المصالح المشتركة تعيق حلّ الأزمة السورية
فرحان مرعي
لم تعد هناك جغرافية سورية ثابتة،أو سيادة وطنية ثابتة، بل وقائع استجدّت، وثبتت على الأرض ( سلطات أمر الواقع ، أو نظام المليشيات، بدلاً عن الدولة ) ، فيدور الحديث عن سوريا المفيدة، وكأن هناك سوريا المضرّة، الفائضة عن الحاجة – وعن شرق الفرات، وغربها، عن إدلب، والوسط، والجنوب، يتحدّثون عن سوريا، كما لو كانت إمارات، ودويلات!!!!
منذ ٢٠١٢، دخلت سوريا أزمةً سياسية حقيقية، نتيجة اندلاع ثورةٍ شعبية طالبت بالحرية والديمقراطية عام ٢٠١١ ….. ، تأزّم الوضع كثيراً ، نتيجة التدخل الدولي، والإقليمي في الشأن السوري: تدخّلت إيران وتركيا وميليشياتهما منذ البداية، ثم أمريكا باسم التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وداعش، ثم تدخّلت روسيا، بطلبٍ من النظام لمنع سقوطه، وتوضّح فيما بعد فشل الإرادة الدولية في إيجاد حلٍّ سياسي للأزمة، بل تشكّل قرارٌ، ونية في إدارة الأزمة ، كما اتفقوا ضمناً على بقاء النظام لأسباب جيوسياسية،(موقع سوريا، على حدود إسرائيل، نموذجاً )، فتوقّفت المفاوضات، بعد جولاتٍ عديدة، وانتقلت عملياً من تحت رعاية الأمم المتحدة من جنيف إلى آستانة، تحت رعاية روسيا، إيران، تركيا،( الدول الضامنة)، وانتقل الحصار الدولي على النظام السوري إلى مرحلة التأييد، وإعادة تأهيله وتطبيعه إقليمياً ودولياً-إعادة انتخاب، الرئيس بشار الأسد، للمرة الرابعة في آيار ٢٠٢١- ومن أجل تطويعه للمصالح الدولية . وتغيّرت لوحة المعارضة من التأييد الدولي لها إلى الانفضاض من حولها، من الحسم إلى التشرذم، ومن المبادئ الوطنية إلى البحث عن ملاذات شخصية آمنة، في كثيرٍ من مكوناتها ، وتوقّفت اللجنة الدستورية أخيراً عند الجولة التاسعة، بغية نقل مقرها إلى دولةٍ أخرى بعيدة عن الرعاية الدولية ، فبعد أن خرج الحلّ من أيدي السوريين، يخرج أيضاً من تحت عباءة الأمم المتحدة، إلى أيدي الدول المعنية مباشرةً بالأزمة السورية، روسيا، إيران تركيا، أمريكا .
يبدو للوهلة الأولى أنّ هناك صراعاً قوياً بين هذه الأطراف ، كما وتحسّ أنّ حرباً شعواء ستندلع بينها في أية لحظة!!!
إلا أنّ تسخين الأوضاع على الأرض، وخاصةً في الشمال الغربي ، والشمال الشرقي، وتوترها بين فينةٍ وأخرى، عن طريق مناوشات، ومناكفات، وتهديد بالانسحاب، ووعيد بالهجوم على مناطق، والتضليل الإعلامي المرافق والتصريحات المتناقضة ، ليس إلا غيماتٍ ،تمرّ وتمضي، وإثارةً للغبار، تزول بسرعة ، لذلك لاحظنا خفوت لهجة التهديد التركي بالهجوم على مناطق في شرق الفرات وغربه، بعد قمة طهران بين الروس وإيران وتركيا، وقمة سوتشي الأخيرة بين أردوغان، بوتين، مع إعطاء الضوء الأخضر لتركيا، في قصف المناطق العسكرية، والأهداف والمواقع المنتقاة على معظم الحدود الشمالية لسوريا في عمليات استنزافٍ للقوات الموجودة هناك(قسد) – وقبلهما كان زيارة بايدن إلى المنطقة: إسرائيل السعودية، قمة الأمن والتنمية ، المسألة السورية كانت شبه غائبة في لقاءاتهم!!!!
– حصلت تفاهمت سرية، وغير سرية بينهم، (قمة طهران، سوتشي )- نتيجة لبرود الموقف الأمريكي – على تركة (الرجل المريض) ، فالجميع موجودون على الأرض، كباراً وصغاراً، كومبارس، ومستخدمون، كلّهم مشغولون بتثبيت أقدامهم، مشغولون بنهب ثروات البلاد، يلتقون صباحاً ومساءً، قواعدهم، حواجزهم، دورياتهم ، متداخلة، يظهرون الخلاف في النهار ، وعندما يخيّم الظلام يأكلون معاً على طاولةٍ واحدة، ويتّفقون على بقاء الأوضاع كما هي،بما يخدم مصالحهم وسياساتهم ، وهناك مَن يحارب عنهم ، (حروب الوكالة)، وإنّ المنسف السوري، غني، بالثروات ، وهو مال مدشّر، يكفي الجميع!!!، ولا توجد ممانعة ، ولامعارضة، !!!! هذه الوقائع كلّها، تؤكّد أنّ الأوضاع، والمستجدات الحالية، ثابتة، ستبقى كما هي، إلى أمدٍ غير منظور، في انتظار وقائع جديدة، وما دامت لم تتبلور بعد معارضةٌ وطنية حقيقية، تتحمّل مسؤولية الأزمة وحلّها. إلى جانب هذه الوقائع الثابتة، مرحلياً، وقائع أخرى متحرّكة، على الساحة السورية، تتمثّل في استمرار انهيار الدولة السورية بكلّ مرتكزاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالنزيف مستمرٌّ من كلّ جانب ، تشرذم البلاد وتشتتها، ما يشبه التقسيم، إنهيار الحياة المدنية لتحلّ محلّها مظاهر العسكر والأمن والتشبيح، والنهب… الخ، انهيار الليرة السورية، تفشّي الجوع والفقر، الهجرة والنزوح المستمرّين ، فقدان الخدمات، وفقدان مقومات الحياة اليومية، من خبز وماء وطاقة ، هذه مظاهر يومية متحرّكة، مستمرّة يدفع ضريبتها المواطن، أولاً وأخيراً ، الذي فقد الإرادة والقوة- على الأقل في هذه المرحلة.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 301