آراء

المسألة الكردية: الديناميات وآفاق الحل

محمد عبد العاطي

ليست المسألة الكردية مستجدة أو طارئة على هذه المنطقة بل هي منغرسة في تاريخها وجغرافيتها وديمغرافيتها لاسيما منذ إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط على ضوء ترتيبات سايكس-بيكو قبل مئة عام. وما يضفي على المسألة الكردية أهمية مضاعفة هو ما شهدته في السنوات الأخيرة من ديناميات مسَّت أغلب مكوناتها على اختلاف تجاربها ومساراتها. يمكن ملاحظة تلك الديناميات في العلاقات الكردية-الكردية سواء داخل العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران. كما يمكن الوقوف عليها في أوضاع الكرد بالدول التي يعيشون فيها رغم اختلاف السياقات السياسية والاجتماعية والأمنية لكل بلد من البلدان المعنية.

ورغم عمق الروابط التي تجمع الأكراد وتنحت هويتهم المشتركة إلا أن توزعهم الجغرافي على عدة دول داخل المشرق وخارجه، جعل مسارات المسألة الكردية تختلف وتتعدد بتعدد البلدان التي ينتمون إليها. وإذا كان التفاوت في أوضاع الأكراد في كل من العراق وسوريا وتركيا وإيران يعود في وجه من وجوهه إلى اختلافات ديمغرافية وسياسية وأيديولوجية داخل المكونات الكردية ذاتها، إلا أنه يعود كذلك إلى اختلاف المقاربات التي تتبناها الدول المعنية إزاء المسألة الكردية.

لقد خضعت المسألة الكردية على مدى تاريخها إلى تدخلات ورهانات إقليمية ودولية تباينت بين الدعم والمساندة والتوظيف الذي يصل إلى حدِّ التلاعب ببعض مكونات الأكراد ومستقبلهم في المنطقة. وتزداد تلك التدخلات ويتسع نطاقها خاصة أثناء الأزمات والصراعات التي غالبًا ما تكشف عن هشاشة الكيانات الوطنية والمنظومات الإقليمية.

تعود المسألة الكردية إلى واجهة الأحداث بالتزامن مع ما يشهده العالم من توجه متزايد نحو انفجار الهويات الفرعية وصعود الحركات الانفصالية. ولا شك في أن الموقف الإقليمي والدولي الذي اصطدم به استفتاء كردستان في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول 2017، على سبيل المثال، والرافض كليًّا لاستقلال الإقليم، مثَّل نهاية مرحلة وبداية أخرى في أحد أكثر مسارات المسألة الكردية تقدمًا نحو تقرير المصير. ولكن التقلبات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط والمفتوحة على كل الاحتمالات، ستحمل معها مزيدًا من الفرص ومزيدًا من التحديات وستدفع الأطراف المعنية إلى البحث عن مقاربات جديدة للمسألة الكردية، وهو ما يجعل التمعن في جذور هذه المسألة ومتابعة منعطفاتها بالدراسة والتحليل أمرًا لازمًا للمهتمين بمعادلات الشرق الأوسط وما يعتمل فيه من متغيرات.

ومن هنا، تأتي أهمية هذا الملف الذي عكس اهتمامًا مبكرًا من قِبَل مركز الجزيرة للدراسات بالمسألة الكردية، وفيه يجد القارئ عديد الأوراق التي قُدِّمت، على سبيل المثال، في الندوة التي انعقدت في الدوحة بعنوان “المسألة الكردية: دينامياتها الجديدة وآفاقها المستقبلية” خلال الفترة من 25-26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وشارك فيها نخبة من الخبراء والأكاديميين والسياسيين والمتخصصين بالشأن الكردي، والندوة التي حملت عنوان “المسألة الكردية في المشرق” وانتظمت جلساتها على مدى يومي 13-14 يناير/كانون الثاني 2013 بالدوحة.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الأوراق نحت منحى التقرير البحثي الذي تنطبق عليه الشروط الأكاديمية المعروفة، وبعضها غلب عليها وجهة نظر معدها والموقف السياسي الذي تبنَّاه وهو يُقدِّمها في الندوتين سابقتي الذكر. كما يجد القارئ في الملف أيضًا بعض الأوراق التي نشرها مركز الجزيرة للدراسات في أوقات ومناسبات مختلفة ولها أهمية في تبيان معالم المسألة الكردية من زوايا وخلفيات تزيد الصورة جلاءً والفهم تعمقًا.

مركز الجزيرة للدراسات
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى