الورقة الأخيرة
عبد الرزاق حج محمد
كما هي العادة في بلد الانقسامات ننقسم من جديد مع كلّ جديد و نضيف لانقساماتنا السابقة خطوة جديدة نحو الخلف، مع أنّ الأجدى بنا أن نقرأ المستقبل و نتلمّس معالمه لنضع أقدامنا على أول خطوة في الطريق الصحيح، و عندها فقط يتوقّف لدينا نزيف الوقت و شلال التضحيات…لكن و مع الأسف ليس هذا ما يحصل في واقعنا السوري…
كان كلّ ما حصل في الآونة الأخيرة يمثّل صدمةً لكلّ السوريين و كان إحباطاً لكلّ السيناريوهات التي رسموها ..لم يتوقّع أحد أن تخرج هيئة تحرير الشام من مخدعها لتزحف على ما تبقّى من سوريا، و كأنها تسابق نفسها في ماراثون لا خاسر فيه إلا النظام المتهالك المهزوم أصلاً…و في اللحظة التي بلغت فيها أعتاب دمشق بدأ يشعر الجميع بأننا بالفعل قد بلغنا النهاية بحسم هذا الصراع الدموي، و معه بدأنا نسمع بسلسلة جديدة من الاحتمالات التي تقوم على محورين فقط.
الأول…أن ما حصل هو عملية استبدال نهائية لنظام الأسد بنظام جديد شبيه به و أن لابدّ من التعامل مع الواقع الجديد و التأقلم معه كأمر واقع…
الثاني…أن ما حصل ما كان ليحصل لولا القبول الدولي المسبق بل الدعم له و هذا يضع المجتمع الدولي في دائرة المستهدف لإرادة الشعب السوري و المتآمر الأزلي عليه بناءً فقط على مصالحه المتنوعة ..
و بناءً على ذلك تصاعدت حالة القلق و القبول في نفس الوقت بعد كلّ هذا الإرهاق الذي نال من الجميع ..الجميع قلق في سريرته لكنه لا يظهر ذلك بل نجد أحياناً أنه أظهر رغبة بالقبول بالأمر الواقع رغم أنّ ما حصل لا ينذر أحد بخير…و عدنا و العود ليس أحمد، للقراءات الخاطئة التي لابد ستنتج عنها سياسات خاطئة.
ربما كان من الضروري لنا أن نفكّر بطريقة مختلفة عما سبق…بناءً على حيثيات مختلفة أيضاً…فلا يمكن للعالم أن يسمح باستمرار الوضع كما هو لاعتبارات أمنية مستقبلية تخصّ أمن المنطقة و العالم أجمع و بناءً على هذا فإنّ ما تشهده سوريا الآن هو ظرف مؤقت سينتهي بانتهاء مهماته عاجلاً و التي تتلخّص في أمرين أساسيين…الاول و هو إقصاء حالة التحالفات القديمة للدول التي كانت نافذة في سوريا ..و الثاني إظهار عدم قدرة التيار الإسلامي على بناء دولة حديثة تتوافق مع رؤية العالم بعد منحهم فرصة لم يتوقّعوها و هذا الفشل سوف يضع المجتمع السوري بموقف المرتقب للخلاص من مصفوفة الفشل القدرية….
بعد كلّ هذا لابدّ أن نصل إلى نتيجة واحدة و هي أننا أمام سيناريو مؤقت و مخطط بدقة و ينفّذ بحرفية…إذاً ماذا يجب أن نفعل؟ و هنا تماماً وصلنا للخطوة الصحيحة الأولى…
يجدر بنا التوجه و لأول مرة إلى العمل السياسي المنظم البعيد كلّ البعد عن أي صبغة أيديولوجية مرتكزاً فقط على رؤية بناء الدولة الديمقراطية و حقوق الإنسان و إظهار رغبة أكيدة بخلع ثياب التبعية للدول التي أثّرت سلباً على الواقع السوري فيما سبق، و سينتج عن هذا بالضرورة تقارب قد يصل لحد الاندماج بين كلّ التيارات السياسية التي قبلت بهذين الشرطين، و هما خلع ثياب الأيديولوجية و التبعية، و سنشهد في سوريا لأول مرة بديلاً حقيقياً قادراً على قيادة سوريا داخلياً و شريكاً دولياً مقنعاً للعالم و غير مثير للقلق…
إن لم يحصل ذلك فلن يكون ذا تأثير على مخطط العالم الدقيق، لكنه سيكون مؤثراً و بشدة على الداخل السوري؛ لأنّ العالم لن ينتظر السوريين أكثر من ذلك و سينتقل للخطوة الأخيرة منفرداً، و هذا ما لا يمكن التنبؤ بكيفيته في الوقت الراهن….
لا نزال كسوريين نمتلك هذه الورقة الأخيرة … لكنها بالفعل حاسمة و لكنها أيضاً الأخيرة و لا يجب بعدها أن نلوم العالم و أقصى ما يمكن أن نفعله عندها هو التباكي و الاعتراف بالفشل غير المجدي.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “328”