آراء

بناءً على مقتضيات المصلحة العامة

المحامي أكرم شمو

كثيراً ما تورد هذه العبارة الرنّانة في صياغة مجمل القرارات والمراسيم والأوامر الإدارية .

إلا أنّ أغلب الناس يمرّون عليها مرور الكرام دون التفكير فيها أوالتوقّف عندها أو فهم ما تقصده هذه الجملة، والتي من كثرة سماعها وقراءتها هذه الأيام باتت وكأنها من أتيكيت القرار الإداري نفسه ،

إلا أنه في الحقيقة غير ذلك، لأنّ المصلحة العامة وإن كان المفهوم مرتبطاً بظهور الدولة والإدارة ،وتعبيراً عن تدخل السلطات عند الحاجة لحماية المصلحة العامة ومصلحة الغالبية في مواجهة تحدٍّ أو تعدٍّ عليها أو لنقل حماية مصلحة الغالبية في مواجهة المصلحة الفردية، ومن قراءة الجملة – جملة مقضيات المصلحة العامة- يتبادر إلى ذهن القارىء للوهلة الأولى بأنّ القرار لاشكّ يعالج مشكلة أو أزمة يواجهها المجتمع، ولذلك تدخّلت السلطات أو الدولة أو الإدارة للتخفيف عن معاناة الناس أو مواجهة أزمةٍ ما و محاولة حلّها.

صحيحٌ أنّ المصلحة العامة مفهوم فضفاض، ولايمكن تحديده أو تعريفه تعريفاً جامعاً،  إلا أنّ فكرة المصلحة العامة مرتبطة بفكرة المشروعية والقوة والتوافق بينهما ، ونشأت وتطوّرت معهما .

وعلى الرغم من أنه لم يتمّ تعريف المصلحة العامةتعريفاً جامعاً ومحدّداً من قِبل الفلاسفة و رجال القانون، إلا أنه يمكن تلخيصه ببعض الكلمات :

(( لابدّ من وجود أزمة أو خطرٍ داهمٍ يهدّد صحة الناس وأرواحهم أو يهدّد مصالح الجميع أو الأغلبية الساحقة من الناس ،ويستوجب تدخّل السلطات المعنية فيها لحلّها أو وقفها أو الحدّ منها، مما يستدعي إصدار قراراتٍ  يستند في بنائها على مقتضيات المصلحة العامة ،

إذاً مناط القرار وجوداً وعدماً مرتبط بالمنفعة أوالمصلحة العامة .

و بظهور الدولة والسلطة والإدارة كجهةٍ متدخّلة في الشأن العام ،وما ترافق معها من فرض الأوامر والقرارات واجبة التنفيذ على العامة، وتبعها ظهور القضاء الإداري كمؤسسةٍ مستقلةٍ لمراقبة ذلك، وليكون له الكلمة الفصل فيما لو كان القرار الصادر فعلاً يراعي المصلحة العامة أم لا .

والذي يعود له تقدير المصلحة من عدمها في مضمون القرار ، ويمكن له توقيف القرار أو إلغائه إنٔ كان لا يقتضي ولا يراعي المصلحة العامة أو يحميها، ولكن إنٔ لم يكن لدينا قضاء إداري يستطيع دراسة القرار وبيان فيما إذا كان هناك فعلاً فيه مصلحة عامة أم لا

إذاً كيف يمكن لنا تقدير ذلك ؟

أغلب المجتمعات والتي تُدار من سلطات الأمر الواقع أو لاتملك برلمان أو مجالس تشريعية، وتفتقد إلى محاكم وقضاء إداري مستقل ،تلجأ إلى استبيانات ودراسات ولقاءات جماهيرية لتستطيع الوصول إلى تحديد جوهر القضية وتحديد مقتضيات المصلحة العامة واستخلاصها ومن ثم حمايتها إنٔ كان لديها مقتضى في إصدار قرار يمسّ مصالح عامة الناس أو الغالبية منهم .

ولكن أن تصدر الدولة أو السلطات التنفيذية أو الإدارات الحاكمة قراراتها دون الاستناد إلى قانون أو تشريع أو استبيان راي جماهيري، ويصفها ب :بناءً على مقتضيات المصلحة العامة أعتقد أنّ هذا ينافي مبدأ هام من مبادئ المشروعية ( مشروعية القرار)  وبالتالي هو قرار عديم وغير مشروع هذا من الناحية القانونية ،أما من ناحية المصلحة والمنفعة الجماعية يجب أن يراعي القرار مصالح الغالبية بشكلٍ واضح في مواجهة المصلحة الفردية وإلا فالقرار لايمكن إسناده إلى مقتضيات المصلحة العامة لافتقاده لعنصرٍ هام من عناصره ،وهو عنصر المنفعة العامة أو المصلحة العامة لأنها مناط القرار وموجبه .

أخيراً سنورد هنا مثالين بسيطين  ومتناقضين على المشروعية والمصلحة العامة ومقتضياتها حتى نستطيع الحكم على أي قرارٍ يصدر من توافقه مع مقتضيات المصلحة العامة أو عدمه

١ – مثال: اذا انتشر في منطقة معينة وباء كوباء الكورونا( كوفيد ١٩ ) واستفحل وانتشر بشدة وتدخّلت السلطات وفرضت قيوداً على حركة الناس وفرضت حظر التجوال أو حجر صحي وعلّلت ذلك بمقتضيات المصلحة العامة مثلاً هنا فيها وجهة نظر والمصلحة العامة اقتضت القرار والإجراء ,وفيه حفاظ على سلامة وصحة العامة حتى وانٔ تعارض ذلك مع المصلحة الفردية، هنا لابدّ من التفضيل بين المصلحتين الفردية والعامة، ولاشكّ أنّ مجمل القوانين والشرائع السماوية والأعراف تفضّل المصلحة العامة على المصلحة الفردية .

٢ – أما إذا ساد الغلاء والفقر وانتشر الوباء بين الناس وتوقّفت الأعمال وأصبح تأمين الحاجات الضرورية والمواد الغذائية صعبة المنال ثم أصدرت السلطات قراراً برفع أسعار المواد الضرورية والأساسية كالخبز مثلاًً وأسندت قرارها إلى مقتضيات المصلحة العامة دون توضيح ذلك للناس ، أو إمكانية إقناعهم بذلك وتبعها سخط جماهيري كبير .

هل هذا القرار يقتضي مصلحة عامة ؟

حقيقةً أنا لا أعلم ماهي المصلحة العامة في زيادة سعر الخبز في هذا الظرف العصيب الذي يمرّ به الناس ؟

لايمكن إيجاد أية مقتضيات مصلحة عامة فيه يُبنى عليه القرار وبالعكس أجده يخالف مقتضيات المصلحة العامة، وفيه ضرر عام ،و إنٔ كان هناك قضاء إداري مستقل؛ لأصدر القرار بإلغائه دون شكٍّ لعدم توفر الركن الأساسي وهو عنصر المصلحة العامة ومقتضياتها فيه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى