• المغنية مريم خان •
إعداد : ليلى قمر
تُعدّ المغنية مريم خان واحدة من سيدات الغناء الكُردي، واسمها الحقيقي الكامل هو مريم خان منجولا شيخ تتو كالو بكري، ولدت عام 1904 في إحدى قرى بوتان “شمال كُردستان” من عائلة شيوخ شيخو بكر وكانت حياتها صعبة ومليئة بالتناقضات، فغادرت بوطان الى سوريا، ومع افتتاح القسم الكُردي في إذاعة بغداد توجّهت إلى بغداد ، ومن ثم شاركت وغنّت في اذاعتها ، وكذلك إذاعة ييريفان سنة 1937 ، وقد حقّقت خلال فترةٍ قصيرة نجاحاً باهراً، وأضحت قامةً من قامات الفنّ الأصيل، بصوتها الشجيّ الجميل وحنجرتها الذهبية، فأبدعت في أغنية ” وره وه وحليمي ” سنة 1922 .
وقد عُرِفت خلال مسبرتها بالمرأة الجبّارة ، وتحدّت قوانين المجتمع المكبّلة للمرأة، باسم الدين والعادات والتقاليد، ووصلت إلى رئاسة القسم الكُردي في إذاعة بغداد في أربعينيات القرن العشرين، وسط مجتمعٍ غير مهيّّأ إطلاقاً لتقبّّل ممارسة المرأة دورها في الحياة العامة، عدا عن تقبّل ممارستها للغناء ، وأصبحت مريم خان رمزاً لكلّ امرأةٍ تحاول شقّ طريقها في مجالٍ يعتبره المجتمع من المحرّمات “مجال الفن”، ولعبت دوراً هاماً لتأخذ المرأة الكُردية دورها وكذلك رمزاً وصورةً راقية للمرأة الكُردية المغنّية، فأضافت للفنّ الكُردي وحافظت عليه من التشتت والضياع . تنوّعت أغاني مريم خان بتنوع أنماط أغانيها ، فغنّت للمرأة والعشق والوطن والأرض ، ووثّقت في أغانيها حروب ومعارك بين الكُرد وأعدائهم وبين الكُرد والكُرد أنفسهم ، لتتحوّل الأغنية إلى صرخة روحٍ صادرة عن امرأة بالرغم من كلّ قوتها وإرادتها الصلبة، ولكنها في الجانب الآخر كانت امرأة رقيقة مُفعمة بالأحاسيس والمشاعر الصادقة، امرأة حملت من الجمال والقوة بما فيه الكفاية لتنثره في وجه الحياة بأكملها . هذه المرأة التي كافحت لتوجد لذاتها نمطاً خاصاً ، وافاها الاجل في الموصل سنة 1945م إثر مرض الكلى الذي اجتاح جسدها في عمرٍٍ مبكّر ، ولكنّها تركت لنا إرثاً فنياً جميلاً، سنظلّ نستمتع به مدى الزمن .
وهنا وكأية أمرأة اشتهرت فقد تداخلت واختلفت الرؤى في تعليل جوانب حياتها إضافةً الى ما كتب أعلاه ، مريم خان تلك المرأة الجبّارة التي تحدّتْ الأعرافَ والعادات والقوانين التي تكبّلُ كينونة المرأة وكيانها وشغافَ عواطفها ولدتْ في ( Dêregola Botanê, Bakurê Kurdistanê) في عام 1904 ، وهنا علينا التذكير بما قاله الفنّان الكُرديّ الراحل سعيد يوسف حيث أكّد على أنّها كانت جارية لدى عائلة ( علي رمو) رؤساء عشيرة (جيلكي علي رمو) و( عشائر هفيركا ) ويأتي تأكيد الفنّان سعيد استناداً إلى ما أخبرته به السّيّدة والدته , وللظروفٍ القاسية اضطرّت لمغادرةِ موطنها، وتوجّّهتْ نحو دمشق الشّام , وتؤكّد بعض المصادر ومنها فضائية ( Roj tv ) في برنامجها ( أعلام الكرد ) أنّها حين غادرت موطنها إلى دمشق , تعرّفتْ إلى أميرٍ بدرخاني ( لم يُذكر اسمه ), ونشأتْ بينهما قصّة حبّ عميقة , تكلّلتْ بالزّواج أخيراً ما جعلها تشعرُ أنّها إحدى أسعد نساءِ الكون , ولكنّ قصّة حبّهما لم تدم إلا لأشهرٍ وانتهت بالطّلاق الذي غيّرُ مجرى حياتها تماماً نحو الأسوأ . فيما شكّك الكاتب ( كونى ره ش ) في هذا الزّواج , وأكّد بأنه لم يسمع بهذه القصّة مطلقاً , ولم تخبره بها الأميرة ( روشن بدرخان ) . وتركتْ الشّام وتوجّهتْ نحو العراق ، فسكنت العاصمة بغداد , وخلال تلك الفترةِ كان القسمُ الكُرديّ في إذاعةِ بغداد قد افتتحَ, فشاركتْ فيه بجدّ ومثابرةٍ حتى صارت فيما بعد رئيسة للقسم الكُرديّ في الإذاعة , ونالتْ شهرةً واسعة فاقتْ كلّ التّوقّعاتِ وصار لها الرّأي السّديد والكلام المسموع .
حقّقتْ مريم خان خلال فترةِ عمرها القصير نجاحاً كبيراً وشهرة واسعة حتى صارتْ بحقّ وجدارةٍ سيّدة الغناءِ الكردي وما زالتْ, فلم تستطع حتى الآن أيّة فنانة كُردية أن تفعل ما فعلته هي , ويُذكر أنّها أوّل امرأةٍ استطاعتْ أن تسجّّل أغانيها على( Qewanan ê) باللهجةِ الكرمانجية .
النّاحية النّفسية للفنانة : إذا ما أخذنا بالرّأي القائلِ أنّها تزوّجتْ من أميرٍ بدرخاني ، وفشل هذا الزواج سريعاً ، وبالتالي هجْرتها وفرارها من موطنها إلى ديارِ الغربةِ ومارافڨ ذلك من قساوةٍ في العيش والمعاناة ، التي تراكمت عليها كإمراة ، ناهيك عن كونها فنانة مفعمة بالأحاسيسِ والمشاعرِ الصّادقة والرّقيقة .
إن أغاني الفنانة مريم خان غالبيتها هي ذات طابعٍ قوميّ واجتماعي وفكري ووجدانيّ حيث غنّتْ للوطن والأرض والعشق وغنّتْ للمرأة ومن أجل المرأةِ لأنّها كانت تعرفُ أكثر من غيرها حجم المعاناة التي تحاصرُ كلّ امرأةٍ, وأرّخت في أغانيها لحروبٍ ومعارك كثيرة بين الكُرد وأعدائهم وبين الكُرد والكُرد أنفسهم بدافع العشيرة والقبيلة كما أرّخت لشخصياتٍ كُردية ساهمتْ في صنع التّاريخ الكُرديّ الحديث من رجال دين وقادة ووجهاء ورؤساء عشائر وفرسان وعشّاق ومغرمين .
ظلّ الحزنُ الذي رافقها كظلّها يطاردها باستمرارٍ في صحوتها ومنامها على الرّغم من كلّ ما كانت تبديه من قوّة وإرادةٍ صلبة, أهّلتها لتنافسُ أمهرَ فنّاني الكُرد في ذلك الوقت، فليسَ سهلاً على امرأةٍ عاشتْ أربعينياتِ القرنِ العشرين حيث المرأة كانت حبيسة الجدران الأربعة، وحيث الرّجل يسيطرُ على كلّ ما هو داخلَ هذه الجدران وخارجها، استطاعتْ أن تصبحَ رئيسة القسم الكُردي في إذاعةِ بغداد وقبل ذلك تمارسَ الفنّ الذي لم تكن ممارسته حظراً على النّساءِ فقط بل حتى على الرجال أيضاً, وبذلك تكون من النّساءِ الأوائل في العالم اللاتي تحدّين المجتمعَ بكلّ قوانينه ومفاهيمه الصّارمة في العصر الحديث.
ولكن يبدو أنّ روحها المفعمة بالحبّ الصّادق والولع الشّديدِ للعشقِ والعشّاقِ وقلبها المغلّف بصدق المشاعرِ والأحاسيسِ الرّقيقةِ عجزا عن مقاومة الظّروفِ التي كانت أقوى وأكثر شراسةً ما سمحتْ للمرض كي يتسلّلَ إليهما بشراسةٍ وعنفٍ ويعلن نهايتها المبكرة جدّاً ورحيل جسدها الطري في عام 1949م ولكن دون أن يتمكّن من التّسلّل إلى حنجرتها الذهبية التي ما زالتْ تصدحُ بأعذبِ الأنغام والألحان .
وفي النهاية علينا ان نؤكّد وبحسرةٍ على أنّ هناك إجحافٌ بحقّ هذه المبدعة ومثيلاتها اللواتي ضحّينَ بشبابهنّّ وسمعتهنّّ وعلاقاتهنّّ الاجتماعية لخدمةِ الفنّ الكُردي وتطويره والحفاظِ عليه من الضّياعِ والتّشتّت, فعلى مَنْ تقعُ مسؤولية هذا الإجحاف؟ وما واجب الفنّانين والفنّاناتِ الكُرد الشّباب تجاه أساتذتهم الكبار ؟؟ والمؤسّساتُ والفرق الموسيقية والفنيّة الكُردية ماذا عليها أن تفعل؟؟ والفضائياتُ الكُردية التي يزداد عددها عاماً إثر عام ما عساها تفعلُ لهؤلاءِ العمالقة؟ .
المادة منشورة في جريدة يكيتي العدد 301