شريط آخر الأخبارلقاءات وحوارات

الميثولوجية الكردية في حوار شيق مع الأستاذ وليد حاج عبدالقادر

إعداد وحوار: ليلى قمر

لأنه آمن بقدسية ماخلّفه الأجداد في محراب الإرث ككنوز مؤسسة وحافظة للوطن ، وأيقن بكلّ ما حواه ذاك الإرث من تراث ومعرفة كتجلياتٍ لتاريخٍ مفعمٍ بأزمانٍ أرادها – الأعداء – أن تكون عقيمة ، ولكنها تحدّت وأصرّت على زيادة الإنجاب ، وصيرورة ولادة وتزايد الأبناء لشعبٍ طرّز مطالبه بالدم ، يتحدّى وبعنادٍ ، كلّ مَنْ يحاول حجب نور الشمس عن موطن الشمس ومواقد النار ، وهي هنا ذات الجمرة المتقدة التي التقطها أسطورياً كاتبنا القدير وليد حاج عبدالقادر ، وهو كإنسان وقد رضع ذلك وفطمه أيضا بحبٍّ و ولهٍ ، وكعاشقٍ تفتّق وعيه على موروثٍ نقيٍ نقش بحروف ساطعة أسطرت آيات في الحرب والسلام ، العشق والخصام ، واختزلت مضامين الموت والحياة ، لتزدان كحدائق تورق خمائل ثقلى بالأساطير ، فتتصارع وتتوادد عبر جولات وصولات زمنية معتقة بسنينها ، وهو الدهر بسوء ترانيمه ، وقد أقسم أن يقف في الضد من آمال هذا الشعب ، يحاربه في أحلامه وآفاق مستقبله ، وكأيّ خريفٍ بشتاءه القارص يرحل ويتجدّد فيه ربيعه من جديد .. نعم ، هو كاتبنا وليد حاج عبدالقادر الذي تشبّع من روحانية والده ال – بوتي – وعائلة تربّت والتزمت ايضاً بالعمق القومي، ولأنه ابن أبيه ، فقد أخذ منه سره وتقمّص بوجدان روحيته ، واحتفظ في لا وعيه العميق بعشراتٍ من القصص والأساطير التي كانت تُروى في ليالي متتالية ومستمرة في مجالس بيوتاتهم ، وترسّخ فيه أكثر ، اقتداءه بوالده المكافح والمناضل الذي قاوم جلاوزة النظام وهو يافع حينها ، وللحق فقد جسّد تلك المقولة – الولد سر أبيه – ولتستمرّ سريالية الاعتقال وتتجدّد بقضبانها وجلاوزتها ، تلك القضبان التي أصبحت عناصر استكشاف كما أكّدها كاتبنا في لقاءات وحوارات عديدة له .. ولينحى صوب مجاهيل الأسطورة وخفايا القصّ فيها سعياً وراء محاربة الضياع أو السهو والنسيان .. ولنصل معه جميعاً ، وبعبارة أدق كلّ من قرأ له في هذا الجانب ، كما كانت هذه الأقاصيص والسيَر بملاحمها وحكاياها حبلى بضجيج مأثوراتها …

وباختصارٍ شديدٍ ، لقد حمل كاتبنا هذا الموروث الكُردي وبمزاياه الميثولوجية فضاء رواياته التي تشعّ من بين سطورها عمقها الكُردستاني ، ومع هذا ! لم يروِ غليله كلّ ذلك ، فتصدّى لهذا البعد وبعمقٍ يسبر في آفاق الحكايا والقصص بسيَرِها لتنكشف لنا جميعاً ، قضايا فنتساءل الآن ؟ كيف كنا نتلذّذ ونصغي بعمق ولعشرات المرات لذات هذه القصص ؟ ولكن ؟ ما كنا جميعاً ندرك جمرة نارها ..

وسنختصر رغم زخم المعلومات وبحضورها الكبير فنتوجّه وعبر موقع يكيتي ميديا إلى ابن ديريك الأستاذ وليد حاج عبدالقادر لنسأله:

س١

الأسطورة حسبما اتذكّر من حوار سابق معكم كانت هوساً لكم والكُردية منها أصبحت هاجساً رافقكم وصار دافعاً لتكوين وجهة نظر / ملامح في الميثولوجية وقد قضيت سنين طويلة تجمع تفاصيل كانت قاب قوسين من الضياع / التلاشي لرحيل أو نسيان حفظتها .. هل لكم بسرد الدافع وبالتالي المحفّز لاستنطاق / استنساخ هذه السرديات التي تاهت – ستتوه غالبيتها من ذاكرة الأجيال ؟ ومعها سنسأل هنا ؟ هل اكتفيت ؟ ومعه جموح عشقك للإرث الكُردي ؟ كلّ ذلك مع إنجازك لصفحات من ملامح ميثولوجية وهل ستكون مبحثك الأخير في هذا المضمار ؟ .

الجواب :

الأستاذة القديرة ، سأجاوبك من الشقّ الأخير لسؤالك وببساطة ؟ هل ابتدأت حتى أزعم بأنني انتهيت ؟ .. نعم للحق لقد اندمج الهوس مع الهاجس ولسنين طويلة في كينونة وعيي الذي أزعم و تراكمت وترسّخت في ذاتيتي وأنا أتأمّل الجبلين المحوطين لبلدتي الهادئة شمالاً وشرقاً واتنفّس لفحات نهر دجلة وسفان ، وجم ديريك يهدر فينا فتنتج تلك السريالية التي تتفاعل كانت مع قصص وأحاكي الجَدّات والأمهات .. قصص وسيَر تعانقت كلها وطوباوية / قداسة بوتان المدينة وأريج أزاهير حديقة الأميرة – غيدوكي – تتلاقح كانت بعفوية في لاوعينا مع أنفاس مم وزين وإن شئت زين ومم .. وبعيداً عن الاسترسال : القص الشعبي كان هوَساً مسيطراً على كياني ومعها شغف التعمق في الأمثال والحكم والحزازير ، وذلك من دون أية نية أو تخطيط مسبق ، إلى أن لفتت نظري بعض المؤلفات المتخصصة وبشكلٍ آلي تساقطت تلك المعطيات لتتقارن مع حكايا وملاحم كانت بعض من جذورها لا تزال راسخة في قاع الذاكرة .. وباختصار : لا أخفيك مطلقاً بأنّ بعضاً من محاور ما أسمّيه بملامح ميثولوجية كتبتها منذ الثمانينيات ، واستخدمت بعضها في خواطر وقصص وايضاً سرّبتها خلسةً إلى رواياتي التي أزعم ، وبالمطلق لم أكن أنوي أو أزعم التحليل بقدر ماهي المقارنة وهذه بالضبط دفعتني في جدية البحث وتثبيت صيغ الحكايا الشعبية بتقاطعاتها الرئيسة ، أجل : كان وسيبقى الهدف الرئيس من كلّ ما كتبت هو التدوين ، نعم التدوين ، وأنت الأستاذة قمر : لابدّ لي من ذكر الحهود الكبيرة التي قدمتيها لمحور كتابي المزعوم هذا بنصوص لحكايا عديدة وأقرّ بأنّ بعضها لولا جهودكم لتاهت مني – حكاية هش و مراري – التي تابعتها منذ السبعينيات الى أن تمّ ترميم ما يقارب نسبياً خط الحكاية العام ، وكذلك سينم .. نعم

! لقد كان التدوين والتوثيق ومن ثم المقارنة طريقتي الأساس في الجمع ورغم طول الوقت تحوّلت وببطئ وحذر إلى نقاش تحليلي لتكشف تلك السطور عن مضامينها بذاتها …

س٢

في متابعةٍ لموضوعاتٍ نشرتها في مواقع عديدة من فصول كتابك القادم ، أسّست – برأيي كقارئة – لملامح غريبة حيناً ومخيفة أحياناً كثيرة .. في كتاباتك لامست النقيضين بمفاهيم عديدة مثل الخير والشر ، الربيع والخريف ، الموت والحياة ، وتاه الأبيض في سؤدد السواد وتداخلت خاصةً في شخصياتك النسوية فكنّ صبورات ويتيمات وجميلات ، ومنهنّ ظالمات ظلمن بريئات ، طاهرات وماجنات، أنماط عديدة حفلت بها نماذجك المختارة ! ماذا تقول في شخوصك النسائية ؟ وبالتالي اختيارك للنماذج وتنوعها ؟ ماذا أردت لا بل تريد أن تقوله وأنت ترتكز على هذه النماذج ؟

الجواب

هنا سأعترض سيدتي على سياق السؤال ! لست من أختار النصوص بفحواها وإرهاصاتها ، ولم أتدخّل مطلقاً في سياقات أحداثها ، لأنني أصرّيت أن أكون راوٍ وبطريقتي واترجم النصّ / النصوص كما كانت تأتيني وانت واحدة من أكثر الشهود للعديد من أنماط الحكايا و القصص التي جمعتيها مشكورة وكان دوري فيها إجراء التقاص مع صيغ أخرى ومن ثم تثبيت المتشاركات في المغزى ، أما سرّ ذلك التناقض ؟ فهي بالأساس ارتكزت على ذلك المستند المكثّف لوعيٍ جمعي تشكّل استناداً على طبيعة ونمط الحياة البشرية منها والطبيعية بحيواتها والتي ارتكزت في الأصل على عوامل التضاد كالحياة والموت ، الخصوبة والجفاف ، الربيع والخريف ، هذه المتناقضات التي اشتُقّت وتبلورت من خلال الواقع والملامسة ولتنعكس توصيفاً حتى البينيات البشرية ، أمّا في خاصية المرأة ايضاً ! علينا ألّا ننسى ذلك الوعي البدئي المتشكّل منذ سحيق أزمانه ، وذلك الترابط الأزلي بين الإله الأب آبسو المتمثل بالسماء والأم تامات الأرض ومعها أسرار التلاقح والخصوبة ومن ثم اليناعة والجفاف وطرح البذور استعداداً لاستمرارية وتدفّق الحياة ، وعليه : فالتراث الكُردي غني جداً بثروته الإبداعية وقد دُوِّن من خلال حكاياه وسيره مراحل التطور البنيوي والمتدرّج من مرحلة القداسة – التطويب وصولاً إلى تجلّي – انكشاف – رفع غطاء القداسة وحينها نرى أنسنة تلكم النساء بالتصرفات وما شابه ذلك ، وانسجاماً مع عصارة الفهم الميثولوجي الذي وسم هذه الجغرافية بميزوبوتاميا والمتجسدة من جديد بالنقيضين ، نرى تمظهرها من خلال فتاة – أغلبهنّ يتيمات الأم – وتتمثّل فيها كلّ صفات الطيبة وحبّ الآخرين ومن خلالها وبمكونات غير مرئية سوى لها ينكشف أمامها أسرار يصعب الوصول إليها اعتيادياً ، يقابلها زوجة أب أو شقيقات تدفعن إلى قسوة رهيبة من أمهنّ أو عحوز شمطاء .. هي في المحصلة شكل آخر في انعكاس وتجلي المتناقضات وبانزياح عملي لرداء القداسة .. كثيرة هي الأمثلة بدءاً من هش ومراري مروراً إلى علبكا صبري وفاتوكا سيوي ، هذه العناوين تدفعني لشكرك ثانيةً على المجهود الكبير الذي بذلتيه في جمع محاور من النمط الكوجري / البوتاني لهذه الحكايا … وفي الختام هنا : أجزم بأنّ كلّ هذه الحكايا هي بقايا ملاحم أسطورية تدرّجت في تخلّي او انزياح القداسة عنها لتحاكي سيَر بشرية محضة ..

س٣

في الموروث الكُردي هناك أساطير رائعة تشدّك باندهاشٍ كبيرٍ ! ماهي الأسطورة – الملحمة التي تتمنّى أن تستمرّ بسرياليتها ورغم انتهاء أحداثها وتختمها بقلمك ولكنها تبقيك أسير حركيتها وصورها فتبقى هائماً وتشدّك من جديدٍ للتراث ، و .. تتلقّط بروحيتك أنفاس شخوصها فتتراقص معها نبضات قلبك وترتعب ، تبكي و.. لا تملّ وإنْ كنت لا تتحمّل وجع تكرار فصولها ألماً ؟ أيُّها ذي أثرٍ كبير عليك.

الجواب

لطالما هي حكاية أو كما نقولها بالكُردية – serîlî / serpêhatî – وقد تقوقعت في بيئتها تتوائم وتتحدّى كلّ أشكال الطمر والنسيان، تجدّد ذاتها بأنينها وأوجاعها وتدفعنا كمتلقّين نستمع إلى نبضات العذاب وهي تتدرّج صوب التدمّل حتى القيح الذي يفجّ ذاته بذاته و … تتتالى معها بشائر الفرح المتجدّد القادم أزاهيراً تزهو وفراشات تتطاير تلتقط غبار طلع الحياة .. هي هكذا سرياليات الحكايا العالية القيمة والتي ايضاً تبتدئ كما كانت في كلّ أساطير الخلق والتكوين ، لأنّ الذي أنشده في ذروة الوعي السومري – البابلي هي ذاتها كما روتها سيدة بوطية وأظنها واحدة من خالاتك أستاذة ليلى كانت حينما ابتدأت تسرد قصة – حكاية – هش و مراري وكأية راوية متأصّلة ومتمكّنة كما ومحترفة حينما قالت – bavî xweste bi banî ve herê – وهنا ، بالضبط سيتملكّني العجز التام في الخيار بين ما وصلتني من حكايا وما سمعتها كقصص تشي بأسطوريتها وتنثر معارف بيئتها ونمط إنتاجها كما الوعي المنتج بناءاً على كلّ ذلك .. حقيقة تتداخل المشاعر بين كلّ تلك السرديات ، بعضهنّ تقفزن بصورة جدتي عطو المريضة والملتحفة دائماً كانت بذلك اللحاف وأطلسه البرتقالي ! أم والدتي وهي تجلس بجانب مخدتي وحرارة اللوزات ترهقني ، فتروي لي غدر شقيقات هش بزوجها وانطلاقتها في البراري ! أم هي سينم ! .. نعم سيدتي ! .. سينم التي تقمّصت ، لا بل مرّت بها كلّ صنوف العذاب ولكنها قاومت وتمسّكت بالنبل وبعنوان الصمود تحت يافطة الشرف ، كرسالةٍ وبصرخات توازي أوجاع خجي وحبيبها المعلّق بين الأرض والسماء كما روحها .. سينم هذه التي لن وما ارتويت وجعاً من صخب براءتها ، سينم ذاتها التي تقصّدتُ أنا وكمجرم حربٍ أن أميتها بلدغة عقرب فأتوه أنا ، نعم سيدتي : أتوه أنا وبصدق بلا

أدرية ؟ هل هو عقاب ذاتي ؟ أم جمعي ؟ حينما تشعّ البراءة والإخلاص في بيئة ملأى بالعقارب والثعابين يكون الموت خلاصاً ، ولكن…  ليس ككلّ موتٍ ؟ بل هو ذاك بالضبط ما أعنيه مرتكزاً وبكلّ ثقةٍ وقوةٍ على عصارة الوعي الميثولوجي الكُردي : الموت في حكمته تجدّد للحياة ، ولهذا ترينني وقد اعتمدت كثيراً عليهنّ بطلات سيَر روين إرثاً بشرياً ستتلقّفه الأجيال وسيُعاد لهنّ مجدهنّ في ذهنية شعبهنّ الكُردي .. نعم أستاذة ليلى : أعشق سينم لا كمرثية مستدامة وخجي لا لأنينها العالق بين سفح الجبل والأرض ، وأعود بكل خيباتي وأعلم بأنّ مرثياتنا هي كانت ولم تزل : حجل يفتك برفّه كاملاً وهو في فخّه يتلذّذ .. ومع ذلك تبقى هي سينم ابنة الربيع كما أعشقها مثل آطاش فأغوص عميقاً في صميميته وأدندن معه – سينم كجا بوهارا .. سينم سينم سينم …

س٤

تابعنا وقرأنا لك سريليات تداخلت أوجاعاً وفرحاً واضطراباً ، تابعنا ( سينم الصبية ) و( هش و مراري ) ( فاتما خانم) ( فاتوكا سيوي) .. ( خاتونا زمبيل فروش ) و( زينا ممو ) نسوة كنّ كما اينانا وآبسو ، طاهرات أصبحن عاشقات او عشيقات ! هذه السريليات التي خلدت في الذهنية الكُردية ! ترى كم رائعة منها تاهت ؟ ألا ( تخشى وأنت المهتم بشغف ) بأن تتوه هذه الأساطير يوماً ما وتسقط في بحر نسيان الشعب الكُردي

الجواب:نعم أستاذة ، أشاركك الشعور وبقلق مضاعف ، لأنّ هناك العشرات من الحكايا التي قرأتها لثقافات شـعوب عديدة ، أدرك تماماً بأنّ لها بقايا وبنكهتها وبيئتها الكُــردية الخالصة ، الإرث البشري كنسـمات الهواء تلف نعم ! ولكن ؟ كل نسمة تتشبع مـن حاضنتها .. هل تتذكرين معي قصة قازي ؟ تلك الطائر الجميل الذي رزق به الراعي وزوجته بعد أن استضافوا غريباً – خوجه خزر – وبذات التفاصيل عند الإغريق وإن اختلف الاسمـ مـن خـزر إلى زفس الإله الأب زوج هيرا الآلهة الأمّ وهمـا النسق الأول مـن الآلهة ، وعليه هنــا : علينا أن نقـرّ بأنّ هذه الحكايا ليست سـوى ترانيم لمجد كان ، أو ذم أصبح بعـد انجلاء القداسـة عـن القديم و إحلال الجديد وما تتمّ عليها من قداسات وبهالات مستجدّة تسعى لفــرض هيبتها الجديدة ، أو حتى القديمة وهـي تــعلن الحرب للحفاظ على هالتها .. وهنا سأضيف سـيدتي : الميثولوجيا الكُـردية تحتوي على أساطير عليا تماسـت تماماً مـع أسـطورة الخلق – كما سـريالية قصة كجل والمثل الكُـردي (( tavek ji  tavên buharê hêjaye zîv û zêrên xurasanê )) هذه الملحمة التي تماشي تماماً أنماط التطور البشري ومتواليات الوعي

الأعلى كما تجسيدات الشمس والقمر وبتكثيف شديد تروي هذه الملحمة آلية الخلق والصراع والتطور البشري ومعها اكتشاف المعدن وتدجين الحيوان .. وبالتأكيد هناك ملاحم ارتقت في تجريديتها وحافظت على رقي نسقيتها كما مموزيني والذي أسيء لها كثيراً في أنسنتها في حين أنها تجسّد عصارة الفهم الما قبل سومري حتى في متلازمة الماء كنتاج لثقافة الموه – ممو- ولازمة جين أي الحياة وكنتاج حرفي لترجمة كلمة ننتي السومرية والتي تعني حواء العبرية وحياة العربية وجين الكُردية ، وكلازمة طقسية هنا أيضاً ، اسمحي لي أن أضيف عليها ملامح أرقى تتداخل فيها الحرف مثل زمبيل فروش ومعه أيضاً طقسية نوروز وكاوايي هسنكر وبالتالي اكتشاف المعدن . أجل استاذة : إنّ شفاهية ثقافتنا وموروثنا الكُردي في خطر حقيقي وعلينا العمل بجدٍّ ليس في الجانب الحكائي فقط ، بل والغنائي وكافة أشكال وأنواع الفولكلور بإرثه المتجدّد .

س٥

منذ قديم الزمان احتفظت الذاكرة الشعبية بموروث نقي تأسّس عليه وعي مجتمعي ، وبالرغم من المتغيرات الكبيرة في الوعي والذهنية ، إلا أنّ الوفاء للنمط لم يسمح بالمساس في جوهر السرد ، وتمّ الحفاظ على النسق المحكي وإن تغيّرت فيها بعض الرتوش ، على الرغم من أنها ظلّت تُروى شفاهاً ، فهل هذا هو سرّ حفاظ هذه الحكايا على بهائها ورونقها كما وبعدها بهالتها الأسطورية ؟ .

الجواب

ببساطة شديدة وبعيداً عن نرجسية الانتماء القومي ، علينا أن ندرك مدى أصالة وقوة وعظمة تراث شعبنا وقدرته التامة في الحفاظ على ذاته وابتداع وسائل تحتمي بها وتجعله وسيلة سلسة لتنقلها إلى الأجيال وكمثال بسيط : لنعد الى احتفاليات الأكيتو – اينوماليش – وسرد أسطورة التكوين وتجليات المقدس القديم وتطويب الجديد و .. لنقارنها باحتفاليات أعراسنا والطقوس الممارسة فيها كلها ، أستاذة ليلى : كلّ لوحة فيها تومئ وبوضوحٍ إلى مرحلة / فصل ، موت السابق ومولد المتجدّد وبالتالي وكما أعراس بوتان يوم الصباحية حينما يخرج العريس مع خلانه إلى – سيران – وتجرّده من هيبته مثل ملوك سومر الذين كانوا يتخلّون عن العرش ذلك اليوم وتتمّ محاسبته ، نعم إنّ العرس الكُردي وبتراتبياته هي ذات فصول أسطورة التكوين ، وعليه أفلا يحقّ لي التساؤل ؟ متى سنقرّ ذاتياً بعظمة الموروث وقوة وغنى الفولكلور الكُرديتين ؟! مجرد أسئلة يفترض أن تدفعنا جميعاً للبحث والتمحيص والعمل على إفراغ ذاكرة الحفظة والمعمّرين ، لأنّهم حفظة إرث وتاريخ هذا الشعب …

في نهاية هذا الحوار الرائع والمتجدّد معكم أتقدّم بالشكر الخاص لكِ سيدتي للجهد التشاركي الذي بذلتيه منذ سنين معي للتقصي وتجميع قضايا تراثية عديدة ومن خلالكِ إلى طاقم يكيتي ميديا متمنياً لكم كامل الموفقية

دبي 25-11-2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى