المطلوب هو رأس السفير الروسي ” أندريه كارلوف ” لا أكثر .!
عنايت ديكو
– الكل وبدون استثناء قد تفاعلَ وشاهَدَ الحدث، حدثُ إغتيال رأس الدبلوماسية الروسية في تركيا.
والجميع شاهد أيضا الرصاصات الاولى وهي تخترق جسم السفير الروسي ومن على مسافة قريبة جداً جداً، والكل تفاعل مع الحدث ومن موقعٍ وزاوية محددة ومختلفة ، فمنهم مَنْ كتَبَ وحلَّل وشرَحَ وهاجَمَ ونَقَد، ومنهم مَنْ فرِحَ واستهجَنَ وإستغرب لمقتل السفير الروسي ” أندريه كارلوف ” في العاصمة التركية ” أنقرة “.
– فهل هذا الاغتيال هو حدثٌ عابر … أم خلل فني .. وأمني … ولوجستي … أم هناك مقاصد وأهداف سياسية كبيرة تنتظرنا ؟
– فأي إغتيال سياسي في العالم هو دليلٌ على الإنغلاق والانسداد في الآفاق والرؤى وعدم الوصول الى الحلول السياسية ، وجاء هذا الاغتيال للسفير الروسي أمام مرأى وأعين الناس والكاميرات ، ليأكد ما تعيشه هذه الدول المعنية بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة في سوريا والعراق ، من تناقضات وأزمات وصراعات بينية وقاتلة.
فبدون خوف أو هروب أو إرتباك أو وضع كمامات على الوجه للتخفّي وبدمٍ بارد ، خرج القاتل التركي ” مولود ألتنتاش ” وهو في أوج ومنتهىٰ أناقته مع ربطة العنق السوداء والبدلة الرسمية ولربما مع أحسن وأجود العطور أيضاً ، وصوَّب بضع رصاصات بإتجاه السفير الروسي في أنقرة وأرداه قتيلاً ، مع ترديد شعاراتٍ مبهمة من ” الله أكبر ” وغيرها . فهذا الشعار لا يؤكد بالضرورة على أنه ينتمي الى الجماعات الاسلامية ، وليس بالضرورة أن يكون القاتل من التكفيريين أيضاً ، لربما يكون من الملحدين أو من القوميين مثلاً .! لكن الواضح والأكيد هو أن القاتل كان ينتمي الى إحدى الفرق العليا لمكافحة ومحاربة الارهاب في تركيا ، وهو خريج معاهدٍ وتدريبات أمنية واستخباراتية كبيرة وعالية المستوى وهو ليس برجل عادي وبائعٌ للخضرة في شوارع تركيا، يعني القاتل هو خريج المدرسة والعقلية الآتاتوركية والقوموية العسكرية الطورانية.
والسؤال هنا : كم من أشخاصٍ ودولٍ ومنظمات وكيانات وسياسات وقفت وراء هذا القاتل التركي ، حتى أقدَمَ هذا الشرطي على تنفيذ مثل هذه العملية .؟
– وعلى الطرف الآخر ، حيث صدى التنديد بهذا الاغتيال يتعالى داخلياً واقليمياً ودولياً والكل يحاول ابعاد الاتهامات والشبهات عن نفسه ودفعها خارجاً .
– طيب … فمَنْ الذي قام بهذا الاغتيال يا ترىٰ .؟ ومَنَ الذي خطط له ، ومَنْ الذي موَّل ودفع له وكتب له السيناريو والخطة والتنفيذ والقيام به ووو الخ ، من تساؤلاتٍ واتهامات واستفسارات .؟؟
– نستطيع القول هنا : بأن هذا الحدث الكبير جاء في مفصلية تاريخية وعلاقات دولية واقليمية متشابكة ومتناقضة ومعقدة ، تشوبها الحذر والترقب والتشكك.
– فمنهم مَنْ كتبوا عن الاغتيال وقالوا : هذا هو الجزاء المناسب لك يا ” بوتين ” مثل بعض البسطاء والبؤساء السوريين ومن الشارع السوري العام والبسيط.
– وهناك مَنْ صاغ الخبر على هواه ، وكأنه كان ينتظر من رب السموات والارض ، قدوم هذه اللحظة وهذه الفرصة ، لكي يَنقضَّ ويفتك بمعارضيه وبكل الاشكال والأساليب والطرق ، وأن يضغط بأنيابه الحادّة أكثر فأكثر نحو قضم البقايا النائمة في المجتمع ، والقضاء على ما تبقى من هياكلٍ وتحركاتٍ للمعارضين والمخالفين له . وفَمَهَ يلفظ ناراً مشتعلة ، ومتهماً معارضيه يميناً ويساراً بهذا الاغتيال ، وتوجيهِ بوصلة الاتهامات ومن دون تفكير أو أدلّة نحو جماعة ” فتح الله غولن والـ PKK والولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول الاوروبية ، وهذا ما شاهدناه عند النظام التركي وكيفية تعامله مع هذا الحدث.
– ومنهم من زعق كالثعالب الماكرة ، التي تبحث لها عن موطئ قدم هنا وهناك ، وحصةٍ في هذه العملية ومن وراء الجبال البعيدة ، قائلين : بأن تركيا والسعودية وقطر والدول الخليجية هي التي قتلت السفير الروسي في تركيا ، مثل جماعة ” عمر اوسي ” والمخابرات البعثية من خالد عبود وشريف شحادة وبعض المرتزقة اللبنانيين وغيرهم من الشبيحة البعثية.
– وهناك أيضاً من بين هؤلاء ، مَنْ هاجموا وإتهموا ” ايران ” على الفور قائلين : بأن ” قاسم سليماني ” هو الحاضر الغائب دوماً على الساحة ، وهو الذي أمَرَ ودبَّر لهذه العملية ، من أجل ضرب الاتفاقيات الجديدة والمبرمة بين تركيا وروسيا مثل بعض أجنحة المعارضات السورية الاسلاموية والعروبوية المتناثرة.
– لكن ….!!! ما غابَ عن ساحة الوعي والتحليل والتفسير والقراءات الجيدة ، نتيجة العجاج اللا مرئي والغبار السياسي والاعلامي المقصود هو:
– أن روسيا وبزعامة السيد ” بوتين ” معروفة وتاريخها حافلٌ بالاغتيالات السياسية وبتصفية المعارضين لها والمنشقين من المخالفين والتجار والأثرياء عبر جهازها الأمني السرّي والاستخباراتي والذي يعتبر من أشرس أجهزة المخابرات في العالم في تعاملها ومحاربتها وتصفيتها للمعارضين والخصوم والاعداء ، من اغتيالاتٍ وقتلٍ وحرقٍ وإبادة وإنكار ، والتاريخ القريب لهذه السلطة الروسية وخاصة في ظل حكمدارية ” بوتين ” معروفة للعيان وحبلى بهذه الأعمال والتصرفات.
– ففي 2006 مثلاً ، اتهمت الداخلية البريطانية ،الحكومة الروسية وبالاسم ، بقتل المعارض والجاسوس الروسي ” الكسندر ليتفينينكو ” والذي كان قد هَرَب من السياسات البوتينية الى الخارج وتوفي في إحدى المستشفيات البريطانية نتيجة ما قامت به أجهزة الاستخبارات الروسية من إعطاء مادة الـ ” بولونيوم 210 ” والمشعة لهذا المعارض ، عبر كأس من الشاي ، ووجهت بريطانيا آنذاك ، أصابع الاتهام مباشرة الى الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” شخصياً . الى جانب الكثير من هذه الأعمال والاغتيالات والتصفيات لشخصيات روسية ثرية ومعارضة ومعروفة في الداخل والخارج.
– وعلى الطرف الآخر من المعادلة ، فالدولة التركية لا تقل إجراماً وعنجهية وفتكاً وقتلاً وذبحاً وإغتيالاً بحق المعارضين والمخالفين لها مقاسةً بالنظام الروسي ، فهي أيضاً تمارس كل السبل والطرق والأساليب في دحر وفناء الآخر المعارض والتعامل معه، وهي مستعدة لأن تتعامل مع الشياطين والجنّ الأزرق ، لكي تتهم المعارضة وتُلصق التهم بها ، مهما كلفتها من خسارات مادية أو سياسية أو اقتصادية أو انسانية أو اجتماعية . فبالنسبة لأردوغان ان ” فتح الله گولان ” هو المجرم والعدو رقم ” 1 ” وهو مسؤولٌ حتى عن حوادث المرور وحالات الطلاق والزواج التي تقع وستقع في شوارع استانبول وتركيا عموماً ، يا لها من أنظمة ومؤسسات ودول وحكومات .!
– فلنترك نظرية المؤامرة على طرف ، ولنسأل أنفسنا.!
– يا هل ترى .؟ مَنَ المستفيد الأول والأساسي من قتل السفير الروسي ” أندريه كارلوف ” في تركيا ، غير النظام السوري والتركي والروسي مثلاً ؟
– هل المعارضة والثورة السورية استفادت وستستفيد من هذا الاغتيال بشيء ما يا ترىٰ ؟ … ويافطة وتهمة الارهاب جاهزة وتنتظرهم على الأبواب .؟
– فماذا تستفيد أمريكا وحلفائها ومعها جماعة ” فتح الله گولان ” من اغتيال هذا السفير الروسي في تركيا ؟ وهل أمريكا وفي صراعاتها الدولية بحاجةٍ الى مثل هذه الأساليب في ادارتها للتناقضات والأزمات الدولية ؟
– فمَن الذي قال بأن هذا الاغتيال، سيؤدي بالضرورة الى التدهور في العلاقات بين موسكو وأنقرة .؟ بالعكس تماماً ، ففي ظل هذا الاغتيال سترتفع وتيرة العلاقات وديناميات ولوجستيات العمل والتقارب والعلاقات أكثر ولمصلحة الطرفين والكل يعلم بهذا ، فمثلما روسيا البوتينية بحاجة ماسّة الى تركيا الحالية ، فتركيا الأردوغانية هي أيضاً بحاجة وماسة كبيرة الى روسيا البوتينية اليوم .
– فتركيا مستعدة لخلع كل ملابسها وسراويلها وقفازاتها وطرابيشها لروسيا ، وخاصة بعد الخروج الأليم من محنة الانقلاب العسكري المدبّر والمشكوك بالأصل .
– وروسيا هي أيضا ليست في أفضل حالاتها ، فهي لا تستطيع تحمل تبعات حربها لوحدها في سوريا ، وخاصة هذه الحرب التي تكلفها الملايين والملايين من الدولارات اسبوعياً والعقوبات الاوروبية والامريكية الخانقة والقاتلة لها.
– ألم تتحسَّن العلاقات الروسية التركية بعد سقوط الطائرة الروسية من قبل السلاح الجوي التركي ؟ وازدهرت بعدها التجارة البينية والسياحة والعلاقات الدبلوماسية والتبادل التجاري والسياسة والعسكر وتبويس الذقون والشوارب ؟ وقبل يومين من الآن كانت هناك حفلة التوقيع على أكبر إتفاقية بين البلدين ، والإحتفال بمرور الغاز الروسي عبر تركيا الى أوروبا .!
– في الأخير … هل نستطيع القول : بأن روسيا وتركيا وعبر أجهزتهما الاستخباراتية الكبيرة والدقيقة ، قد فصَّلا وقاما بإنتاج هذا السيناريو وبدقة متناهية ؟ وفي هذا المفصل التاريخي والظرف السياسي الحسّاس ؟ فالوضع الدولي والاقليمي بحاجة كبيرة الى رص الصفوف والانفراجاتٍ والعمليات القيصرية والضغط على الخواصر من أجل الخروج بالمولود الجديد للعلاقات والترتيبات الدولية الجديدة .؟ فما المانع هنا من التضحية بأحد الجنود من على رقعة الشطرنج مثلاً من قبل روسيا نفسها ؟، مثلما ضحّت تركيا بالمعارضة السورية من أجل حلحلة الضغوطات والتحركات الدراماتيكية ، والخلخلة المقصودة لموازين بعض القوى الأساسية والفرعية ، وتقديم بعض اللاعبين أو العناصر كقرابينٍ وكمياجٍ لتلك العلاقات الدولية والاقليمية الجديدة ؟؟
* ملاحظة : الغريب في الأمر … بينما كان المهاجم التركي يُفرغ طلقات مسدسه في بطن وصدر السفير الروسي ، ويُوجه بفوهة مسدسه اليه .!!! كانت هناك لوحة معلّقة خلف رأس السفير الروسي وبمحض الصدفة على الجدار ، فيها أيضاً سبطانة دبابة أو مدفع، موجهة الى السفير الروسي من الخلف ، وكأن السبطانتين كانتا متفقتين في عملية الاغتيال هذا .!