المعارضة والنظام «يخجلان» بسورية
محمد علي فرحات
معظم المعارضة المسلحة في سورية يحمل أسماء إسلامية، وتقدم قراءة متعجّلة لعناوين الفصائل نتيجة مفاجئة هي اختفاء أو شبه اختفاء كلمة «سورية». كأن المقاتلين يحاربون النظام من دون أن ينسبوا أنفسهم إلى وطن اسمه سورية، لذلك يفضّلون «النظام» إشارة إلى عدوهم أو «بشار» أو «الأسد» أو أحياناً «النصيريون».
كأننا في حرب خارج الجغرافيا، بل حتى خارج الزمان، إذ نستدعي أزمنة مضت وانقضت ولا تزال صراعاتها الدينية أو المذهبية أو الفقهية ساخنة كأنها تحدث للتوّ.
الكلام هنا على الفصائل المكوّنة لـ «هيئة تحرير الشام» (الاسم الثالث لـ «القاعدة» بعد «النصرة» و «فتح الشام»)، وعلى تلك المكوّنة لـ «أحرار الشام». وتبدو كلمة «الشام» هنا اسماً تراثياً أكثر مما هي اسم جغرافي، فسورية التي تخاض المعارك لإسقاط نظام حكمها ليست وحدها الشام بالمعنى الجغرافي الذي يضم أيضاً لبنان والأردن وفلسطين وأجزاء من تركيا والعراق.
تغيب كلمة «سورية» عن أسماء الفصائل، ولكن، ثمة حضور لأجزاء من الجغرافيا السورية في «كتيبة أنصار بانياس» و «مجاهدو حريتان» (من فصائل «القاعدة» في اسمها الثالث) و «أحرار الجبل الوسطاني» و «قطاع الساحل» و «كتيبة شهداء الجبل» و «كتيبة بيارق الجبل» (من فصائل «أحرار الشام»). أما الحضور الطاغي فهو لأسماء صحابة وخلفاء وقادة عسكريين وجماعات جهادية حقيقية ومفترضة.
ما سبق لا يعني اتهاماً للمعارضين المسلحين، أو لمعظمهم، بعدم الوطنية، إنما هو إشارة إلى الفراغ الوطني الذي تسبّب به الحكم العسكري المديد وشعاراته التي تتعدى الجغرافيا السورية. وبقدر ما كان الضباط الحاكمون بعثيين اشتراكيين يتطلعون إلى الوحدة العربية خارج الحدود وإلى ضرب التجربة المدينية وتجربة الإقامة في الريف، فتكون النتيجة تعميم الترييف على الشعب السوري كله، نجد الفصائل المسلحة تعمد إلى أسلمة الشعب واعتباره جزءاً من عالم إسلامي واسع يمتد من الأطلسي إلى بحر الصين، وإلى ضرب العادات والتقاليد السورية وإحلال أشكال غرائبية من السلوك والمظاهر يطغى عليها الطابع الأفغاني (هل تخيل أحد يوماً ما أن كابول ستمحو دمشق؟).
من عسكريي البعث إلى عسكريي «القاعدة» و «داعش»، تاريخ مديد من محو هوية سورية وتقديم شعبها فداءً لعروبة وإسلام سياسيين مفترضين، مع ما يتبع ذلك من تهجير السكان بحثاً عن حياة طبيعية خارج لعبة الفداء القومية أو المقدّسة.
تذهب المآلات السورية إلى تحطيم الانتماء الوطني بدعوى الذوبان في عولمة إسلامية مفترضة تقسم شعوب العالم إلى فسطاطين تدور بينهما حرب مقدّسة إلى آخر الزمان. أما مآلات ترامب واليمين الأوروبي، على الأقل، فتذهب في اتجاه معاكس يستند إلى العادات والتقاليد (بما في ذلك الهوية الدينية المحلية) والمصالح المتوارثة في جغرافيا محدّدة هي الوطن أو القومية، مع ما يتطلب ذلك من تقطيع لأواصر العولمة.
نجاح رونالد ترامب في دخول البيت الأبيض وصعود اليمين في أوروبا يعبّران عن يقظة جماعات ريفية أو عمالية ضد العولمة التي سعت وتسعى إلى تداخل الشعوب وفق مصالح عابرة للحدود. ولما كانت العودة إلى الماضي شأناً شخصياً أو فنّياً لا أكثر، فهي تعجز عن تشكيل عقيدة سياسية ثابتة في عالم يتحرك ويدفع إلى براغماتية لا بد منها لإدارة الدولة، أي دولة.
ليس من الإنصاف أن ننسب إلى ترامب وحده السعي إلى قطع التواصل وبناء الجدران بين الشعوب، فثمة في الشرق الأوسط وآسيا قيادات وأحزاب تمنع مثل هذا التواصل، بل تحاول العودة إلى ما قبل الوطنية والقومية، أي الى ما قبل الدولة، مستندة إلى التاريخ الديني ومغلّبة إياه على الإيمان الديني الذي يتلاءم بطبيعته مع العولمة. هؤلاء يحاربون الوطنية أو القومية، ليس للمحافظة على العولمة كما نعرفها بل لقسمة العالم نصفين يُفترض أن يتصارعا لأسباب مافوق واقعية.
السياسة العالمية اليوم، انتقالية. أو نقول ذلك من باب التمسك بالأمل.
الحياة
جميع المقالات المنشورة تعبر رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا