المصير الكردي في سوريا المستقبل
عبدالله إمام
تناولنا في حلقة سابقة أهمية وثيقة الإطار التنفيذي الذي أقرته الهيئة العليا للمفاوضات، وإقصاءها للكرد وتهميشهم كمكوًن، وكذلك احتكارها لهوية الدولة بتعريبها وأسلمتها، بالإضافة إلى سلبها لإرادة وقرار ومصير المكوّنات الأقل عدداً. وسنتناول فيما يلي موضوعات اللامركزية الإدارية والفيدرالية، وموقف وسلوك المجلس الوطني الكرديENKS، وأداء ممثليه لدى الهيئة العليا ووفودها.
اللامركزية الإدارية بدلاً من الفيدرالية:
شكل هذا الموضوع نقطة خلاف بين الكرد وباقي مكونات المعارضة السورية، وبقي نقطة تحفّظ من قبل ENKS عند إبرام وثيقة انضمامه إلى الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة، أما بقية مكونات المعارضة فلا يختلف موقفها بشأن هذه النقطة عن موقف الائتلاف بل ربما هو أسوأ عند البعض. وعند تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات كانت هذه النقطة محل اتفاق ضد المطلب الكردي، وتجلى ذلك الاتفاق في وثيقة الإطار التنفيذي التي نحن بصدد مناقشتها هنا.
جاء في المبدأ الثامن من المبادئ العامة لوثيقة الإطار التنفيذي: «تعتمد الدولة السورية مبدأ اللامركزية الإدارية في إدارة شؤون البلاد بما يمنح أهالي كل محافظة ومنطقة دورا في إدارة شؤونهم المحلية: الاقتصادية والمجتمعية والحياتية، ولا يؤثر سلبا على وحدة البلاد».
كما جاءت فيمندرجات المرحلة الانتقالية بنود تشرح المبدأ العام الثامن وهي البنود 49 و 50 و 51 و 52 كالتالي:
البند 49: «الإدارة المحلية: تعتمد هيئة الحكم الانتقالي تنظيم إدارة للمجالس المحلية ووضع هيكليتها وتشكيلها في مختلف المحافظات السورية، وفق تقسيمات جغرافية وإدارية تضمن تمتع السوريين بسائر الخدمات دون أي تمييز».
البند 50: «يقوم نظام الإدارة المحلية على مبدأ اللامركزية الإداريةفي السلطات والمسؤوليات، وتتضمن الوحدات الإدارية: المحافظات، والمدن، والبلدات، والقرى، ويعيّن لكل منها مجلس محلي يتألف من عدد من الأعضاء المنتخبين حسب قانون الانتخاب الخاص بالإدارة المحلية، وتعمل من خلال مكتب تنفيذي، ويرأس رئيس الوزراء المجلس الأعلى للإدارة المحلية».
البند 51: «تتولى المجالس المحلية مهام: التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والعمرانية، المتوازنة والمستدامة لمنطقتها، بما في ذلك أعمال: التخطيط، والصناعة، والزراعة، والاقتصاد، والتجارة، والتعليم، والثقافة، والسياحة، والنقل، والريّ، والكهرباء، والصحة، والشؤون الاجتماعية، والعمل، والخدمات، والبيئة، وغيرها من المسؤوليات المحلية مع مراعاة حصة المحافظة من مواردها المالية».
البند 52: «تشرف هيئة الحكم الانتقالي على دمج المجالس المحلية في المناطق التابعة للمعارضة والنظام مع جهاز الحكم المحلي تحت إدارة موحدة بما يراعي توازن التمثيل».
فلا يوجد فيما ذُكر أعلاه أي بند يشير إلى مجرد التفكير بالخروج عن الدائرة التي رسمها النظام منذ عقود فيما يخص كون الدولة بسيطة مركزية تبدأ وتنتهي جميع خيوطها في العاصمة،فبماذا يختلف هذا الطرح عن مضمون قانون الإدارة المحلية في سوريا الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 لعام 2011؟ بل إن البند 50 أعلاه ينص صراحةً على انتخاب أعضاء المجالس المحلية «حسب قانون الانتخاب الخاص بالإدارة المحلية» وهو يقصد المرسوم التشريعي أعلاه الذي أصدره رئيس النظام في شهر آب عام 2011 أي بعد اندلاع الثورة بخمسة أشهر. كما أن جملة: «يعيّن لكل منها مجلس محلي يتألف من عدد من الأعضاء المنتخبين …» الواردة في البند رقم 50 تصادر حتى إرادة الناخبين فلا يكفي فوز المرشح بأصوات ناخبيه ليكون عضواً في المجلس المحلي بل يجب أن يتم تعيينه بقرار من المركز بعد انتخابه.
فلا مجال لقبول فكرة الفيدرالية أساساً، كما أن اللامركزية المطروحة هي شكل لإدارة المدن والبلدات والقرى وليست شكلاً للدولة، وفي هذه الحالة فإن الدولة – حسب القانون الدستوري – تبقى دولة مركزية بسيطة.
إذاً: لا فيدرالية، ولا حتى لامركزية إدارية موسعة،بل تطبيق حرفي لما هو مقرّ سابقً من قبل النظام؟
موقف المجلس الوطني الكرديENKS:
أصدرت الأمانة العامة لـ ENKS في حينه بياناً حول هذه الوثيقةجاء فيه أنه قدّم مقترحات عدّة حول تعديل مسودتها الا أنها لم تؤخذ بعين الاعتبار، وأنه فور اطّلاع المجلس على النسخة النهائية من الوثيقة بادر بإرسال رسالة إلى المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضاتبتاريخ 6/أيلول/2016 قبل الاعلان في مؤتمر لندن وأبدى اعتراضه على العديد من النقاط الواردة في الوثيقة وأبرزها:
1- أن الوثيقة تلغي حقيقة التعدد القومي لاعتبارها أن سوريا جزء من الوطن العربي.
2- أن الوثيقة تلغي مساهمة المكونات الأخرى في بناء سوريا عندما تقول (اعتماد الثقافة العربية الاسلامية معينا خصبا للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية ..) ويعتبر ذلك إلغاء لثقافات المكونات السورية التي تفاعلت إيجابيا في الحضارة السورية على مدى آلاف السنين.
3- اعتماد الوثيقة اللغة العربية لغة رسمية وحيدة في البلاد ويعتبر ذلك إلغاء وتجاهلا للغة الكردية ولغات المكونات الأخرى.
4- أن الوثيقة تتجاهل الاعتراف وضمان حقوق الشعب الكردي القومية واللغوية والثقافية والسياسية دستوريا وفق العهود والمواثيق الدولية, وكذلك حقوق المكونات السورية الأخرى من سريان أشوريين وتركمان وسائر المكونات القومية الاخرى .
5- أن الوثيقة تحاول من خلال طرح اللامركزية الإدارية لشكل الدولة واستنساخ المجالس المحلية التي اعتمدها النظام سابقا وتعيد انتاجه من جديد.
6- الوثيقة تُخضع القرارات التي تؤثر على مكوّن بعينه إلى مبدأ الاغلبية بدل من التوافق, وإلى ما هنالك من ثغرات في الوثيقة المعلنة.
لذلك فان ENKSأعلن أنه غير ملزم بهذه الوثيقة, وبناء عليه رفض المشاركة في مؤتمر لندن، داعياً الهيئة العليا للمفاوضات إلى اعادة النظر في وثيقة الاطار التنفيذي ومهدداً بسلوك «خيارات خرى» مع حرصه على الاستمرار والعمل في صفوف تلك الهيئة، ومؤكداً بأن «أي حل لا ينسجم مع تطلعات السوريين في بناء سوريا اتحادية برلمانية ديمقراطية يضمن دستورها الحقوق القومية للشعب الكردي لن يجلب الامن والاستقرار لسوريا والمنطقة».
من الناحية النظرية كان هذا البيان معبّراً بشكل مناسب عن الموقف الكردي إزاء وثيقة الإطار التنفيذي، باستثناء عبارة «حرصه على الاستمرار والعمل في صفوف الهيئة العليا للمفاوضات» فهذا العبارة لا تتناسب مع مضمون البيان الذي كان يتطلب تجميد عضوية ENKSفي الهيئة العليا للمفاوضات وعدم السير معها أو مع وفودها حتى تغيير تلك الوثيقة بما يتناسب والطرح الكردي.
كما أن اكتفاء ENKSببيان يفيد بإرساله رسالة إلى الهيئة العليا للمفاوضات لم «يكشف» عنها إلا بعد أن بلغ السخط الشعبي الكردي مداه انزعاجاً من وثيقة الإطار التنفيذي يجعلنا نشكك حتى بحقيقة وجود تلك الرسالة من أساسها ويجعلنا ننظر إلى ذلك البيان كرسالة موجهة فقط إلى الشارع الكردي بهدف امتصاص غضبه.
وحتى على افتراض صحة الرسالة تلك فإن مجرد إرسالها وإصدار بيان لاحق بإرسالها لا يكفي بل كان الموقف يستلزم حملة سياسية وديبلوماسية وإعلامية على جميع الأصعدة الدولية والإقليمية، وهذا ما لم نجده، وبناءً عليه كان سلوك ENKSمخيّباً وغير متناسب مع ما أبداه من ملاحظات على وثيقة الإطار التنفيذي.
أداء ممثلي المجلس الوطني الكردي:
بالإضافة إلى التناقض المذكور أعلاه ضمن بيان ENKSوما ترتب عليه من أداء مخيّب له، فإن أداء ممثليه لدى الهيئة العليا للمفاوضات وفي وفودها كان مثيراً للسخرية والامتعاض كردياً.
فعلى سبيل المثال نذكر المفاجأةالتي حملها لنا النائب الكردي لرئيس الائتلاف المعارض السيد عبدالحكيم بشار بإعلانه مؤخراً أن الهيئة العليا للمفاوضات قد«رضخت» لشروط ENKSبقبول النقاط التي تم تعديلها على وثيقة الاطارالتنفيذي حول مطالب ENKS بشأن حقوق الشعب الكردي في سوريا المستقبل ومنها تعديل البند الأول (من المبادئ العامة) وجعله كالتالي: «سوريا دولة متعددة القوميات والثقافات وهي عضو في جامعة الدول العربية واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة واللغة الكردية لغة ثانية في المناطق الكردية»، وكذلك تعديل البند السادس ليصبح كالتالي: «اعتبارالقضية الكردية قضية وطنية سورية وضمان حقوقهم القومية واللغوية والثقافية دستورياً».
ثم تبين لنا بأنالتعديلات المقترحة قد سُلّمت إلى لجنة الصياغة التي استلمتها وأرسلتها إلى اللجنة القانونية، لكنها بقيت هناك كما هي دون إدخالها إلى الوثيقة الأساسية ودون عرضها على الهيئة العليا للمفاوضات، أي أنه لا يوجد أدنى قبول بفكرة التعديل، وهذا ما أكده عضو الهيئة السيد رياض نعسان آغا مثلاً.
كما أن الصيغة البديلة (الجديدة) هي بدورها صيغة قاصرة ولا تلبي أدنى طموحات المكوّن الكردي. بمعنى أنه حتى لو «رضخت» الهيئة العليا للمفاوضات وقبلت بتلك التعديلات فإن ذلك سيكون مخالفاً حتى لمندرجات بيان ENKSبصدد وثيقة الإطار التنفيذي.
فبالنسبة للبند الأول اعتبرت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة بينما اعتبرت اللغة الكردية هي الثانية (وليست الرسمية) في المناطق الكردية، ومن المفترض أن تكون هي اللغة الرسمية الثانية للدولة والأولى في «المناطق الكردية». كما أن البند السادس لم يتم فيه سوى إزالة كلمتي: «العمل على» منها، وهو مهم، ولكن الأخطر هو بقاء كلمة: «حقوقهم» مع حرف الميم الذي يشير إلى الكرد كأفراد وليس كمكوّن أو جماعة قومية متمايزة، إذ أن الميم في كلمة «حقوقهم» حرف جماعة يعود على الكرد كمواطنين أفراد، ولو كانت تريد العودة إليهم كمكوّن أو كجماعة قومية لكانت الكلمة هي: حقوقه أو حقوقها،بالإضافة إلى أن ذلك البند لا يحتوي أصلاً وبصريح العبارة على مَن تعود عليه أو إليه تلك الحقوق، فهو يقول: «اعتبار القضية الكرد قضية وطنية وضمان حقوقهم»، والسؤال هنا هو: حقوق من؟ وفي الإجابة تكمن التفاصيل الحاملة للشياطين. وكان الوضوح يقتضي صياغتها كالتالي: «اعتبار قضية الشعب الكردي (أو المكوّن الكردي) قضية وطنية سورية وضمان شراكته العادلة في الوطن وضمان حقوقه القومية دستورياً».
المفاجأة الثانية كانت يوم 30 آذار الماضي بإعلان ممثلي ENKSفي الهيئة العليا للمفاوضات ووفديها المفاوض والاستشاري تعليق مشاركتهم في جلسات جنيف 5 بسبب امتناع تلك الهيئةعن «تقديم مذكرة باسم الهيئة إلى المبعوث الأممي دي مستورا تؤكد فيها تمثيل الكرد في المفاوضات على عكس ما يشاع وتتناول القضية الكردية وقضايا المكونات» والمطالبةبإدراجها في جدول الأعمال، حيث أن هذا الأمر «يثير تساؤلات حول مصداقية الهيئة والتزامها بوثائقها وبضمان الحقوق القومية للكرد دستوريا وكذلك باقي المكونات..»، وبالتالي «عدم التزامنا بالوثائق التي يتم تقديمها بغيابنا» حسب التصريح الصادر عن ممثلي المجلس لدى الهيئة ووفديها.
ما يلفت الانتباه في هذا التصريح هو أولاً توقيته الذي جاء قبل يوم واحد من انتهاء جولة المفاوضات الخامسة في جنيف وبعد الحملة الانتقادية الواسعة التي وُجِّهت إلى ممثلي ENKSفي الهيئة العليا ووفودها وطالبت باستبدالهم بمن هم أكثر كفاءةً، وهذا ما يفسر صدور التصريح بأسماء الأشخاص الثلاثة وليس باسم ENKS، أي أن الهدف الأول لهذه الرسالة هو إثبات حضور وفعالية أولئك الأشخاص وضرورة بقائهم في مواقعهم، وقد كانت ردود أفعال بعضهم تجاه مطالب تنحيتهم لا توحي بالهدوء والاتزان المطلوبين في أناس تتطلب المهمة التي كُلِّفوا بها تلك الصفتين بالدرجة الأساس. كما لاحظنا محاولة البعض تلميع صورهم وتضخيم أنشطة عادية قاموا بها وإبرازها كإنجازات كبرى لا قدرة لغيرهم عليها.
إذاً فقد جاءت خطوة ENKS هذه متأخرة جداً وبعد ضياع للوقت والجهد والفرص والنفقات وبعد التلكؤ والتخبط وخاصة من قبل ممثليه لدى الهيئة العامة للمفاوضاتووفدبها الذين أثبتوا عجزهم عن القيام بالمهمة المنوطة بهم.
إن ما طرحَته وتطرَحه «المعارضة» السورية ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات لا يختلف عما يطرحه النظام بالنسبة للكرد وقضيتهم، بل الفارق الوحيد في هذا المجال هو امتلاك النظام للسلطة التي تمكّنه من تطبيق سياسته الشوفينية ضد الكرد وممارسة شتى صور الاضطهاد القومي بحقهم ناهيك عن إنكار وجودهم كمكوّن وطني. ولا ندري ماذا كانت أضافت المعارضة لسياسات النظام في حال كانت هي الحائزة للسلطة.
وهنا أؤكد على ضرورة قيام ENKSبمراجعة خططه وآلياته وتمثيله لدى المعارضة السورية وعدم الاعتماد على بعض التصريحات التي تصدر عن بعض ممثلي المعارضة والتي تأتي في سياق المجاملة وربما الخداع أيضاً، بل من المهم الحصول على وثائق واضحة مكتوبة وموقّعة وبضمانات دولية بعد صياغتها من قبل أصحاب الكفاءات.