انتفاضة قامشلو .. شجون ودروس وعبر
– إيجاز لوجهة نظر –
وليد حاج عبدالقادر / دبي
قبل الخوض في تفاصيل كثيرٍ من المفردات والتعاريف التي أنتجت آليات يُفترض بأنها ظهرت كمقدمات بنيوية تراكمت عبر السنين ، ولربما هي ذاتها المقدمات التي مهّدت ودفعت بجميع حركات التحرر القومية إلى دوامة من الخلافات بغطاء مصطلحي ، وكأدلجة من المفيد أن نتعمّق في الأسباب التي أنتجت هذا التباعد ، خاصةً أنّ بعضها كانت وظلْت تحتمي بسلاح التجزيء الذي غُلّف بسيلٍ من الخلافات الحادة وصلت في أحايين كثيرة في أجزاء أخرى إلى صدامات عسكرية وتصفيات جسدية ، ولكنها مع ذلك وعلى قاعدة وحدة المشاعر والمصير نتذكّر أيضاً ما حدث عند المنعطفات المصيرية الحاسمة وعلى المحك ، حيث تلاقوا وحدّدوا أيضاً الأطر لآفاق المستقبل القادم ، وذلك على أرضية الولاء للقضية القومية ، والتي على قاعدتها اختفت كلْ التناقضات البينية أو تأجّلت ، عدا بعض ممّن أسْسوا رؤاهم على قاعدة أنّ صراعهم مبني على عداء المختلف وضمن قوميتهم في الأساس ، ويبرّر للمريدين كلّ الممارسات الإيديولوجية تلك رغم أنها كانت مدمْرة في مآلاتها القومية ، لا بل ! وقد تسخر – تلك المآلات القومية – وتُستخدم كمطيةّ لتلك الأجندات الحزبية ، وعليه : أوليس من حقّ الآخرين إذن ؟ أن يتشبّثوا بنضالهم ويتمسّكوا بأولوياتهم الرئيسية ؟ . خاصةً مع تسارع انكشاف الآخر والهدف الصريح في الاستحواذ على القرار والتمثيل وبزعمّ مزيّفٍ كما وبغطاءّ قومي وأيضاً مزيّف ؟ . وبعيداً عن الجدل ! ومع كلّ هذه السنين ؟! هل سنتجرّأ بوضع الجرس في عنق الهرْ ؟ . وهل طلّ أو سيطلّ علينا زعامات / قيادات الحركة الكُردية بدون استثناءّ ! ويضعوا لنا النقاط على الحروف ؟ . أسئلة لازالت تُطرح وتتعدّد معها إشارات الاستفهام !! ولكن ؟ ماهو الأمر الغريب هنا ! بأننا إلى الآن لانزال نرتعب في توصيف الحالة ، وعلى قاعدة هذا الخوف تعدّدت توصيفاتنا وبمسمياتّ سجعيةّ عديدة هل ماحدث هي – ثورة – انتفاضة – هبة ! وطبيعي أنّ كلّ توصيفٍ جرجر معه سلسلة من السفسطات في محاولة للتغطية وكتدليسٍ معرفي أيضاً على العوامل الرئيسة التي أدّت إلى إجهاض – ما أسمْيه بانتفاضة قامشلو – وعوامل فشلها – رغم يقيني بمصطلح إفشالها ! – ، وهنا وكخيارّ حرٍّ – أرى فيها مجدّداً – وعلى اساسها ! أوليس من حقّي التساؤل هنا وباستغرابّ ؟! مَنْ الذي أجهضها لإنتفاضة قامشلو ؟! وطبيعي أن يكون لكلٍّ منا أسبابه ومعطياته التي بنى عليها تصوّراته ! وعليه ! هل تجرّأت أية مجموعة – حزب في طرح رؤية نقدية إنْ للخاص كحزبّ او الجماهير فينصفها لا يدينها كرمى ومراعاة للرقيب أول أبو رامز – مثلاً – ؟ . كلّ المعطيات على الأرض كانت تقول بأنّ النظام هو في أوج رعبه والجماهير هزّت أركانه ولو استدامت لأسبوعٍ آخر ، وعلى حد زعم كثيرّ من المتابعين لما استمرّ النزيف السوري العام إلى أيامنا هذه ! والأدهى ؟ أنّ الساحة الكُردية بجماهيرها وبمختلف مشاربها وتوجّهاتها التحمت مع أولى رشقات الرصاص وسقوط أول دفعة من الشهداء وافتتاح غرف الزنزانات التي ضمّت مئات من المعتقلين ، حيث تمّ لمُّ شمل المجتمع الكُردي في إطار الانتماء القومي ، وأخذ يصرخ ويندّد بالتشرذم الذي شتّت النضالات ، وعلى مدى أيام اهتزّت على صدى هدير الحناجر الغاضبة كلّ ما دشّن من مخططات شوفينية لكلّ من ميني ومحمد طلب هلال ، وهرع منصورة إلى المنطقة غاضباً وهو يشتم سليم كبول محافظ الحسكة ويتّهمه بتدمير كلّ ما أنجزه من المخطّطات التي اشتغل عليها لعشرات السنين ! ولكن ؟ ومع كلّ ذلك ؟ لو دقّقنا في النتائج سنرى بأنْ النظام هو الذي اتّعظ واستفاد من التجربة واتّخذ منها دروساً ، ولعلّ أهمْها كان وبكلّ أسفّ قد تمثّل في الاحتواء الأشمل وذلك كبديلّ عن مجموعاتٍ من القيادات المخترَقة ، ولتمطّ أكثر في يد الدولة العميقة وتستبدل البيوتات على شاكلة جمعيات المرتضى بصيغّ أوسع ، تلتفّ وتدور بها داخلياً وخارجياً ، وبالفعل وعملياً ترسّخت الدولة العميقة بعد أن طوّرت من أساليبها ومستندة على ركائزها ، وأنجزت في الواقع مالم تحقّقه كلّ أسلحته وزخم الاعتقالات التي نفّذتها ؟! وليعود فينا من جديدٍ ذات السؤال الملحّ ؟ . لماذا عجزت ؟ وبعبارةّ أدقّ لم تقم الحركة الكُردية في إجراء دراسةٍ وتقييمٍ موضوعي مع ممارسةٍ نقديةٍ لتلك المرحلة حتى الآن ؟ خاصةً ونحن نعلم بأنّ الشارع كان قد تجاوز حركته السياسية وبشهادة كثيرٍ من قادتها ، وقد سمعت شخصياً من ثلاثة سكرتارية أحزابنا الكُردية ! ومع كلّ ذلك بقي السؤال ذاته مشروعاً إلى يومنا هذا ؟ عجباً ! مٌنْ أفشل الانتفاضة ؟ وليشفع أيضاً باستفهامٍ أوسع ؟ فيشمل التساؤل عمّن أوقد ها ؟ . وبتوضيحٍ أشمل ! ذلك الكمون الضاغط الذي تراكم والشعلة التي ساهمت كدبوسٍ وقد غُرِز عميقاً في الدمّلة يفجّرها ، وهنا ، لابدّ لي من التنويه بأنني لست بصدد دراسةٍ شاملة هنا بقدر ما أبتغيها كبقعة ضوءٍ تتّسع وتكشف عن بعضٍ من أهمّ نتائج انتفاضة قامشلو مثل :
– كسر حاجز الخوف عند الجماهير منذ اللحظات الأولى لاستخدام النظام السلاح الحيّ وسقوط شهداء وجرحى ، لا بل لوحظ وبقوةٍ اهتزاز جبروت وطغيان النظام بأجهزته الأمنية وثبت كذبه في ادّعاء خرقه البنيوي للقاعدة الجماهيرية للشعب الكُردي ، وهذه النقطة بحدّ ذاتها أصبحت هدفاً برمج عليها النظام أهدافه اللاحقة .
– ثبت وبالممارسة الفعلية وميدانياً تجاوز قواعد الأحزاب لهيكلياتها التنظيمية وانحيازها وبوعيٍ في الانخراط المنظّم بأطر جماهيرية كُردية ، هذه الحالة التي تجاهلتها أحزاب الحركة ، ولربما وجهت بعضها للتجاهل ، الأمر الذي ساهم دون التحول إلى آفاق هيكلية وبنى جديدة ، كما والتحوّل الفعلي وميدانياً إلى ممارساتٍ سياسية ومعرفية وانتقالٍ فعلي للأحزاب الكُردية إلى حالةٍ من الوضوح والشفافية مع الجماهير وجعلها الشخصية الجمعية الاعتبارية في إعادة النظر بكثيرٍ من القضايا والمهام كما وحوكمتها .
– الأمر الوحيد والأهمّ الذي أفرزته الانتفاضة كوردياً هو وحدة شارعه بالرغم من خلافات الهرم ويد النظام الطويلة بأجهزته الأمنية وتغلغلها عميقاً .
– بروز الدور الحيوي والفعّال للجاليات الكُردية وتوأمة نضالاتها وجعل الشوارع والساحات الأوروبية رديفة عملية لشوارع وساحات مدننا ، والتي ما خلت فيما بعد من بعض – متنوّري – النظام وجهودهم لتطويع وتدجين بعض من أبناء الجاليات كما وتوجيه أنشطتها إلى ساحات ومهام أخرى .
واستناداً على كلّ ذلك – باعتقادي – برز :
– الحاجة المتبادلة عند السلطة ومن زرعتهم أو اخترقتهم / دجنتهم ، أو ممّن خفّفوا من مواقفهم – كمعتدلين – داخل الحركة التنظيمية السياسية الكُردية ، وبالتالي تمظهرهم – كواجهةٍ غير مباشرة للنظام نفسه – منذ البداية والعمل على إنهاء الانتفاضة الجماهيرية بكافة الوسائل ، وتمييعها بإفراغها من طابعها العفوي من جهةٍ ومن ثم ارتكازها على مظلوميات وفظائع متراكمة ، وإطلاق شتى التوصيفات على شاكلة : ممارسات رعاع أو أولاد شوارع ، مثيرو فتنة وشغب ، أعمال تخريب أو ما شابه ، وللأسف راجعت أجهزة النظام القمعية كلّ ممارساتها لتستخلص منها دروساً ، عكس الأحزاب الكُردية التي ركّزت فقط في الحفاظ على جمودها ، وأصبح هاجسها الرئيس هو العمل وبكلّ قوةٍ على ضبضبة الشارع وتطويعه مجدّداً لا ثورنته .
– جهد النظام وبصورة مركّزة أكثر على شرخ بنية الحركة السياسية الكُردية المنظّمة وتفتيتها إلى أكثر ممّا هي كانت مفتّتة وبذلت جهداً فظيعاً في استيلاد أحزابٍ جديدة .
وبناءاً على هذا الإيجاز المختصر أعلاه ؟ أفلا يحقّ لنا صياغة سؤالنا التالي : هل التاريخ يعيد بالفعل إنتاج ذاته ؟ .وانْ اختلف النمط المنتج والأسلوب ؟ والجواب بكلّ بساطةٍ للأسف ! نعم .. والسبب هو أنّ الاستهداف الممنهج سواءً لفئةٍ أو شريحةٍ ومن أية شعب سنلاحظ بأن كلها تنتمي إلى ذات المبدأ !! وبما أنّ الجريمة المنظّمة والتي تختلف في توصيفاتها من سياسيةٍ إلى جرميةٍ بكامل توصيفاتها !! و ! لينكشف بأنّ ما مارسته / تمارسه جهة ما على أرض الواقع من تخوين كلّ مختلَفٍ وكذلك ترويض كلّ مَنْ تستطيع ، وأيضاً تحويل بعضهم بالحيازة ، أي الانتقال بالتوصية من تابع رئيس إلى مكلّف بالتابعية ، وكلها مؤشرات أوحت بمسألتين ، أنه مهما تفنّن منفّذو ومبتكرو وسائل الإخفاء والتمويه !! إلا أنّ الإحباط البنيوي هو مصير محتم لهم ، وذلك كنتاج للتراكم المتزايد للتناقضات والطروحات ، كما واختلاف المواقف المتحرّكة ككثبان الرمال وبالتالي الشرعية التي تفتقد بالرغم من حجم التضحيات فتذريها شذر مذر في فضاءات لاتلبث الأيام أن تكشف هشاشة كلّ تلك المزاعم ، وحينها وبالأخصّ عندما تنزاح تلك الأقنعة المتكلّسة في الأصل عن وجوه بعض من الطواطم ! وتظهر علائم الحيرة بجلاءٍ أمام حجم الوهن الذي أوجده من جهة ، وهالة السقوط المحقّق له ، والتي قد تدفعه ليفكّر في العودة إلى إنسانيته كأبسط توصيفٍ ، وحينها ربما سيستطيع هو شخصياً في العودة إلى التأقلم مع واقعية الطرح ولا يخجل في إعلان ذلك ، لا بل والاعتذار الصريح لجملةٍ هامة من القضايا التي كانت طابو مقدّس ، وهنا – كما نلاحظ في الواقع – أنّ المريدين الذين يظلّون ينفخون في القرب المثقوبة ، ويظلّون يمنهجون بذات القداسة على ما اعتذر منه وعنه ذلك المطوب ذاته ، هذه الحالة ستجيز لنا ومن دون أية شكٍ أو حرج أن نصرخ فيهم ونهتف : ما أبشع الواهمبن وهم يقفزون من خطيئة إلى خطيئة وكتقية يحسبونها وذات التقية يدفعون بها إلى غيبة يبدو بأنّ اغترابها تعود ولتتجدّد بشكلٍ أهون ولكن ؟ لتعيد إنتاج تلك .. التقية ذاتها.. !! .