آراء

الهروب اللامجدي

عبد الرزاق حج محمد
كاتب سوري

رغم تعاقب السنوات العجاف و توالي الأزمات على مدى عقد و نيف ،؛ إلا أنّ الحالة السورية الجمعية لم تعالج أسباب الأزمة، و انشغلت بنتائجها رغم أنّ النتائج لا بدّ زائلة بزوال السبب…

و قد يبدو غريباً ما سيطرح هنا بعد مناقشة هذا الكم الهائل من القضايا.. منها دول الاحتلال و الإرهاب و التخاذل الدولي و عجز المعارضة و كثير الكثير من النتائج…إذاً هي نتائج..هذا سيطرح السؤال الكبير…ما السبب في كل ذلك..؟
والتصدي لهذا الملف سيسبّب صدمةً لابدّ، ولكنها قد أصبحت ضرورة ترقى لمستوى قضايا المصير….غاب المشروع في البداية و بدلاً من أن نستدرك غيابه ظهرت الايديلوجيات المتباينة…و من ثم تصارعت فيما بينها و استمرّينا بتناسي أهمية ظهوره….و لا زلنا ننتظر و لكن بيأس….في البداية لم يمتلك لا الإنسان العادي و لا السياسي الحاذق أيّ رؤية لمستقبل البلد بعد إحلال التغيير السياسي…كان كل منهم يكتفي بتبني شعار ضرورة التغيير.. و لكن أي نوعٍ من التغيير؟…هنا كان يسود الصمت….يصمت الإنسان العادي لأنه يجهل الإجابة…و يصمت السياسي لأنه يخاف أن يفقد السلطة التي يحلم بها بعد سقوط النظام…قد لا نحتاج الإسهاب أكثر من ذلك في شرح ما مضى ، و لكننا لا زلنا بحاجةٍ ذلك المشروع السياسي الاجتماعي كبدايةٍ للتغيير ، و لذلك قد أصبح هذا ضرورة الضرورات….

لا بدّ لهذا المشروع من أن يناقش و بدقة قضايا أساسية و أن يتبنّى رؤية عصرية للبناء السياسي و المجتمعي تقوم على أسس المواطنة العادلة الخالية من شوائب التمييزات الشوفينية، و أن يرتكز على ديمقراطية عصرية أثبتت نجاحها في كل التجارب السابقة في العالم…و من اللازم أيضاً تبنّي مبدأ فدرالية الدولة؛ كونها الأكثر ضماناً لحقوق المكونات السورية و أبعد ما تكون عن عودة الديكتاتورية من جديد …و سيكون مميزاً جداً لو تطرّق المشروع إلى شكل النظام السياسي المستقبلي و هنا نلاحظ أنّ الدولة البرلمانية التي تعتمد على التعددية السياسية هي من أكثر دول العالم نجاحاً و تقدماً، و لا شكّ أنّ هناك قضايا أخرى يمكن لهذا المشروع السياسي تبنيه ، و لكن الملفات التي ذكرت هي زوايا أساسية لا يمكن تجاهلها و لابدّ من إدراجها عاجلاً…

و لكن للأسف لا تزال كثير من النخب السياسية ترفض مناقشة هذا المشروع و تلقي الحجج جزافاً …و ربما كانت الحجة الكبرى هي أنّ كل ذلك يجب مناقشته بعد تحقيق الانتقال السياسي؛ متناسين أنّ هذا لن يحصل إلا بتوحيد الرؤية السياسية و بذلك تكون المعادلة فيها حد ناقص و ستكون مستحيلة الحل…

وحده المشروع السياسي الشامل و الذي يلبّي تطلعات السوريين القادر على خلق مناخ التغيير سواءً في المجتمع الدولي و العالم أو داخل الوطن الجريح ،و لكن للأسف يبدو أنّ شبق السلطة لا يزال ملتهباً داخل الكثير من النخب التي تتحمّل مسؤولية تأخير الحل أولاً، و إنهاء معاناة السوريين ثانياً….

و لكن غير المفهوم أبداً وإن كنا جميعاً متفقين على ضرورة طرح هذا المشروع. حالة الغموض التي تسيطر على الحالة السياسية السورية أصبح مقلقاً، مجرد طرح الفكرة، لأنّ الغالبية قد أصبحت تعرف الإجابة، بعضهم سيصمت صمت الأموات ، و بعضهم سيرفض متعللاً بوضع المجتمع السوري الخاص، كما يدّعي، و هو الطرف الأكثر وضوحاً على الأقل..و البعض، و هم قلة، لكنهم، للأسف، مؤثرون سوف يتذرعون فقط بالوقت بحجة أنّ هذا الموضوع ضروري، لا شكّ، و لكنه سابق لوقته و أنّ الوقت المناسب هو ما بعد الانتقال السياسي المرتقب…هي مجرد إجابات غير مقنعة، و لا منطقية إلا أنها تخفي خلفها ما تخفي….

كم هو مؤسف أن تحمل النخب السياسية و الفكرية بداخلها الكثير من رواسب قومية و شوفينية تكون عائقاً أمام الخلاص ،و ليس الحديث هنا لجلد أحدٍ، ايا كان، بل لضرورة المكاشفة التي ستضع القاطرة على سكنها الصحيحة من جديد….

حقيقة يجب أن يدركها الجميع…لا يختلف الشعب السوري أبداً عن غيره من الشعوب…معظم الشعوب عندما تعرّضت للتغيير رفضت و ربما قاومت لكنها تأقلمت لاحقاً و دعمت و ليس الشعب السوري استثناء لسنن حركت البشرية عبر تاريخها…إلا أن إصرار النخبة و نضالها في سبيل التغيير عامل مهم..وما ترتكبه النخب لدينا للأسف هو حماقة كبيرة ..فبدلاً من إصرارهم على الحداثة في البناء السياسي و المجتمعي تراهم في كثير من الأحيان يذهبون إلى الهزيمة المبررة لرغبات الشعب و احترام تاريخه المزيف أصلاً أو قيمه التي أصبحت في كل بقاع الأرض مجرد إرث لا اكثر…إنهم يقومون بعكس دور النخبة المعروف…ولو كانت النخب في العالم قد فكّرت بهذه الطريقة، لما تحرّرت جنوب أفريقيا و لا الهند، و لكانت رواندا قد فنيت بحربها الأهلية عن بكرة أبيها.

فالتغيير قرار حاسم و صحيح حتى لو كان غير مرغوب به.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “321”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى