المصير الكردي في سوريا المستقبل على ضوء الإطار التنفيذي للحل السياسي الذي أقرته الهيئة العليا للمفاوضات (1 من 2)
عبدالله إمام
في أوائل شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي صدر عن الهيئة العليا للمفاوضات وثيقة سُمّيت بـ «الإطار التنفيذي للحل السياسي في سوريا»، وقد احتوت هذه الوثيقة ملخصاً تنفيذياً ومقدمة ومبادئ عامة وعرضاً للمراحل الثلاثة للحل السياسي في سوريا (مرحلة التفاوض وإقرار المبادئ الأساسية للعملية الانتقالية، المرحلة الانتقالية، والمرحلة أو الحالة النهائية) بالإضافة إلى ملحق.
وإذ تشكل هذه الوثيقة أساساً لرؤية المعارضة السورية فيما يتعلق بمستقبل سوريا القريب والبعيد فإنها تشكل أيضاً أساساً يعتمد عليه كردياً في رسم الخطط والسياسات ونسج العلاقات ووضع الآليات المناسبة فيما يتعلق بأطر المسألة السورية جميعها، لذا كان من الأهمية بمكان وقوف الكرد – ممثلين بالمجلس الوطني الكردي – على هذه الوثيقة بكامل محتوياتها وبنودها وعباراتها وحتى ألفاظها لاختيار الموقع المناسب وبناء الموقف السليم.
وبما أن المجلس الوطني الكردي قد أهمل هذه الناحية واستمر حتى وقت قريب على نفس مستوى وشكل علاقته مع الهيئة العليا للمفاوضات ومع جميع مكوناتها رغم تعارض هذه الوثيقة مع الوثيقة التي انضم بالاعتماد عليها إلى الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة ومع البرنامج السياسي للمجلس الوطني الكردي ومع أدنى الطموحات القومية للشارع الكردي السوري، فقد كان من الطبيعي أن يتوجه المتابعون والنشطاء والمراقبون وحتى القواعد الحزبية الكردية بالنقد واللوم والملاحظة إلى هذا المجلس وإلى الأداء الهزيل لممثليه لدى المعارضة وكان الهمّ الغالب لهم هو تصويب المسار واختيار الكفاءات المناسبة للمهام المناسبة.
وهنا أرى من واجبي العودة – ولو متأخراً – إلى وثيقة الإطار التنفيذي للحل السياسي في سوريا، مرَكّزاً على ما يخص القضية الكردية والملاحظات الخاصة بها، تلك التي يتوجب على المجلس الوطني الكردي وجميع الساسة الكرد أخذها بعين الاعتبار.
أهمية الوثيقة:
يتبين من بداية الملخص التنفيذي مدى أهمية هذه الوثيقة وأهمية أن تكون جميع الأمور واضحة ومتفقاً عليها ومتوافقاً عليها سلفاً منذ الآن ومن الخطأ تأجيل أية قضية إلى ما بعد رحيل النظام، إذ ورد في الملخص: «تقدم الهيئة العليا للمفاوضات رؤيتها للإطار التنفيذي للحل السياسي في سوريا، والتي تمثل تصورًا شاملاً للعملية التفاوضية والمرحلة الانتقالية وللأسس العامة التي ينبغي أن يقوم عليها النظام السياسي الجديد لسوريا المستقبل، وللضمانات القانونية التي تحمي خيارات الشعب السوري»، وأيضاً: «كما تمثل الرؤية في مجملها استجابة لتطلعات السوريين إلى الانعتاق من الدكتاتورية، وصياغة عقد اجتماعي جديد لسوريا، وبناء نظام سياسي»، وفي الفقرة الأخيرة منه وردت الجملة الحاسمة: «تبقى المبادئ الأساسية المحددة في الاتفاق المؤقت سارية المفعول بوصفها جزءا من الدستور الجديد للبلاد». وتم تأكيد هذا في البند رقم 60 الخاص بالحالة النهائية.
إقصاء الكرد وتهميشهم كمكوًن (اعتبارهم مواطنين أفراد لا جماعة قومية متمايزة):
في حين تم وصف النظام السياسي الجديد لسوريا المستقبل بأنه «يقوم على مبادئ الحرية والمساواة والمواطنة والعدالة من خلال تمثيل كافة مكونات وفئات الشعب دون تمييز أو إقصاء ديني أو مذهبي أو طائفي أو عرقي أو طبقي، وصيانة حقوقهم المشروعة ضمن إطار الهوية الوطنية الجامعة والوطن الواحد» فإنه تم تعمّد استبعاد كلمة «قومي أو لغوي» من تلك الجملة لكي لا تشمل الكرد الذين من المؤكد أنهم ليسوا حالة دينية أو مذهبية أو طائفية أو عرقية أو طبقية بل هم حالة قومية ولغوية متمايزة. ولتأكيد هذا التعمّد ورد في المبدأ الثالث من المبادئ العامة أن هذا النظام السياسي يقوم«على أساس الممارسة الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، والمواطنة التي تساوي بين جميع السوريين في الحقوق والواجبات من دون تمييز على أساس اللون أو الجنس أو اللغة أو القومية أو الرأي أو الدين أو المذهب»، فهنا نجد كلمتي: اللغة والقومية باعتبارهما من بين الأسس التي لا يجوز التميز بين المواطنين بناءً عليها، أما حين الحديث عن دور المكونات الوطنية في النظام لسياسي الجديد لسوريا المستقبل فلا يتم ذكر هاتين الكلمتين.
