المنطقة الامنة- خط عرض جديد
دوران ملكي
يوماً بعد يوم يتشبّث الشعب الكُردي بحقوقه المشروعة في إقامة دولته القومية رغم المصاعب الجمّة فقد حافظوا على لغتهم رغم تعرّضهم لأبشع انواع الاضّطهاد الثقافي وحافظوا على تراثهم وتاريخهم رغم جميع وسائل التشويه والتزوير وحافظوا على وجودهم على أرضهم التاريخية رغم المجازر واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً ورغم تجويعهم عبر سلسلةٍ من المشاريع الشوفينية والعنصرية وووو والكثير الكثير وبالرغم من ذلك لم يستطيعوا إزالة الأمة الكُردية من الوجود وباءت جميع محاولاتهم بالفشل لأنّ الثقافة الكُردية غنية لدرجةٍ تكفي لأعدائنا أيضاً حسب آراء المفكّرين وصفحات تاريخنا كانت مدوّنة في الملاحم الشعرية والغنائية ويتناقلها الأجيال واعتمادنا على الطبيعة والاستفادة من خيرات بلادنا الغنية التي لم يهجرها الشعب رغم الصعاب
تعرّضَ الشعب والجغرافيا الكُردستانية إلى الكثير من القضم من قبل الشعوب المستعمرة فامتدّ النفوذ العربي من الجزيرة العربية مستغلاً الفتوحات الإسلامية لينصهر في بوتقتها شعوب وأمم وكانت الركيزة لتكوين الأمة العربية على حساب الكُرد والأمازيغ والأفارقة والآشوريين والكلدان والروم المؤسلمين وتحوّل إقليم بارس في جنوب إيران الحالية من إقليمٍ صغيرٍ بائسٍ أراضيه قاحلة ضمن الإمبراطورية الميدية إلى دولةٍ قوميةٍ للفرس وذلك باستيلائهم على الدولة الميدية عن طريق الاختلاس كما يؤكّدها كاتب قصة الحضارة(وول ديوارنت)في مجلده تاريخ الشرق الأدنى إذ يقول (سرق الفرس عن الميديين دينهم ودولتهم وشجاعتهم وثقافتهم)في عهد الملك كورش الذي ينتمي إلى السلالة الاخمينة الفارسية وهو ابن أخت الملك الميدي وتحوّل العثمانيون من عشيرةٍ تعيش في بلاط الخليفة العباسي إلى سلطنةٍ تمتدُّ من شرق الأناضول الى مشارف فيينا غرباً وجنوباً إلى القرن الأفريقي مروراً بالحجاز مستقوياً بالكُرد والكُردستانيين واستغلالهم للدين الإسلامي لتصبح الركيزة لإنشاء القومية التركية
كلُّ هذا القضم لم يثنِ الشعب الكُردي عن المطالبة بدولته عبر القرون مع العلم أنَّ الذين يدّعون الكُردية هم لا يتجاوزون 50بالمائة من الشعب الكُردي الحقيقي إلا أنهم حافظوا على أركان الأمة وبمعزلٍ عن الدولة القومية وامتيازاتها في تكوين الأمة وأصبحت هذه الحقيقة واضحة للجميع والآن أنظار العالم متّجهة إلى الكُرد كأحد أعمدة الاستقرار والتوجّه الديمقراطي الحرّ في الشرق
بدأ العالم الحرّ بحماية الشعب الكُردي في كُردستان الجنوبية إبان حرب الخليج الأولى في تسعينيات القرن الماضي إثر استخدام نظام صدام حسين السلاح الكيميائي المحرّم دولياً ضدّ المدنيين الكُرد وما نتج عنها من هجرةٍ مليونيةٍ باتجاه الحدود التركية ممّا استدعى تدخلاً دولياً وتبنياً لحماية الكُرد و إنشاء خط عرض 36 ومُنِع بذلك تحليق الطيران العراقي شمال هذا الخط واستطاعت البيشمركة الكُردية تحرير مناطقها ومن ثمّ تحوّلت إلى إقليمٍ فدراليٍ بعد سقوط نظام صدام حسين
إنّ المشاركة الفاعلة والجديّة للكُرد في مواجهة الارهاب زاد من أسهمه عالمياً كشعبٍ حرٍّ وطامحٍ للحرية وعضو اعتماد في بناء المجتمع الحرّ في الشرق الأوسط وخاصةً من خلال التجربة الديمقراطية في إقليم كُردستان وتحوّله إلى قبلةٍ للعراقيين بجميع مكوناتهم الثقافية والدينية في الوقت الذي أثبتت فيه جميع الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط فشلها في بناء المجتمع الديمقراطي بتحوّلها إلى دكتاتورياتٍ عسكريةٍ وأيديولوجيةٍ تعتمد الإسلاموفوبيا وتهدّد بها المنظومة العالمية.
من هذا المنطلق تتوجّه أنظار البشرية إلى الشعب الكُردي والى الدور الذي يمكن القيام به في تثبيت أركان الديمقراطية الحقيقية في هذه البقعة من العالم
تدور الأحداث حول إمكانية حماية الشعب الكُردي في سوريا بعد مشاركته الفاعلة في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه عسكرياً ككيان ما يُسمّى الدولة الإسلامية في العراق والشام بمساعدة قوات التحالف الدولي لتأتي المهمة الثانية وهي إدارة المنطقة مابعد التنظيم الإرهابي ولحين ايجاد حلٍّ للمعضلة السورية إذ تحاول الدول المتنفّذة ومعها النظام السوري ان تؤثّر بشكلٍ أو بآخر وتحت ذرائع شتى أن تكون لها اليد الطولى في شرقي نهر الفرات وخاصةً بعد خروج القوات الأمريكية منها رغم تضحيات الكُرد ودفاعهم عن مناطقهم إثر انسحاب قوات النظام من أغلبها وتركها لقمةً سائغةً للإرهاب وأمام مرأى ومسمع الدول المتنفذة إلى أن جاء التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح عوناً للكُرد فهل من المنطق الإنساني والأخلاقي ان يُترَك مصير هذا الشعب للهلاك رغم تضحياته من أجل البشرية جمعاء؟!
مايجري اليوم في دوائر القرار للعالم الحر يؤكّد بأنهم لن يتخلّوا عن الشعب الكُردي رغم المصالح الدولية المتشابكة وهو ما أكّده قرار الكونغرس الأمريكي في دعم قيام دولة كُردستان و اتّخاذهم جملةً من القرارات في هذا الشأن وكذلك جهود التحالف الدولي في حماية الشعب الكُردي في سوريا فالمفاوضات تجري على قدمٍ و ساقٍ بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والعديد من الدول الأوربية حول المنطقة الآمنة والاتفاق على تشكيل قواتٍ محليةٍ بإشراف القوات الدولية لتبديد مخاوف تركيا وابعادها عن التدخل العسكري في شرق الفرات والاعلان الصريح والواضح بأنها لن تسمح لأيٍّ كان بالتدخل في شرقي الفرات لا من قبل النظام وداعميه من الروس والإيرانيين ولا القوات التركية وبذلك يتمّ حماية الشعب الكُردستاني ويتولّد الأمان لتبدأ المرحلة الثالثة وهي إعادة الإعمار فيها ليمتدّ إلى كامل سوريا و نأمل بجهود الخيّرين أن تتحوّل كُردستان سوريا إلى قبلةٍ للديمقراطيةوالتعايش السلمي ويصبح النموذج الذي يُحتذى به في عموم سوريا كما كانت كُردستان العراق قبلةً لكلّ العراقيين
لذا يتوجّب على منظومة pyd وسلطة الأمر الواقع التخلّي عن سياساتها الإقصائية تجاه الأحزاب الكُردستانية في سوريا وإرساء العلاقات الأخوية مع قيادة إقليم كُردستان وعدم تجذير الصراع معها من منطلقاتٍ أنانيةٍ واختلاق العراقيل ووضع العصي في العجلات لأنّ للإقليم دور مهم في الحياة اليومية للمواطنين في كُردستان سوريا والاتفاق معها بغية الوصول إلى التكامل الاقتصادي والاستفادة من الوضع الدستوري لإقليم كُردستان للبدء بأسرع وقتٍ ممكنٍ في إعادة الإعمار وسدّ الثغرات أمام المتربّصين للتدخل في شؤون شرق الفرات وتحريض العشائر العربية ودعمها وإحداث فتن ونعرات عرقية لا تُحمَد عقباه
لا بدّ من الخضوع للأمر الواقع وإحداث إدارة جديدة تعتمد التنوع والتعددية وبإشراف دول التحالف والتي منها نستمدّ قوتنا ووسائل استقرارنا وإن إنشاء المنطقة الآمنة سيكون امتداداً لخط العرض 36 والتي سيتمّ بموجبها حماية الجزء الأكبر من شعبنا في كُردستان سوريا فلا بدّ للمرونة أن تحكم وقبول الآخر من منطلق حماية شعبنا ومكتسباته وتضحياته.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا