بحث لمركز احمد بونجق لدعم الحريات بخصوص التجنيد الممنهج للأطفال
التجنيد الممنهج للأطفال ، تدمير ممنهج لمستقبل المجتمع
( روج آفا ــ غرب كوردستان نموذجاً )
بحث تخرج من دورة حقوقية ــ إعداد : منيار بونجق ــ ساوند درباس .
مقدمــة :
تُطلق مفردة ( طفل ) على تلك الشريحة المجتمعية ذكوراً وإناثاً والتي لم تبلغ سن الرشد بعد ، وقد لجأت العديد من الدول إلى تحديد سن الرشد من خلال استصدار قوانينها المحلية ، بما ينسجم مع الحالة الاجتماعية الخاصة بها ، من حيث تقاليدها وقِيَمِها الثقافية ، ولكن الجمعية العامة بقرارها 44 /52 المؤرخ في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 1989 وتحت مسمى اتفاقية حقوق الطفل ، اعتمدت أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز سن الثامنة عشرة . بغض النظر عن العِرق أو اللون أو الجنس . وبذا أرست هذه الاتفاقية القواعد لكبح الجدل حول السن القانونية التي يبلغ فيها الطفل سن الرشد.
وقد دشّنتْ الأمم المتحدة، باعتمادها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، معايير مشتركة لحقوق الإنسان ، ورغم أن هذا الإعلان ليس قانوناً دولياً ملزماً ، إلا أن مصادقة جميع دول العالم عليه ، منحت أهمية كبيرة لمبدأ المساواة واحترام الكرامة الإنسانية لجميع البشر على اختلاف دياناتهم وأجناسهم ، بغض النظر إن كان الشخص غنياً أم فقيراً، قوياً أم ضعيفاً، ذكراً أم أنثى . وقد تضمن هذا الإعلان الإشارة إلى حقوق الطفل بشكل خاص في المواد ( 23 ــ 24 ) ، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ولاسيما في المادة (15 ).
واذ تضع في اعتبارها ” أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة ، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة ، قبل الولادة وبعدها ، وذلك كما جاء في إعلان حقوق الطفل ” . من هنا أصبح الطفل مسؤولية الأسرة ، ومسؤولية المجتمع ، ومسؤولية الدولة ، و ( السلطة ــ السلطات ) المنبثقة عنها . مما استوجب سَن قوانين خاصة بالطفل ، لحمايته ورعايته ، وتوفير المناخات الملائمة لنموه حتى بلوغ سن الرشد.
مدخـل :
والاطفال ليسوا بأفضل حظٍ من النساء ، فشعور الطفل بالخطر في الكوارث والحروب التي تهدد حياته ، والخوف والقلق المتزايد اللذين يؤثران في سلوكه ومزاجه ، تتكون لديه العديد من ردّات الفعل الحادّة على الصعيد النفسي والاجتماعي والفيسيولوجي ، مثيرة بذلك أزمات نفسية حادّة للطفل ، فيصبح ضحية للخوف الشديد والكوابيس والكأبة ، ويصبح ميّالاً الى العنف وتغيير في المزاج ، و فقدان للشهية ، والشعور بعدم الاستقرار ، واضطرابات النوم والقلق والحزن ، وعدم المبادرة وتشتت الذهن ، وضعف الذاكرة ، وخاصة المسائل المتعلقة بالدراسة والمدرسة . فالطفل أكثر تأثرا بالمناخات غير الطبيعية ، وخاصة تلك التي تنتج عن استخدام السلاح والنيران ، مما يخلق أجواء من العنف النفسي والجسدي ، ولأن نمو الطفل لم يكتمل بعد ، ولأنه لا يستطيع التعبير عن غضبه وخوفه بالألفاظ مثل الكبار ، فهو يعبر عنها بالحركة وعدم الاستقرار ، وكثير ا ما يتعرض الأطفال في حالات الكوارث والحروب للنزوح وما يترتب عليه من تغيير البيئة الاجتماعية ، والتسرب الدراسي ، والتعرض للعنف والتحرش الجنسي ، والمشاركة في الصراع المسلح والقتال ، وفي كثير من الحالات يتعرض للإصابة وبتر الاعضاء أحيانا ، واستخدامهم كدروع بشرية في أحايين أخرى.
سوريا ( غرب كوردستان ــ روج آفا )
فتحت الحرب في سوريا الباب على مصراعيه لكافة أشكال الانتهاكات والجرائم التي طالت الإنسان السوري ، والتي تعتبر بمعظمها وليدة ثقافة عنفيّه جديدة دخيلة على حياته وممارسته ، اختطاف وتجنيد الفتيات القاصرات وإشراكهن بالأعمال القتالية ضمن صفوف بعض الفصائل العسكرية والأحزاب الكوردية ، شكلٌ جديد من أشكال تلك الانتهاكات ، والتي تحولت إلى ظاهرة تقضّ مضاجع كثير من العائلات الكردية ، التي يتم اختطاف بناتها وضمها بالإكراه إلى صفوف تلك الجماعات ، ظاهرة كان لها أبعادها الإنسانية والاجتماعية الكارثية على أرض الواقع ، دفعت نشطاء حقوقيين لرفع الصوت عالياً ، والمطالبة بـوقف تجنيد القاصرات والقاصرين على حدّ سواء.
حيث دأبتْ ميليشيات ( حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د ) عبر كوادرها على استقطاب الأطفال دون الثامنة عشرة ، وأحياناً دون الخامسة عشرة ، بقصد تجنيدهم وزجّهم في جبهات القتال المختلفة ، مما ألحق ضرراً بالغاً بهذه الشريحة الاجتماعية ، وعائلاتهم ، نتيجة فقدان مجموعة كبيرة منهم لحياته ، ولايزال البعض الآخر يمارس مهاماً عسكرية في أماكن مختلفة من المناطق التي تسيطر عليها سلطات الحزب المذكور . ولم تقتصر عمليات الاختطاف على الأطفال من كلا الجنسين ، في المناطق الواقعة تحت سلطة ميليشيات الحزب ، ولكنها تجاوزتها إلى مخيمات اللجوء في الدول المجاورة ، وعلى وجه الخصوص ، مخيمات اللاجئين الكورد في تركيا ، وفي إقليم كوردستان العراق.
إن طبيعة عمليات الاختطاف تأخذ أشكالا مختلفة ، ولكنها على الدوام عمليات منظّمة ، يقودها كوادر الحزب ، ففي بعض الأحيان يتم اختطاف الأطفال من المدارس ، وأحياناً أخرى يتم اختطافهم على الحواجز ، وأحياناً من أمام منازلهم ، وأحيانا أخرى يتم ترغيبهم للالتحاق بصفوف المقاتلين ، من خلال دفع محفّزات مالية ، كمكافآت شهرية ، يتم تقديمها للطفل على أساس راتب شهري ، ناهيك عن الامتيازات المعنوية التي يحصل عليها الطفل ، عبر شحنه بمشاعر توحي بأنه يمتلك جزء من السلطة.
ومن خلال متابعة نشطاء مركز أحمد بونجق لهذا الملف ، ومنذ نهاية العام 2013 وحتى اليوم ، فقد قمنا بتوثيق العشرات من حالات اختطاف وتجنيد الأطفال ، بالأسماء والصور والعناوين ، والتي تشاركنا العديد من هذه الحالات مع بعض المنظمات الحقوقية الدولية ، والغالبية العظمى من هذه الحالات ، وقعت ضمن نطاق الجغرافيا التي تسيطر عليها الميليشيات المذكورة . والتطور الخطير الملفت للانتباه ، أن هذه العمليات انتقلت إلى مخيمات اللجوء الخاصة بالكورد السورين في تركيا ، مثل مخيم ( سروج ) ، ومخيمات إقليم كوردستان العراق ، مثل مخيم (كوره كوسك ) القريب من مدينة أربيل ، حيث تم مؤخراً استدراج أحد الفتيان إلى خارج المخيم عبر منظومة متخصصة بتجنيد هؤلاء الفتيان ، يعمل قسم منها داخل المخيم ، ومجموعة أخرى تقدّم الدعم اللوجستي من خارج المخيم ، وهي منتشرة في محطات سيارات الأجرة بين المدن ، وتقوم بتأمين نقل المستقطبين إلى منطقتين رئيسيتين في الإقليم ، وهما منطقتي قنديل و سوران ، حيث معسكرات التدريب ، وبعد ذلك يتم فرزهم إلى الوحدات المقاتلة.
استطاع نشطاء المركز ، ومن خلال جمع العشرات من الوثائق ، أن يكشف عدم إيفاء قيادات ميليشيا حزب ( ب ي د ) بالتزاماتهم حول وقف تجنيد الأطفال ، بل ذهبت هذه القيادات إلى أبعد من ذلك ، عندما أصدرت القيادة العامة التعميمات التي تؤكد منع تجنيد الأطفال ، ومنها التعميم الشهير بتاريخ 14/12/2013 ، ولكنهم لم يتم الالتزام بفحواه ، وأيضاً الالتزامات التي قدمتها هذه القيادات عبر الرسالة الموجهة إلى منظّمة نداء جنيف ، حول رفض ومنع وحتى الإشهار بالتجنيد تحت 18 عاماً بتاريخ 15/12/2013 ، في 5 يونيو/حزيران 2014، وقعت وحدات حماية الشعب “صك التزام” مع منظمة نداء جنيف غير الحكومية ، تعهدت فيه بتسريح جميع المقاتلين دون سن 18 سنة في غضون شهر. وبعد شهر، قامت الوحدات بتسريح 149 طفلا . ورغم الوعد الذي قدمته ، وثقت هيومن رايتس ووتش على امتداد السنة الماضية التحاق أطفال دون سن 18 سنة بالقتال في صفوف وحدات حماية الشعب ، ووحدات حماية المرأة التابعة لها . ناهيك عن التعهدات الشفهيّة التي قدمتها للعديد من منظمات وهيئات حقوق الإنسان ، الدولية منها ، والمحلية ، ولكن تجنيد الأطفال استمر بوتيرة أعلى وأسرع ، واستمر حتى تاريخ كتابة هذا التقرير الحقوقي ، ويقدر مركزنا عدد الأطفال المجندين بأكثر من ألفي طفل دون الثامنة عشرة ، ومنهم دون الخامسة عشرة.
جدير بالذكر ، أن عمليات التجنيد في العديد من الحالات مقرونة بالخطف ، بينما تتم عمليات التجنيد في حالات أخرى عن طريق التواصل مع عائلات الأطفال المستهدفين لعملية التجنيد ، عن طريق إقناع عائلاتهم ، بضرورة التحاق أبنائهم وبناتهم بصفوف قوات الحزب ، حيث تكون هذه العائلات أساساً على صلة وقريبة من الحزب المذكور وميليشياته ، وغالباً ما يكون هناك أفراد من هذه العائلات منخرطين في صفوف المقاتلين أو يحتلون مواقع قيادية . وفي الحالة الثانية ، تكون العائلة أو بعض أفرادها شركاء في جريمة تجنيد الطفل أو الطفلة ، خصوصاً أولئك الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة . وسوف نرفق التقرير بالعديد من الوثائق والصور ، وتم الحصول على بعضها من أرشيف الوثائق الخاص بالمقاتلين ، والتي تؤكد كلتا الحالتين المشار إليهما . ونورد هنا بعض نماذج حالات الاختطاف.
نموذج 1 :
ــ نماذج من حالات اختطاف وتجنيد أطفال دون معرفة عائلاتهم :
1ــ الطفلة القاصر همرين عبد الحميد حسين الملقبة بـ همرين عيدي ، مكان وتاريخ الولادة عامودا 5/1/1999 بحسب صفحة البطاقة العائلية الصادرة عن أمانة السجل المدني في مدينة عامودا ، وتم اختطافها من أمام منزل ذويها يوم الثلاثاء 23 / 12 / 2014 . وقد دعت عائلتها كافة الفعاليات السياسية والمجتمعية للتظاهر ضد اختطاف الطفلة همرين عيدي ، وإعادتها لذويها ، وقد تم تنظيم العديد من التظاهرات تعاطفاً مع مطلب عائلة همرين ، في مدينة عامودا ، وفي مدن أخرى يقطنها الكورد السوريين ، منها مدن ألمانية ومدن كوردية في إقليم كوردستان العراق . وتحت الضغط الشعبي المتزايد ، نشرت قيادة ميليشيا الحزب مقطع فيديو تظهر فيه الطفلة همرين وهي ترتدي الزي العسكري الخاص بالميليشيا المذكورة ، وأعلنت بأنها قد أتمت الثامنة عشرة ، وأنها التحقت بهذه الميليشيا دون ضغط أو إكراه من أحد.
2ــ الطفلة القاصر حزبية وليد شيخموس ، مكان وتاريخ الولادة قامشلي 5 / 1 / 2000 بحسب صفحة البطاقة العائلية الصادرة عن أمانة السجل المدني في مدينة قامشلي ، وتم اختطافها يوم الأحد 28 / 1 / 2015 من أمام مدرسة عبد الرحمن مقصود الواقعة في حي الهلالية ، حيث غادرت الطفلة حزبية بعد انتهاء الدوام الرسمي ، وأثناء عودتها إلى المنزل . وأكد والدها وليد شيخموس نقلا عن مدرسيها بأنه تم اختطافها من قبل مجموعة تابعة لحزب ( ب ي د ) . ولكن جميع المراكز الأمنية التابعة للحزب أنكرت تواجدها في أي مركز من مراكزهم . وأكدّ والد الطفلة المختطفة بأن جارتهم القريبة من حزب ب ي د أخبرت والدة حزبية بأنها تلقت اتصالا هاتفياً من ( وحدات حماية المرأة ) بعد يومين من اختطافها ، يفيد بوجود الطفلة حزبية في عهدتهم ، وأنها ستُنقل إلى جبال قنديل خلال فترة قصيرة.
نموذج 2 :
ــ نماذج من حالات اختطاف وتجنيد أطفال بتسهيل من عائلاتهم
1ــ الطفل القاصر أوجلان جمال عمر ، الإسم الحركي : بوطان ، تاريخ الولادة 1999 ، والدته : ستيرا ، تاريخ الالتحاق : 2012 ، القبيلة : غجري ، التعليم 6 سنوات ، المهنة : عاطل عن العمل . أحد أعمامه فقد حياته في صفوف قوات حماية الشعب ( كريلا ) التابعة لحزب ( ب ك ك ).
2ــ الطفل القاصر جفان بهاء الدين محمود ، الإسم الحركي : زاغروس ، تاريخ الولادة 2001 ، والدته : سمر ، تاريخ الالتحاق : 2012 ، القبيلة : أومري ، التعليم : 8 سنوات ، المهنة : عاطل عن العمل.
ــ اختطاف أطفال قاصرين من المخيمات :
نموذج3 :
يوم الجمعة الذي صادف تاريخ 7 / 8 / 2015 اختفى كل من الشاب آلان علي صالح ، والدته أنديرا سليمان ، مكان وتاريخ ولادته : دمشق ــ المزّه ــ 2 / 7 / 1998 ( 17 سنة ) . وهو كوردي سوري لاجئ مقيم في مخيم ( كوره كوسك ) للاجئين في إقليم كوردستان العراق . واختفى الشاب خبات محمد أحمد ، والدته عائشة ، مكان وتاريخ ولادته : قامشلي ـ جرنك ــ 15 / 8 / 1998 ( 17 سنه ) وهو كوردي سوري لاجئ مقيم في مخيم ( كوره كوسك ) للاجئين في إقليم كوردستان العراق.
إن ما يهمنا في هذا المقام ، محورين اثنين يمكن التعرض لهما في النقاش ، فالمحور الأول يكمن في النتائج الكارثية لتجنيد الأطفال على هذه الشريحة ذاتها ، هذا إذا لم يفقد الطفل حياته أثناء العمليات القتالية . وأما المحور الثاني فيكمن في الانعكاسات السلبية على أسرة الطفل ، وبالتالي وكنتيجة حتمية انعكاسات مدمّرة على المجتمع ، وعلى كافة المستويات . فلا غرابة إذاً في أن تركز كافة الهيئات الدولية اهتمامها على هذه الظاهرة الخطيرة ، التي تتعرض لها بعض المجتمعات بين الحين والآخر.
المحور الأول :
ليس هناك من يعترض على مقولة ان الأطفال هم ثروة المجتمع، وان الاستثمار فيهم تعليماً ، وصحة ، وخدمات ، إنما يثمر على الصعيد المستقبلي عن مواطنين قادرين على إدارة المجتمع ، وتوفير الطاقة البشرية اللازمة له. والطفل من الفئات الهشة، كالشيوخ والمعوقين والنساء الذين يصبحون هدفاً للعداء والانتقام والاغتصاب في ظروف الأزمات والحروب . وفي ظل الحاجة لإمداد المعارك بالطاقات البشرية الضرورية ، تلجأ العديد من المجموعات المسلحة إلى استقطاب الأطفال دون سن الثامنة عشرة ، وأحياناً دون الخامسة عشرة ، بغية تجنيدهم وزجهم في المعارك ، وإحدى السِمات الهامة في هذه العملية تكمن في اقتلاع الطفل من بيئته الطبيعية ، التي تتمثل في حضن العائلة أولاً ، ومن تم مقاعد الدراسة ، وهذا يؤسس لتغريب الطفل عن الحياة المدنية التي ينبغي أن يترعرع فيها ، ويتم تحويله تدريجياً إلى آلة للقتل ، في تلك السن المبكرة ، ويتم تعريضه للقتل أيضاً ، عن طريق جعله هدفاً سهلاً في العمليات العسكرية.
لقد وثّقت وسائل إعلام عديدة ، وأيضا نشطاء مدنيون ، ومنظمات دولية معنية بهذا الشأن ، عشرات الآلاف من حالات تجنيد الأطفال عبر تغطية مناطق النزاع في بقاع عديدة من العالم ، وأهمها الحروب الأهلية في أفريقيا ، الحروب المذهبية في جنوب وسط آسيا ، حروب البلقان ، ومؤخرا حروب الشرق الأوسط التي اندلعت فيها الثورات ، وكان الأسوأ في كل هذا المشهد تنظيم داعش الإرهابي ، الذي لم يألو جهداً في صناعة الانتحاريين من شريحة الأطفال . بسبب سهولة القيادة والسيطرة على الطفل ، المادة الهشة واللينة القابلة للتشكيل بسرعة . ولا يخفى على أحد أن جميع المنظمات المسلحة في الشرق الأوسط ، الليبرالية منها ، والمؤدلجة ، المعتدلة منها ، والمتطرفة ، بما فيها جيوش الأنظمة التي أسست ميليشيات مساندة لها ، قد مارست تجنيد الأطفال على نطاق واسع ، وبشكل مفزع للغاية ، لدرجة أن بعض الأقاليم هجرها سكانها ، خوفاً من تجنيد أبنائهم وبناتهم ، على أيدي الميليشيات المسلحة . وكمثال صارخ لهذه الظاهرة ، نشير إلى المناطق الكوردية في سوريا ، والتي تولت السيطرة عليها ميليشيات تابعة للسلطة ، بالتشارك مع ميليشيات كوردية ، التي تم إفراغها من سكانها الكورد على قاعدة موجات من الهجرات الجماعية إلى الدول المجاورة أو إلى القارة الأوربية ، تخوفاً من قانون التجنيد الإجباري ، وأيضا عمليات اختطاف الأطفال بغية تجنيدهم.
المـحور الثاني :
إن استئصال الطفل من بين أفراد أسرته ، المناخ الطبيعي الذي يجب أن يتدرج فيه الطفل لاكتساب معارفه الاجتماعية ، يأتي بمثابة نسف لكافة التراكمات الثقافية المتوارثة من جيل إلى جيل ، وهذا ما يصيب الأسرة بالصدمة ، مما يستجلب القلق والخوف والتوتر إلى حياتها ، وبالتالي فإنها تنتقل من حالة الحياة الهادئة المنظمة ، إلى حالة الحياة التي تسيطر عليها مقومات التناثر ، كمقدمة أولية للتفكك والضياع ، وذلك كتحصيل حاصل لغزو ثقافة العسكرة ، على حساب الثقافة المدنية التي كانت تنتهجها الأسرة . إذ أن جميع المجتمعات المدنية تتدافع للحصول عل أفضل الفرص لأبنائها في التعليم ، مما يؤهلها لمواجهة الحياة بطرق أكثر تقنية ، وأكثر منهجية ، وبالتالي فهذا ينعكس إيجاباً على المسيرة التاريخية لهذه المجتمعات ، وتسير بخطى ثابتة نحو صناعة حياة أرقى وأكثر تقدماً ورفاهية.
أما في الحالات التي تدفع أبناءها إلى العسكرة ، فهي إما تحت ذرائع الدفاع عن المقدّس ، سواء أكان هذا المقدس دينياً أو قومياً أو عقائدياً ، وإما تحت ضغط الفقر ، وبدافع الحاجة . ولكن مهما يكن من أمر ، فإن ظاهرة تجنيد الأطفال تزدهر في أجواء الفوضى التي تجتاح أي مجتمع ، والقائمون على تكريس هذه الظاهرة غالباً ما يكونون غير أسوياء نفسياً وعقلياً ، وهم يستثمرون في المكان الخطأ ، وغالباً ما يتم تقديمهم للمحاكم الوطنية أو الدولية ، لينالوا جزاءهم العادل ، والأمثلة كثيرة.
كمحصلة .. وتأسيساً على مفاهيم وثقافة حقوق الإنسان ، فإن ظاهرة تجنيد الأطفال بكافة أشكالها ، ظاهرة منبوذة ، لكونها ظاهرة غير طبيعية ، ولا تخدم نمو المجتمعات البشرية ، بل على العكس من ذلك ، فإنها تحاول وأدَ بذور الخير والتعايش والسلام والمحبة ، وهذا يستوجب تفعيل اتفاقية حقوق الطفل ، وكافة الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، كما ينبغي التركيز على تنشيط دور منظمات المجتمع المدني التي تستطيع أن تلعب دوراً فاعلا في كشف جميع الملابسات المصاحبة لعمليات تجنيد الأطفال ، ناهيك عن دور المؤسسات الدينية التي تنبذ ثقافة العنف ، وتتبنى ثقافة التسامح ، بالإضافة إلى المتابعة المتواصلة من قبل منظمات وهيئات حقوق الإنسان ، وتعرية كل من له مساهمة في هذه الجريمة الموصوفة ، بغية خلق حالة من الخوف لديهم ، وإشعارهم بأن ارتكاب الجرائم لن يمر دون عقاب.
مرفقات :
مجموعة من الوثائق وتتضمن :
1 ــ صور شخصية لنماذج من المختطفين والمختطفات .
2 ــ صور شهادات الميلاد ( من واقع البطاقات العائلية ) .
3 ــ وثائق من أرشيف المقاتلين الأطفال ( يتعذر نشرها ).