيداً عن الفهم السطحي الذي قد يؤدّي إلى انهيار الروابط الأسرية.

عندما ننظر إلى تجربة المرأة الكُردية في المجتمع الأوروبي، نجدها قصة كفاح متواصل من أجل الحفاظ على هويتها، توازنها النفسي، واستقرار حياتها الأسرية. على الرغم من التحديات الكبيرة، تواصل المرأة الكُردية رحلتها بشجاعة، متمسّكة بجذورها، وساعية في الوقت ذاته للاستفادة من الفرص الجديدة التي أتاحها لها المجتمع الأوروبي. هذه الرحلة ليست سهلة، ولكنها تؤكّد مرة أخرى على قوة المرأة الكُردية، التي استطاعت أن تجمع بين التراث والتجديد، بين الهوية والاندماج، في مسيرة حياتها في أوروبا.

إذًا، كيف لا نحيا بإجلال وتقدير لتلك الأرض الطاهرة التي خرجت منها أرواح أبيّة، عظيمة، شامخة، تنير دروب الحرية والكرامة أينما حلت؟ إنها المرأة الكُردية التي تحمل في داخلها إرثًا من الصمود والإصرار، وتجسّد في كل خطوة تخطوها أسطورة نضال لا ينتهي.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “323”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى