الورقة الكردية السوريّة.. من يكتبها؟
مرح البقاعي\مستشارة بالسياسيات الدوليّة – واشنطن
ليست الديمقراطية مجرد مبدأ سياسي يحكم أشكال العلاقات السياسية فحسب، بل هي سلوك ومنهج عام لإدارة مختلف جوانب الحياة في الدولة، يتربى عليها الفرد والمجتمع والحكام لتصبح جزءاً من مكونات الشخصية الوطنية وأحد مقوماتها، ويمارسها جميع المواطنين حقاً وواجباً
كما ليست الديمقراطية عنواناً براقاً طوبوياً منفصلاً عن الواقع، ولكنها تعني حق فعلي وحياتي للشعب في تقرير شؤونه واختيار نوابه وحكامه ومراقبتهم ومحاسبتهم وضمان التزامهم فيما يصدر عنهم من قرارات أو تصرفات لتسيير الشؤون العامة برأي الشعب مباشرة أو عن طريق نوابه حتى لا يستبد بالأمر فرد أو ينفرد به حزب أو تستأثر به فئة، وهي إلى جانب ذلك مصدر لتحديد القواعد الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم ودستور الدولة.
في سوريا التي ينشد أبناؤها هذا النهج من الديمقراطية لدولتهم الجديدة التي دفعوا لأجلها أغلى الأثمان خلال عشر عجاف انقضت، خرج السوريون، عرباً وكرداً معاً، لمناهضة استبداد عمره ناف النصف، وخرجت إلى جانبهم كل مكونات الشعب السوري الإثنية والدينية تدق أجراس الخلاص السوري. وإن تعثرت ثورة السوريين في مراحلها المتعاقبة، فمما لارجعة فيه هو أن بذور التغيير قد زرعت عميقاً في الأرض وسيؤتى ثمرها عاجلاً أم آجلاً.
أرغب في هذا المقام أن أسوق ورقة سياسية أصدرها الحزب الجمهوري السوري في العام 2013 ضمن وثائقة للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في سوريا، وتحمل عنوان الورقة الكردية. جاءت هذه الورقة سابقة بأفكارها وطرحها لمستقبل الدولة السورية المستقبلية التي تقوم على الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون. والورقة بمقدمتها التاريخية ستساعد على تفهّم أعمق لطبيعة النزاع الإقليمي والدولي على النفوذ المستقبلي في سوريا ما بعد الاستبداد:
أدت هزيمة ألمانيا وحلفائها وانهيار الامبراطورية العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى إلى نشوء اتفاقيات عديدة لتقاسم مناطق النفوذ من تركة الرجل المريض. إحدى تلك الاتفاقيات كان اتفاقية سايكس ـ بيكو التي كان من نتائجها تقسيم منطقة الشرق الأوسط بين الدول المنتصرة في الحرب وتشكيل دول جديدة ومنها الدولة السورية بحدودها الحالية التي خضعت للانتداب الفرنسي.
دافع السوريون بكافة مشاربهم عن وطنهم الجديد ومنهم الكرد السوريون الذين دافعوا عن انتمائهم الوطني يداً بيد مع أبناء الوطن الواحد في معركة طرد المحتل الفرنسي، ثم معركة البناء. إلا أن الحكومات التي تعاقبت بعد تحرير سوريا عاملت الكرد كمواطنين من الدرجة الثانية، بل وتنكرت لحقيقة وجود الكرد كقومية أساس تعيش على أرضها التاريخية ضمن سوريا الواحدة؛ فطبقت بحقهم الإجراءات القمعية التي تمثلت في الحرمان من حق التعليم باللغة الكردية، وتطبيق الإحصاء الاستثنائي عام 1962 في محافظة الحسكة الذي حرم بموجبه عشرات الآلاف من الكرد من الجنسية السورية وما ترتب عليه من عواقب تمييزية، وكذلك تطبيق مشروع الحزام العربي الذي جردت بموجبه الكثير من العائلات الكردية من أراضيها لصالح عائلات عربية بهدف تغيير ديمغرافية المناطق الكردية، هذا ناهيك عن حملة تعريب طالت أسماء المدن والقرى الكردية وحتى أسماء أطفال الكرد في المدارس، إلى العديد من الإجراءات التمييزية بحق المواطنين الكرد، وقد أدت إلى حالة من عدم الثقة بين مكونات الشعب السوري، وإلى احتقان يجب معالجة أسبابه وفق برنامج محدد ينطلق من المعايير التالية:
ـ الاعتراف الدستوري بالمكون الكردي، حقوقاً وواجباً في دولة المواطنة في سوريا الجديدة، وبكونه من المكونات الأساس للمجتمع السوري، يعيش على أرضه التاريخية في إطار وحدة الأراضي السورية.
– الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية ثانية إلى جانب اللغة العربية وتدريسها في مختلف المراحل الدراسي في المناطق الكردية، ولمن يختارها لغة ثانية في المناطق الأخرى.
-الاعتراف بالهوية القومية الكردية وبلغتها لا ينتهك سيادة الوطن ولا يُعتبر مساساً بوحدته، فالوحدة الوطنية الحقيقية لا تنجز بالإنكار بل بالاعتراف بالتنوع القومي و الثقافي للسوريين بمختلف مشاربهم.
– صياغة دستور توافقي يكون الكرد ممثلين في صياغته، دستور يضمن الاعتراف بالمكون الكردي وهويته الثقافية والقومية في إطار وحدة البلاد.
– اعتماد نظام اللامركزية في الحكم لمراعات التعدد القومي في البلاد.
– إلغاء المراسيم القوانين والإجراءات العنصرية بحق الكرد من إحصاء وتعريب وحزام عربي وغيرها، وتعويض المتضررين من تلك الإجراءات.
– اعتماد علم و نشيد جديدين للجمهورية السورية يعبران عن فسيفساء التنوع القومي والديني للوطن الأم.
– صياغة قانون يجرم العنصرية والتطرف الديني والطائفي.
– تمثيل الكرد تمثيلاً عادلاً في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
– بناء جيش وطني يكون فيه الكرد، كما باقي مكونات سوريا، ممثلين مع حقهم بالوصول إلى رتب سيادية، بعيداً عن النزعة الطائفية والدينية والعرقية.
لقد كان العرب والكرد معاً ضحية الاستبداد المتأصل في أداء نظام الحزب الواحد في سوريا، وقد آن الأوان ليزول بالإطلاق من الصفحة السورية وصفحة التاريخ.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “271”