أي أن النظام السياسي لسوريا المستقبل لا يضمن تمثيل المكوّن الكردي الذي لا يُنظر إليه إلا كمواطنين أفراد متساوين مع المواطنين الآخرين.
وهنا نصل إلى النقطة الجوهرية التي لم ينتبه إليها الكثيرون، وهي ما ورد في المبدأ السادس من المبادئ العامة وتم تأكيده في الملخص التنفيذي، حيث تم النص على: «اعتبار القضية الكردية قضية وطنية سورية، والعمل على ضمان حقوقهم القومية واللغوية والثقافية دستوريا»، وهذا ما يشبه الصيغة التي وردت بخصوص القضية الكردية في «إعلان دمشق» عام 2005، ونتوقف في هذه العبارة على أمرين: الأول هو اعتبار القضية الكردية قضية وطنية، وهذا أمر جيد وإيجابي بل هو واجب على جميع السوريين تبني جميع القضايا التي تخص أي جزء أو مكوّن. ولكن عندما نتمعن في الأمر الثاني لا نستطيع تفسير هذه الصيغة إلا على أنها انتزاع إرادة أصحاب القضية الكرد وانتزاع القرار منهم وإخضاع المسألة لرأي لأغلبية. فما الأمر الثاني؟ إنه يكمن في كلمة «حقوقهم» (بحرف الميم) أي حقوق المواطنين الكرد كأفراد وليس حقوق المكوّن الكردي كجماعة قومية. والفارق كبير: ففي الحالة الأولى يتم التعامل مع المواطنين الكرد كحالة غير ذات جغرافيا محددة بل كأفراد لديهم فروقات ثقافية ربما يسمح لهم بممارستها. أما في الحالة الثانية (التي تم طمسها) فإنه يتوجب اعتبار الكرد جماعة قومية ذات جغرافيا وسمات قومية متمايزة والاعتراف بحقها في تقرير مصيرها وعدم ترك هذا الحق لبقية المواطنين والمكونات.
وبالإضافة لهذا فإن تعبير «العمل على ضمان» يعني أنه أمر غير ثابت وغير مضمون بل هنالك مجرد وعد بالسعي إلى ضمان هذه الحقوق.
هوية الدولة محتكرة عربياً إسلامياً:
وعندما نراجع المبدأ الأول من المبادئ العامة نتأكد بأنه لا مكان للكُرد في الهوية السورية بل الجميع سوريون عرب مسلمون، وهذا ما يؤكد الكلام أعلاه، فهذا المبدأ يقول بأن «سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معينا خصبا للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الاثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين إلى العروبة وتدين بالإسلام». وعلى هذا لا يمكننا تفسير القول بوطنية القضية الكردية إلا ككلام حق يراد به باطل وسبيلاً لإقصاء الكرد وصهرهم في البوتقة العربية، وهذا لا يختلف عن المنظور البعثي الشوفيني المقيت.
فهوية الدولة إما أن تكون عامة ومحايدة (وهو الأفضل) أو تكون مفصلة بحيث تشمل جميع مكوناتها، وفي هذه الحالة ومع إلحاحوتأكيد الوثيقة على كون سوريا جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي فإن من حق المكوّن الكردي السوري اعتبار الجغرافيا الخاصة به جزءاً من الوطن الكردستاني، فإما أن يتم إنصاف الجميع بذكر هكذا تفاصيل أو أن يتم الاكتفاء بالقول بأن «سوريا دولة ذات سيادة، متعددة القوميات ومتنوعة الثقافات».
سلب الإرادة والقرار من المكوّنات الأقل عدداً:
ويأتي المبدأ الحادي عشر من المبادئ العامة لينتزع قضايا المكوّنات الدينية والقومية من أيدي أصحابها ويضعها بيد الأغلبية العربية، المسلمة السنية، حيث ينص هذا المبدأ على أنه «تضمن المبادئ الأساسية لاتفاق المرحلة الانتقالية المشاركة الشعبية في صياغة السياسات الوطنية واستحداث الآليات اللازمة لتحقيق ذلك، وتطبيق قواعد اتخاذ القرار بالتوافق فيما يتعلق بالإجراءات التشريعية والتنفيذية التي تؤثر على مكونات بعينها في المجتمع السوري، وفي حال تعذر ذلك يُتخذ القرار بأغلبية الثلثين». وتطبيق هذه الحالة هو كالتالي: عند تعذّر الوصول إلى التوافق حول قضية تخصّ مكوّناً ما يتم اللجوء إلى الإرادة الشعبية (أي الاستفتاء الشعبي العام) التي تقرر معالجة القضية بأغلبية الثلثين، وهنا سيكون مصير المكوّن الكردي بيد المكّون العربي لأنه يشكل أكثر من الثلثين، وسيتعمّد ممثلو المكّون العربي عرقلة أي توافق حول القضية الكردية ليتم إحالة الأمر إلى الاستفتاء الشعبي العام الذي هم واثقون من أن نتيجته ستكون لمصلحتهم. كما أن مصير المكونات الدينية المسيحية أو الإيزدية سيكون كذلك بيد الأغلبية المسلمة، وسيكون مصير الطوائف العلوية والدرزية وغيرها بيد المسلمين السنة وهكذا.
ويتأكد هذا الكلام في البند الثامن ضمن بنود مرحلة التفاوض وإقرار المبادئ الأساسية للعملية الانتقالية حيث ورد: «تتضمن المبادئ الأساسية للاتفاق السياسي حول المرحلة الانتقالية: إقرار إعلان دستوري يحكم المرحلة الانتقالية، ويضمن المشاركة الشعبية في صياغة السياسات الوطنية وتطوير الاليات لذلك».
كما أن هنالك بنوداً أخرى في المرحلة الانتقالية تبطن تهميش المكون الكردي وذلك على الشكل التالي:
– البند 19 الذي يتناول مسألة تخصيص المقاعد في هيئة الحكم الانتقالي فينصّ على أن «تقسم المقاعد في هيئة الحكم الانتقالي بما يضمن تمثيل سائر مكونات الهيئة العليا للمفاوضات وضمان تمثيل كافة شرائح المجتمع السوري»، وهنا يكون التمثيل للشرائح وليس للمكوّنات القومية والدينية أو الطائفية، كما أنه لا يشترط أن يكون تمثيلاً حقيقياً وعادلاً.
(إيضاح: التمثيل الحقيقي هو كون الممثل مقبولاً ومعتمَدأ من قبل المكوّن الذي يمثله، والتمثيل العادل هو أن يكون عدد الممثلين ومواقعهم في الهيئة منصفاً ومتناسباً مع حجم ونسبة المكون الذي يمثلونه).
– وينطبق الكلام السابق كذلك على البند 36 الذي يقول: «تدعو هيئة الحكم الانتقالي إلى عقد مؤتمر وطني سوري خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، ويتكون من أشخاص يمثلون مختلف مكونات الشعب السوري وقوى المجتمع المدني ومنظماته إضافة إلى شخصيات دينية وسياسية وثقافية ونقابية وفكرية لها حضور على الصعيد الوطني، وتمثيل السوريين في المهجر والشتات، وذلك وفق معايير يتم تحديدها في مرحلة المفاوضات، مع ضمان تمثيل المرأة بصورة مناسبة، ويقوم المؤتمر الوطني السوري بإطلاق عملية حوار وطني شامل لا يستثني أحدا من مكونات المجتمع».
– البند 25 الذي يتناول قواعد اتخاذ القرار في رئاسة الهيئة إذ يقول:«تعمل رئاسة هيئة الحكم الانتقالي على قاعدة التوافق، وفي حالة عدم تحقق ذلك يتم اتخاذ القرار بأغلبية الثلثين». أي أن أسلوب عرقلة التوافق وتعمد اللجوء إلى التصويت واتخاذ القرار بالأغلبية سيبدأ إعماله منذ المرحلة الانتقالية وضمن هيئة الحكم الانتقالي التي «تتمتع منذ تأسيسها بسلطات تنفيذية كاملة تتضمن إصدار إعلان دستوري مؤقت يتم تطبيقه على امتداد المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة تصريف أعمال، وإنشاء مجلي عسكري مشترك، ومحكمة دستورية عليا، وهيئة لإعادة الإعمار، وهيئة للمصالحة الوطنية، وعقد مؤتمر وطني جامع، وإعادة هيكلة القطاع الأمني، والإشراف على إدارة الشؤون الداخلية، وتأسيس نظام إدارة محلية يقوم على مبدأ اللامركزية الإدارية…» حسب الملخص التنفيذي.
– وفي البند 37 الذي يتناول مسألة قيام المؤتمر الوطني بتشكيل لجنة لصياغة مسودة دستور جديد للبلاد، لا يوجد أي تفصيل يتعلق بالتمثيل العادل للمكوّنات الوطنية في هذه اللجنة.
سنتوقف في الحلقة القادمة على موضوعات اللامركزية الإدارية والفيدرالية، وموقف المجلس الوطني الكردي، وأداء ممثليه.
جميع المقالات المنشورة تعبر عـــــن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــــن رأي يكيتي ميديا