آراء

بعد مائة عام أين الكورد والعرب

شفان إبراهيم
يشهد تاريخ 16/5/2016 نهاية قرن على أبشع وأسوء الاتفاقيات التي حصدت أرواح وطموحات شعوب الشرق الأوسط.
صحيح أن المشروع المطروح بعد تنفيذ الاتفاقية آن ذاك, كان بناء الدولة الوطنية لدرجة اقتران المواطنة بالوطنية, والأخيرة بالتحرر من الوجود الغربي في المنطقة, لكن الذي حصل هو تغيير في ألوان الأعلام والزّي العسكري, والنشيد الوطني, والمناهج المدرسية, إلا أن ديمومة الاستعمار بقيت على حالها. فالدول التي خرجت من الشرق الأوسط أبقت على حكومات تؤمن للغرب مصالحهم وامتيازاتهم, وإن تغيرت ثوابت ورمزية الدولة الوطنية عن رموز ودلالات الدول المستعمرة للشرق, إلا أن الضغط والقهر والقسر والإلغاء والتذويب والتعريب بقيت هي هيَ, ولم تتغير سوى اللغة الناطقة بالحكم.
بعد مائة عام على أتفاقية سايكس بيكو وتجزئة الشرق الأوسط وفق مصالح الدول الكبرى آن ذاك, لا تزال شعوب المنطقة تعيش حالة العداء والتباغض والكراهية, ولا تزال الأنظمة والحكومات تلعب على وتر الخلافات الطائفية بين شعوبها. ولا يزال الخطاب و الصراع المذهبي السني الشيعي يطحن المسلمين.
أجهدت الحكومات العربية مواطنيها عبر زجهم في معارك دوغمائية فاشلة, فعاشت الشعوب العربية حالة من الحطام والركام الفكري, وروجت تلك الأنظمة للانتصارات الوهمية.
العنوان الأبرز لدول ما بعد الاستعمار هو تفاقم الخطاب المذهبي, وفرضه كنمطية للعيش ضمن الحدود الجغرافية المصطنعة, ومنذ حقبة الحرب الباردة وإلى اليوم, ثمة مراحل عديدة مرت بها دول الشرق الأوسط كنتائج رواسب سايكس بيكو والتوجه نحو الانتهاء, منها:
1انهيار سور برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي, أذنت تلك الأحداث ببداية حقبة نظام عالمي جديد, وحلول الليبرالية الديمقراطية عوضاً عن جميع المشاريع والأفكار والأنظمة الأخرى. وبدأت معها هبوب رياح التغيير على شعوب الشرق وتحديداً سوريا والعراق, لما كانت تعانيه من بؤس سياسي, ونسف لأي مقومات الحياة.
2احداث2003 ودخول الأمريكان إلى العراق كان بداية نهاية الدولة المركزية في المنطقة وخاصة العراق, ما عنى ذلك خفوت للتيارات السياسية الأخرى من ليبرالية, يسارية, قومية عربية, على الرغم من فشل النظام السياسي الذي أقرته القوة السياسية العراقية بتوجيه أمريكي, والقفز فوق بديهية استحالة العيش المشترك لشعوب غير متجانسة قومياً.
4فرزَ الربيع العربي دول الشرق إلى دول محور الاعتدال, ودول محور المقاومة, والحقيقة أنها كانت فرز على أساس طائفي مذهبي فاضح.
5 تغيير موازين القوة وتبدل مواقع الأحزاب العراقية المعارضة للنظام السوري ( الأحزاب الشيعية) والمؤيدة للنظام السوري بل التي كانت مُحتضنة من قبل النظام السوري حتى قبل اندلاع الثورة السورية ( الأحزاب السنية)
6صعود القوة الإيرانية كقوة عظمة للشيعة في الشرق الأوسط عبر ازرعه الرئيسية حزب الله, سوريا, العراق الشيعي, فأصبح عبارة عن جسر سياسي شيعي, خاصة مع التمدد في اليمن, والبحرين بدرجات اقل.
7الخلاف السني – السني بين تركيا ومصر والسعودية, خلافاً كان يخبوا تارة ويصعد تارة أخرى على إدارة وقيادة السنة في المنطقة, خاصة مع نتائج الربيع العربي وإفراز الأخوان المسلمين في أكثر من دولة على سدة الحكم
8نتائج الربيع العربي كانت الكاشف عن التناقضات المجتمعية في المذهبية المتمظهرة في الحياة السياسية أولا, والتواصل بين الفئات المختلفة دينياً, قومياً ثانياً
9 فقدان النظام السوري لأبرز وأقوى اللاعبين الدوليين السياسيين الفاعلين في الساحة الإقليمية والغربية, تركيا تحديداً
10 ظهور أخطر وأشرس تنظيم إسلامي في المنطقة.
10 بروز الكورد كقوة فاعلة أثرت في التحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية, ليس اقلها توسيع رقعة الانقسام المذهبي بين سني شيعي, وانقسام عرقي قومي كوردي –عربي, فبرز الكورد كقوة ثالثة في المنطقة إلى جانب السنة والشيعة
11 مشروع الشرق الأوسط الكبير, أحتاج إلى نماذج مختلفة لقيادات سياسية مختلفة تمتلك مفاتيح الحل والقرار وضبط إيقاع التوازن بين التصعيد والخفوت, وبين الشد والإرخاء, وبين حنكة صناعة التحالفات والارتكاز على نقاط ثابتة, لم يكن الزعيم الكوردستاني مسعود البارزاني مقصياً أو مستثنياً من دائرة اللاعبين الرئيسيين في تنفيذ المشروع, عبر لعب دور القائد الضابط لإيقاع السياسية الكوردية – الكوردية, والكوردية التركية/العربية/الإيرانية.
إذا كان العرب يعيشون حالة الخصام والضياع, فإن الكورد أنفسهم عاشوا الحالة ذاتها في جنوب كوردستان, حتى بداية 2003 وبداية التخلص من تلك الحالة وإن كانت بدرجات أقل بكثير من شبيهتها العربية نتيجة منطقة الحكم الذاتي وغيرها. لكن الكورد في سوريا لا يزالون حتى اليوم يعيشون أسوء مراحل تاريخهم, فيكفي التدليل على أن الأطراف الكوردية اليوم تعيش حالة الصراع والتناحر على مناطق لا يملكون فيها حتى هذه اللحظة, إي ضمانات للحكم الذاتي أو ما شابه.
الاتفاقية ستنتهي بعد قرن من العذاب, لكن ما لم ينتهي ولن ينتهي هو حتمية خلق توازن جديد في المنطقة, وهو ما لن يتم إلا عبر خلق مشروع أو اتفاقية جديدة تحل عوضاً عن القديمة.
الحدود السياسية الجغرافية المصطنعة انتهت, وما أسسته بريطانيا وفرنسا أثبت بؤسه وسلبيته وتهيئته لاستمرار الموت. لكن ما لم يمت بل زادَّ غطرسة وتشظياً هو الصراع السني الشيعي, ووصلت لدرجة شموله منقطة الشرق الأوسط كله, سواء عبر تحديد مسارح معاركها في مناطق, أو إرسال جيوش إلى تلك المسارح من مناطق أخرى, أو عبر تمويل سياسي اقتصادي دبلوماسي من جهة ثالثة. كل ذلك كان بمثابة المدماك للكشف عن انتهاء المركزية في سوريا والعراق إلى غير رجعة.
البحث عن حلول لشلالات الدماء في العراق وسوريا, يتم عبر وضع الحالة الجغرافية الراهنة والمتوافقة مع الحالة الجغرافية الموجودة قبل الاتفاقيات الدولية ومنها سايكس بيكو. وإن وجد الفرسان عليهم البحث عن حلول فدرالية للعراق وسوريا وتشكيل كيانات متحالفة فيما بينها. وأي هيكل أخر للحكم في سوريا والعراق ما هي سوى وضع أساسات كبيرة على رمال متحركة, أو الركض حفاة في طريق معبد بالمسامير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى