انتخابات برلمان العراق… بين انتكاسة النفوذ الإيراني ورفع مستوى وعي الناخب العراقي
إسماعيل رشيد
لقد أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية ، والتي كانت وفق الدوائر المتعددة، كنظامٍ اعتمدته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، تغييراً ملحوظاً في المشهد السياسي وحملت مفاجآت عدة ؛ أبرزها تصدّر التيار الصدري بأكثر من 70 مقعداً وتراجع أصوات تحالف الفتح الذي يضمّ الحشد الشعبي ومجموعات موالية لإيران، فيما حصل حزب الحلبوسي ( تقدم ) على المرتبة الثالثة ، واستطاع رئيس الوزراء الكاظمي خلق بيئةٍ مناسبة ، وإرادة قوية لإجراء هذه الانتخابات بأجواءٍ مقبولةٍ ، قياساً بالوضع العراقي الميداني وتعقيداته، وهذا يُعتبر انتصاراً للدولة العراقية، بتعزيز سلطة المؤسسات والجيش بدلاً من الميليشيات التي تأتمر بأوامر خارجية .
أما على صعيد إقليم كُردستان، فالمشهد الانتخابي ونتائجه كان انعكاساً واضحاً ومتوقعاً عن تفوق الحزب الديمقراطي الكُردستاني بزعامة الرئيس بارزاني، 33 مقعداً، نتيجة الاستقرار والخبرة والتزامه بقضاياه القومية والعراقية واتّباعه سياسات متوازنة وهادئة ، وما حصوله عل نسبةٍ جيدة من المقاعد في محافظة نينوى وشنكال وكركوك إلا مؤشراًصريحاً بأنّ تاربخ هذا الحزب العريق الممتد 75 عاماً من النضال يحظى بدعم وتأييد الشارع الكُردي، وهو يُعتبر انتصاراً للنهج والأمل الكُردي ، فيما حلّ حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني في المرتبة الثانية16 مقعداً، وهو رقم ضئيل يعكس حالة التشرذم واللااستقرار الذي يعيشه، نتيجة أزماته الداخلية ، بعد وفاة مام جلال، ومواقف بعض قياداته السلبية تجاه القضايا الكُردستانية ، ويعبّر عن حالة الضعف التنظيمي وتغلغل أجندات إقليمية ضمن صفوفه ، والمفاجأة كانت في عدم حصول كتلة التغيير على أيّ مقعدٍ برلماني ، فيما صعد حركة الجيل الجديد للمرتبة الثالثة، 9 مقاعد.
من هنا ، رغم نسبة الإقبال الضئيلة في عموم العراق 41% ، وكذلك في إقليم كُردستان ،حيث أدنى نسبة للإقبال كانت في بغداد ، ولم تتجاوز ،32% ، فيما حصلت محافظة دهوك على أعلى نسبة ،54% وكذلك كان هناك تراجع في التصويت الخاص بإقليم كُردستان 74% فيما تجاوزت النسبة 94% عام ،2018 .
إنّ نسبة التصويت الضئيلة في عموم العراق
وسقوط إيديولوجيات بعض الأحزاب الموالية لإيران أو التي لاتعبّر عن مصالح شعبها وتعمل وفق أجنداتٍ لاتخدم المصلحة العامة ، كلّ هذا يدلّ على ارتفاع وعي الناخب العراقي ، وقدرته على اتخاذ قراره بعيداً عن الإيديولوجيات الحزبية الضيقة، وهي رسالة بأنّ الناخب العراقي لم يعد قطيعاً، ومايهمه مَن يقدم الخدمات والأمان ، وليس الشعارات والخداع، وأنّ ثقافة نتيجة 99,99% قد ولّت .
بعد هذه النتائج والسلاسة في سير العملية الانتخابية ، وخيبة الأمل التي مُنيت بها بعض الأحزاب والتحالفات، وخاصةً الشيعية، بدأت بالمطالبة بإعادة الانتخابات أو إعادة فرزها والتشكيك في نزاهتها، وتحريض جماهيرها للخروج إلى الشارع ، وهذا يدلّ على استمرارية تسلح البعض بثقافة الاستعلاء، وعدم تقبل فشل نتائج سياساتهم، وسيعملون لخلط الأوراق بدلاً من المراجعة الشاملة لمجمل سياساتهم وتحالفاتهم وبرامجهم الانتخابية ، وهم يدركون جيداً بأنّ الخارطة السياسية قد تغيّرت وفق النتائج المعلنة، وهي ستمهّد ربّما لتعديل بعض القوانين وإلغاء أخرى مثل قانون الحشد الشعبي.
وأخيراً بالرغم من التأييد الإقليمي والدولي لهذه الانتخابات ، فإنّ تشكيل الحكومة الجديدة تواجهه تحديات عسيرة ، ولن تقف إيران مكتوفة الأيدي أمام التراجع المرعب لميليشياتها على الساحة العراقية في ظل التجاذبات الداخلية والتدخلات الخارجية.
المقالة تم نشرها في جريدة يكيتي