آراء

المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران وتأثيرها على المنطقة

جوان ولي

اتسم الصراع بين إسرائيل وإيران ، منذ فترة طويلة، بالمواجهة غير المباشرة من خلال اعتماد إيران على تعبئة الجماعات التابعة لها ومؤيديها ليكونوا وقوداً يحترق من أجل مصالح إيران ونظامها، لكن هذا الأمر تغيّر بعد هجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي كان بمثابة هجوم على الأراضي الإيرانية، وكان من الضروري أن يكون الرد الإيراني مختلفا عن سابقاته.

أجبر هذا الحدث إيران على شنّ هجوم 14 أبريل (نيسان) بإطلاق نحو 300 طائرة مسيرة وصاروخ، لكن معظم هذه الطائرات والصواريخ أُسقطت قبل أن تصل إلى إسرائيل.

لم يكن لهذا الهجوم تأثير خطير؛ لأنه كان مكشوفاً وعلنياً وكان هجوماً استعراضياً أكثر من كونه هجوماً عسكرياً حقيقياً.

إصرار أسرائيل على تغيير قواعد الاشتباك مع أيران أصبح أكثر وضوحاً بعد اغتيال إسماعيل هنية أثناء تواجده في طهران للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

لم يكن اغتيال إسماعيل هنية في طهران إلا تأكيداً على أنّ إسرائيل غيّرت قواعد الاشتباك مع إيران، ولم تعد مهتمة بتجنب الصدام معها. بل أنّ إسرائيل تسعى بقوة لجرّ إيران إلى حربٍ مباشرة من أجل الحصول على مبرر كافٍ لضرب منشآتها النووية ؛ لإزالة خطر حصول إيران على القنبلة النووية، فإيران مع وجود قوة نووية ستفقد إسرائيل تفوقها وتميّزها في المنطقة.

رغم عدم وجود رغبة أمريكية معلنة في توسيع الصراع في المنطقة؛ لأنّ الوضع الحالي يحقّق مصالحها، ولأنّ الصراع سيضعف إيران ،ويغيّر قواعد الاشتباك، ويفرض قواعد جديدة تتطلّب خططاً وتكتيكات تؤدّي إلى تحقيق المصالح الأمريكية، وهو أمر ليس سهلاً ولا أحد يضمن كيف سيكون؟ وكم سيكلّف الولايات المتحدة الأمريكية؟ فإن عدم ترشح بايدن للانتخابات الأمريكية القادمة أعطى إسرائيل هامشاً جيداً للتحرك دون الخوف من موقف الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية، فهو لن يكون في منصب الرئاسة بعد الانتخابات الأمريكية القادمة، وهذا يعطي نتنياهو مساحة أكبر لاتخاذ القرارات التي يريدها دون ضغوط حقيقية عليه.

حتى لو لم تكن هناك مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران ، وبقي الصراع على ما هو عليه الآن، فإنّ ذلك يستطيع أن يغيّر الكثير من خلال إضعاف دورها في دول المنطقة، والاستمرار في تدمير حلفائها من خلال الاغتيالات والهجمات النوعية المحدودة.

لقد استثمرّت إيران منذ عقود في الجماعات التي تعتمد عليها بشكلٍ مطلق مثل حزب الله وحماس والحوثيين وحزب العمال الكُردستاني والجماعات الشيعية المرتبطة بإيران في سوريا والعراق، ومن خلال هذه الجماعات استطاعت إيران أن تخلق واقعاً يخدمها في عدة دول إقليمية، وأصبح قرار هذه الدول مرتبطاً بها. وأي انحسار للدور الإيراني في المنطقة سيؤدّي إلى انحسار دور أزرعها، ولمعرفة حجم النفوذ الإيراني في المنطقة لا بدّ من ذكر بعض المعلومات وتجنباً للإطالة سأكتفي بذكر بعض النقاط المهمة حول تحركات حزب العمال الكردستاني:

إنّ حزب العمال الكُردستاني يتدخّل بشكلٍ مباشر في كلّ أجزاء كُردستان، وأصبح له تأثير سلبي على القضية الكُردية بشكلٍ عام، وأصبح أكبر عائق أمام تحقيق المصالح الكُردية.

فالصورة لم تعد ضبابية، وأي مراقب للوضع الكُردي يستطيع أن يرى أنّ الدول التي تتقاسم كُردستان، وعلى رأسها إيران ، تستخدم حزب العمال الكُردستاني لعرقلة أي تقدم نحو تحقيق المصالح الكُردية.

كلنا يعلم كيف قام حزب العمال الكُردستاني بتدمير آلاف القرى الكُردية، وتهجير سكانها في كُردستان تركيا، تحت شعار تحرير وتوحيد كُردستان الكبرى، كما أنّ حزب العمال الكُردستاني خلق مشاكل مع الأحزاب الكُردية في إيران ويحاربها من أجل تشتيت قوتها.

كُردستان العراق الذي يعدّ أكبر إنجاز للأكراد في الوقت الحالي وخاصةً الاعتراف به دستورياً يعاني كثيراً من تدخلات هذا الحزب، وخاصةً سيطرته على مناطق تابعة للإقليم، وتهجير أهالي تلك المناطق، وإعطاء تركيا مبررات لدخول أراضي إقليم كُردستان العراق.

وصلت درجة التنسيق بين إيران وحزب العمال الكَردستاني إلى مستوىً متقدم، والدليل على ذلك الرواتب التي يتقاضاها أعضاء حزب العمال الكُردستاني من الأحزاب العراقية المرتبطة بأيران، والهدف من هذا الدعم هو خلق مشاكل للإقليم.

ولم يتمّ تنفيذ الاتفاقات التي أبرمت لإنهاء تدخل حزب العمال الكُردستاني في شؤون كُردستان العراق ؛ بسبب رفض إيران إنهاء دور حزب العمال الكُردستاني في كُردستان العراق.

من جهةٍ أخرى، وعلى الرغم من عدم وجود حرب مباشرة في كُردستان سوريا، إلا أنّ حزب العمال الكُردستاني استطاع أن يحوّلها إلى منطقة مدمّرة، من حيث افتقارها لأبسط مقومات الحياة، والجميع يتمنّى أن يتركها بسبب الظروف التي خلقها حزب العمال الكُردستاني مثل إنهاء التعليم، وفرض التجنيد الإجباري، وتدمير الجوانب الاقتصادية، وإعطاء مبررات لتركيا للتدخل في كُردستان سوريا، وتهديد أمن مواطنيها، وغيرها من الأمور المهمة.

ولو تعمّقنا أكثر في آلياتهم وطرق تعاملهم مع المتغيرات، سنجد أنّ ما حقّقوه في كُردستان سوريا، في عشر سنوات، لم يحقّقه حزب البعث منذ أكثر من خمسين سنة، ولولا إيران لما حدث ذلك.

كلّ ما تمّ ذكره ما هو إلا جزء بسيط من نفوذ إيران وتدخلاتها بالوكالة في شؤون دول المنطقة، ويبيّن الوضع الكارثي في ظل سيطرة إيران وقدرتها على دعم أذرعها ، وفي نفس الوقت يبيّن مدى ضرورة وضع حد لإيران ، وإضعاف نفوذها حتى تنعم شعوب المنطقة بالهدوء والاستقرار ووقف سفك الدماء من أجل مشروع النظام الإيراني على حساب شعوب المنطقة.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “323

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى