آراء
الوطنية والإنتهازية كردياً
لنضال في سبيل القضية من أسمى النضالات و العبادات و أقل واجب يؤديه الإنسان في سبيل إرضاء شعبه و القيام بواجبه تجاه وطنه الذي تربى في كنفه و أكل من خيراته و شرب مائه و استنشق هوائه، نعم هذه فضائل الوطن على الإنسان و الواجب تجاهه يجب أن لا تفوت هكذا لكي تكفر عن بعض من ذنوبك و محو صفحات سوداء سواء من قبيح الأقوال و الأفعال و ما أحوجنا إلى ذلك في هذا الزمن الذي تطارد فيه الأعمال السيئة للإنسان و تلحق به حتى لو ذهب إلى شواهق الجبال و إذا كانت شعائر و مناسك الوطن بهذه المكانة السامية فإن معانيه و معاشرته و معايشته و أكل خيراته و القيام بالواجب هو من الأهداف النبيلة لا تتم إلا إذا تمسك الإنسان بمبادئه و قام بواجبه و خلع الأنانية و الحسد و الحقد و حب الإنتقام و البخل و القسوة و الأقوال الشنيعة و الكذب و الخداع و كل صفة ذات قيمة لكي يلبس ثوب الوطنية و القومية لتجده نفساً طاهرة ملؤها الحب و التواضع و القول الحسن و فعل الخير و نصح الآخرين و عفة اللسان و الصفح و الحلم و كل صفة طيبة مع التسلح بالعلم.
إن حب الوطن هو تدريب للنفس على كبت حب الذات و الأنانية و عدم إيذاء بني جلدته والإتهامات الكاذبة و الباطلة لكل من يعارضه و المعاملة الأخوية الصادقة التي تعبر بحق عن الأخوية و الجدية و حسن المعاملة لتكوين علاقات و شيجة من أخوة الدم و إلتزام الآداب و الأخلاق الرفيعة و الترفع عن كل شنيع في القول و الفعل إحتراماً لقدسية الوطن و تقديراً لعقل المواطن، و أسوأ شئ هو إساءة الأدب تحت عباءة الوطنية و الشعب……..الخ، فعندما يكون الإنسان في وطنه يجب أن يتلبس شخصية قد بلغت من الكمال مرتقىً عالياً و من الأخلاق مكاناًسامياً و من السمو درجات تجعله في محل المستقيم و السوي الذي يستطيع أن يعبر عن هموم شعبه و وطنه في داخل وجدانه، و هنا لا مجال للمخاصمة في حب الوطن و بيع الوطنيات على الآخرين و لا مجال للمنازعة فيما بين المواطنين للبرهان على حب الوطن أيضاً و لكن تبقى العملية ضميرية.
الوطن يعني المساواة و توفير الأمن و ضمان الإستقرار و السلم الإجتماعي و يعني توفير فرص العمل للجميع و ضمان الحرية و العدالة و حمايتهما بالقانون و أيضاً مساعدة المحتاجين و الفقراء و توفير التعليم و العلاج و تقديم الخدمات العامة كالكهرباء و الماء. ومع أننا كشعوب شرقية لم نجرب طعم الحرية طيلة حياتنا و حياة أسلافنا و نعيش في دولة رعب و خوف من أنظمة الدولة نفسها و المواطن محروم من جميع الخدمات الأساسية و يقتل يومياً و يطرد من بيته و يتم تهجيره قسراً بعد أن يتم تدمير بيته و يرى بعينه كيف تتهاوى وطنه و يفقد رفاقه و يشعر بالضياع و لا يعرف شيئاً عن مستقبله الذي ينتظره.
لا يتردد الكثير من الإنتهازيين في إلقاء خطابات نارية عن الوطن و حب الوطن و لكنه في الحقيقة يسلب و ينهش في لحم الوطن و إذا ما سنحت له الفرصة في التملص و التهرب و لا يعود يفكر في الوطن و لذلك فإن الإنسان الذي يقتصر وطنيته على تسعين دقيقة فقط يعاني من عاهة نفسية خطيرة في تكوينه الإنساني و يحتاج إلى علاج نفسي مكثف يعيده إلى رشده و عقله و يجب على المسؤولين أن يمنعوا مثل هذه النوعية من البشر حضور مناسبات و أماكن الزيارات لأن ذلك يسئ إلى كيان المنظومة و المجتمع برمته و يسبب المشاكل التي من الممكن أن تؤدي إلى تداعيات خطيرة على هذه المجتمعات لأن العلاقة المحترمة لا تعتمد أبداً على وطنية التسعين دقيقة.
إن المفاهيم المجردة المثالية ليست قريبة من الواقع، الواقع الذي يميل إلى الشغب و الفوضى و تغليب المصالح الآنية و الشخصية و لكنها متلبسة بمفاهيم وطنية مجردة من الإحاسيس و المشاعر، و مثل هذه الظواهر كادت أن تنتشر في كثير من المناطق و سببت الكثير من المآسي إلا إن المسارعة لمعالجتها بجد هي في ساعة حدوثها و منع إنتشارها و وضع الحلول اللازمة لها.
المشكلة الكبيرة هي أن البعض من الناس يعملون بكل ثقلهم في التجييش و الحشد في مناسبة أو غير مناسبة و ذلك عنوة من أجل كسر شوكة الآخرين أو القيادات التي لا تروق لهم سياساتها و يتنصلون من المسؤولية و لذلك نجد إنها مشاعر لا وطنية و لا تخدم قضية الوطن و المواطن و تضر بالسلم الأهلي و الإجتماعي و ستبقى آثارها تمتد لعقود من الزمن.
إن الإجماع الكردي في سوريا مهدد و إن أكثر ما يهدد هذا الإجماع هو السياسات المتبعة من قبل المعنيين و المتحكمين بزمام الأمور و إذا كان الإتفاق ضرورياً بين الأطراف الكردية لحماية أمنهم و مستقبلهم و وطنهم فإن السير في الطرق المتبعة يعد إنتحاراً سياسياً و عسكرياً و وطنياً بكل المقاييس.
مروان سليمان
مدرس في المدارس المهنية بالمانيا
09.10.2016