النوروز الكردي الدموي
جان صالح
لم يكن هناك سبيل أمام الكُرد لوقف «داعش» وقطع مفاصله وطرق إمداده بين سورية والعراق، إلا بمحاصرته داخل طوق كردي قوامه البيشمركة من كردستان العراق وقوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي (الجناح السياسي والعسكري للعمال الكردستاني في سورية)، تمهيداً لاستعادة الموصل من جهة، وإنهاء التنظيم داخل العراق وسورية.
هزيمة «داعش» في كوباني وتراجعه أمام تقدم البيشمركة في العراق، وقصف طيران التحالف الدولي، أدخلته في نوع من الإرباك واللاتوازن على رغم محاولاته داخل سورية السيطرة على منطقة نهر الخابور واحتلال القرى والقصبات الآشورية. لكن سيطرة وحدات الحماية الشعبية والمجلس العسكري السرياني وبعض الميليشيات العربية على منطقة تل حميس على الحدود السورية – العراقية وتطهيرها من مقاتلي تنظيم الدولة وطردهم من مدينة تل تمر وقراها، شكّل تغييراً استراتيجياً مهماً للكرد في إحكام الطوق العسكري على «داعش»، هو بمثابة بداية لقطع التنفس عن جسده. هذا ما دفع «داعش» إلى تهديد الكرد والانتقام منهم في عيدهم القومي «نوروز»!
مذبحة مروعة ارتكبها التنظيم من خلال سيارة ودراجة نارية مفخختين بحق المدنيين الكرد السوريين في حي المفتي بمدينة الحسكة، أثناء احتفالهم بقدوم عيد النوروز، حيث يشعلون النار والشموع كرمز لاستمرار الثورة والربيع في سبيل الحرية. وقد نجم عن المذبحة 55 ضحية وأكثر من 200 جريح غالبيتهم من الأطفال والنساء!
الكرد السوريون ومناطقهم باتت في مرمى إرهاب «داعش» وسيناريواتها المجنونة، في ظل التمزق الكردي سياسياً وسيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي على المناطق الكردية، ومشاركة النظام والميليشيات العربية والسريانية في التحكم بالمناطق وأمنها.
حكومة الكانتونات أو سلطة الأمر الواقع التي انبثقت من توافقات سياسية ومصالح مشتركة بين الأطراف المسلحة كافة هناك، وضعت مصير الكرد السوريين قيد المجهول، كما عزلت المنطقة الكردية ومجلسها الوطني عن كل دور سياسي أو عسكري أو اقتصادي. وما زال جناح العمال الكردستاني يمنع المجلس من تشكيل «بيشمركة كردية سورية»، بل صادر كل الأسلحة التي كانت بحوزة بعض الأحزاب الكردية (يكيتي، آزادي، البارتي) فيما يُسمح للميليشيات العربية والسريانية المساندة للنظام بالتسلح والتدريب، وتتم مشاركتهم أحياناً في الكثير من الأمور العسكرية!
وهذا ما يدفع بالمستقبل الكردي في سورية نحو المجهول، ويخلق عداوات وكراهية طائفية بين مكونات المنطقة مما يعمل النظام على تأجيجه.
ويدرك الكُرد في سورية أنهم يحصدون الخيبة والموت والفوضى كسائر المناطق السورية المنكوبة على أيدي النظام والتدخل الإيراني وسكاكين «داعش»، وأن سلطة «الوهم الكردية» إنما هي نتاج علاقة تاريخية بين أوجلان والأسد الأب، سيدفع الكرد السوريون ثمناً باهظاً بسببهاً.
لكن، بعد مذبحة النوروز المرعبة، لم يعد هناك أي مجال للمماطلة والحزازات في ما خصّ التوصّل إلى استراتيجية كردية واحدة تتطلبها المرحلة، في مواجهة إرهاب «داعش»، والسيناريوات التي تُرسم في طهران ودمشق ومنها فكرة الإتيان بالحرس الثوري الإيراني و «حزب الله» إلى المنطقة الكردية للتحكم بالأكراد وكبح طموحاتهم القومية والسياسية والثورية الوطنية داخل سورية.
الحياة