المرأة الكُردية وحكايا كهف شاندار
ليلى قمر / ديريك
بدايةً وفي استعراضٍ سريع لحكايا كهف شاندار وتلك المرأة التي رمّمت لها وجهها ، لابدّ من التأكيد على أمر ضروري ، فكلنا يعلم وكبداهة بأنّ البشرية في جميع مراحلها وإلى اللحظة الراهنة هذه تركّز بغالبية وعيها وجهدها في البحث لا عن الغاية من الوجود بقدر شغفها باللحظة البدائية للإنسان ، ولهذا فقد كان للخبر الذي أصبح عنواناً رئيسياً وطغى على الغالبية العظمى لوكالات الانباء، والذي تمحور حول تمكن العلماء من إعادة ترميم وأشكلة بقايا هيكل لعظام إمراة كانت في الأربعينيات من عمرها وتعود زمنياً / حقبياً إلى عصر النياندرتال والتي تقدّر بعمرها الزمني إلى أكثر من ٧٥ ألف سنة ، حيث قام العلماء الذين درسوا بقاياها خلال تسعة أشهر من خلال جمع حوالي ٢٠٠ قطعة عظمية ، ونفذوا عملية إعادة ترتيب العظام لأشكلة الهبكل ومن ثم وبتقنية عالية الدقة كما في المختبرات الرئيسية وكغاية للوصول إلى فهم تقريبي حول شكل وتصور نمط وحركية كما والاختلاف مابين انسان تلك المرحلة ومتتالياته ، خاصةً وأنّ انسان نياندرتال قد اختفى منذ حوالي ٤٠ ألف سنة ، سيما أنّ هذا الكهف تحديداً هو ذاته الذي اكتشف فيها رفات ما لا يقلّ عن عشرة رجال ونساء وأطفال من المصنفين سلالياً في القائمة المسماة ب ( إنسان نياندرتال ) وليصبح هذا الكهف ١ أشبه بمختبر ومقر ترجع إليه البعثات الأثرية ، ففي عام ٢٠١٥ وبناءً على دعوة من حكومة اقليم كُردستان لبعثة أثرية قدمت الى موقع الكهف ونقبت فيها حيث عثرت على بقايا عدة هياكل عظمية جديدة ، ولكن مالفت نظرهم هو بقايا لهيكل عظمي في ( كهف شاندر ٢ ) و تتالت البعثات بعد ذلك وتنوّعت حتى فترة زمنية قريبة ، حيث تابع غالبيتنا وقرأنا وباختصار شديد أيضاً شاهدنا تتالي الصور التطبيقية لبقايا عظام جمعت لتلك المراة النياندرتالية ومن ثم محاكاتها التطبيقية لمجسم إمرأة وكلّ ذلك استناداً لمما وفّرته الخبرة البشرية من أدوات وأجهزة متطورة وعالية الدقة ، حيث تمكّن الخبراء من إعادة هيكلة وإنتاج تلك الصورة التي تلقّفتها البشرية بكثيرٍ من الدهشة ، وهنا – وبرأيي – وفي تتبعٍ لحالة وواقع المرأة الكُردية – إن جاز لنا القول – عبر التاريخ ، ولسويات تاريخية والتي تلت مرحلة عصر النياندرتال وواقع تجمعات أسلاف الكُرد ! وفي تعريف أولي وكمثالٍ سنلاحظ بأنّ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص كانت موجودة بالفعل وكثيرة هي الوقائع والأدلة كما التدوين لوقائع ويوميات وأيضاً مآثر وسير النساء اللاتي تبوأن مناصب هامة وقدن الجيوش وخضن الحروب مشاركات في معارك ضارية ، ولنا في سيرة القائدة العسكرية الميدية – زرينا – اكبر مثال والتي هي في الأصل ابنة واحد من أهم رجالات الإمبراطورية الميدية وكانت سبباً ، لابل ووفرت مجالات كثيرة سواءً في التعليم أو الجيش ولتتولّى هي بذاتها قيادة الجيش بعد وفاة والدها مع بقية – المارياز – وقد ساهمت بقوة شخصيتها ووعيها الكبيرين مع المحاربين ( سرباز ) بإحراز النصر في غالبية المعارك التي خاضتها ، ومع الأيام اكتسبت خبرة ومراساً زادت في منسوبها الجراة من جهة ، كما والثبات في ساحات المعارك كمحاربة صلبة وعلى إثر هذه الصفات اختيرت لقيادة الجيش بعد رحيل والدها مع بقية المارياز ونظراً لحنكتها ودورها البارز وتأثبرها في تعزيز مقامها وبالتالي فرصها لقيادة الجيش ، ورغم كل هذه المراحل التاريخية التي تتالت ، لا يزال هناك كثير من مقولاتها التي أصبحت كحكم ومثل بذي قيمة تشي بأهميتها، إن لرجاحة العقل أو وكأمثال صقلتها تجارب عملية وميدانية، والكثير منها ترسّخت في ذهنية النخب المتتالية من ال – سرباز – والتي استطاعت هذه القائدة وبحنكتها العسكرية وشجاعتها في الميادين وساحات المعارك أن تصقلها ، وفي الواقع فقد تمّ العثور على كثيرٍ من الدلائل والمحفوظات المنسوبة لها ، وهي أشبه ما تكون إلى المدونات الشخصية التي صاغتها واختزلت فيها عصارة تجربتها من حكم وأمثال مستدامة يمكن الاستدلال منها والاستفادة أيضاً من تجارب لها كشخصية جريئة وقائدة عسكرية شجاعة سيما وهي التي قالت : ( من ماذا تخاف ؟
أنت جزء من الطبيعة سواءً كنت على قيد الحياة أو ميتاً )
. وهنا – أرى – بأنه لابدّ من توضيح أمرٍ هام جداً في خاصية الجغرافية والتاريخ البشريتين لهذه المنطقة ! نعم ! لقد بدأ تاريخ الكُرد في بلاد الرافدين منذ العصور السحيقة . أي ما يسبق الميديين بزمن بعيد جداً رغم أنهم يعتبرون أنّ أسلافهم هم ذاتهم الميديبن الذين اعتمدوا الديانة الزرادشتية لاحقاً ، هذه الديانة التي ركّزت ولم تزل على المساواة بين الرجل والمراة وكذلك على التكافؤ بين الرجل والمرأة بالمشاركة في صنع القرار، وتقديم كلّ الدعم للمرأة كي تستطيع أن تمارس حقوقها كاملة ، وهناك أمثلة كثبرة من التاريخ الميدي يمكن الاستدلال منها على أنّ النساء كنّ تحاربن جنبا إلى جنب وتستبسلن مع الرجال في أرض المعارك ، ومع هذا فقد أجحف التاريخ بحق كثيرات منهن وتمّ تجاهلهن ، وإن أنصفت منهن القليلات كقيادات نسوية سفعت لهن إنجازاتهن كما وبسالتهن مثل – زرينا – التي تعدّ كأول امرأة قادت الجيش في إمبراطورية الميديين . وهي في الأساس كانت ابنة لواحد من أهم رجالات – البير pîr – وكان يُدعى شايلار . وقد اهتمّ بها والدها ووجهها للتعليم حيث درست الفلسفة وعلم الهندسة وإلى جانب ذلك اهتمّت بالشؤون العسكرية والتدريب، وأخذت تتمرّن خاصةً على القوس والسهم ، وقد أخذت تقتدي بوالدها كثيراً إن في التفكير أو القتال ، وسارت على خطاه إلى أن أصبحت – ماريا – وهو لقب ورتبة بمقام . وبعد وفاة والدها قادت الجيش بنجاح مع بقية المارياز . وكانت لكلماتها وأحاديثها في المعارك دور تشجيعي قوي ومؤثر للمحاربين ( سرباز ) وغالبيتها كانت تأخذ طابع الحكمة ، ولعله ( من أهم مقولاتها المهمة التي مازالت باقية حتى هذا الجيل من السارباز المحاربين ) هي – لو أضاء النور من خلفي ، فأستطيع مواجهة الظلام حتى لو جاء هذا النور من شمعة صغيرة – . لم تتلفت حولها أثناء المعارك لتعرف هل مازال الجيش معها أم لا ؟! . وهي كانت قد طلبت من المجلس البيرالي أن يصدروا أمراً بحرق الثدي الأيسر للفتيات في أعمار مبكرة عندما لاحظت أنّ المارياز يواجهون صعوبة مع القوس والسهم ، ولكن المجلس البيرالي رفضوا ذلك واعتبروه عملاً ضد الإنسانية ، على الرغم من أنهم علموا من نبؤة الماجي ( كاشف المستقبل ) بأنّ أمبراطورية الميديين ستنهار يوماً ما . وهناك مواقف عديدة وأيضاً مقولات وحكم نسبت إليها ودوّنت في مخطوطات وهي تحتوي على نصائح للمحاربين أيضاً وكمثال :
( من ماذا تخاف ! أنت جزء من الطبيعة سواءً كنت على قيد الحياة أو ميتاً ) .
( لا تدع قدميك تفتخر في الوقت الذي هزم فيه سيفك الأعداء ) .
( لا تقاتل من أجل مصلحتك الشخصية فقد أعطى ضوء الشمس حياتك ) .
وفي مقابل كل ما ذكرناه أعلاه ، وبما يقابل ذلك أيضاً سواءً من الصلابة والشجاعة أو من حنكة واستيلاد بدع وحيل لابدّ لنا من ذكر أنّ الأميرة زنزاد وهي شقيقة مير سليمان – امير إمارة سورانيون وبعد اغتياله من قبل لاشكري أحد القيادات العليا في الجيش في عام 1590، تولّت زانزاد مقاليد السلطة وأصبحت أميرة لإمارة سورانيون . لم يستطع لاشكري مع جيشه مواجهة مير زانزاد ولهذا السبب ذهب إلى شنگال. ولكنهما لم يتواجها عسكرياً ، فكتبت مير زانزاد خطاباً لـ لاشكري وذكرت فيه أنها لا تستطيع القيادة وأنه لابدّ من مشاركة شخص ما معها كل إرث وتراث إمارة سوران ( سورانيون في بعض المصادر ) ، وأضافت بأنها لن تجد رجلاً أفضل منه لتتزوجه . وفور تلقي لاشكري الرسالة ذهب إلى حرير ومعه 100 فارس . وليتمّ اعتقاله في اليوم التالي مع الفرسان المرافقين له وتقييدهم ومن ثم سوقهم الى الموت إعداماً . واستمرّت مير زنزاد إمبرة في حكم سورانيون لمدة سبع سنوات حيث نشطت في بناء القلاع والطرق وتقوية الجيش أيضاً . وقلعتها المسماة باسمها – زنزاد – تقع على بعد 20 كم شمال أربيل – هولير -عاصمة إقليم كُردستان .
…….
* تم الإعتماد في صياغة هذا الموضوع على مراجع من يوكيبيديا وغوغل كما ومقالات – مواضيع متعددة ومن ذات المرجعين .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “323“