آراء

بين الوطنية و الخيانة بشار خائن ام مجرم ؟

د . محمد محمود
لا تسألني عن الخيانة فأنا لا أعتقد أن هناك كلمات قادرة على وصفها (( شكسبير )) .
بهذه الكلمات يمكن وصف بشار الاسد عندما سلم سورية الى ايران و روسيا و قتل الابرياء من خلال استخدام جميع انواع الاسلحة الفتاكة و المحرمة دوليا ، و فتح ابواب سورية على مصرعيها لجذب ارهابيي العالم من كل حدب و صوب لقتل و ذبح السوريين .
جاء في كتاب ( تهذيب الاخلاق ) للجاحظ معنى الخيانة بشكل عام بأنها الاستبداد بما يؤتمن الانسان عليه من الاموال و الاعراض و الحرم . و تملك ما يستودع و فيها ايضا طي الاخبار اذا ندب لتأديتها ، و تحريف الرسائل اذا تحمل و صرفها عن وجوهها و هذا التعريف يشمل جميع أنواع الخيانات .
منذ أستلاء حافظ الاسد على الحكم بقوة النار و السلاح فرض الاستبداد من خلال شعارات غوغائية و براقة لالهاء الشعب السوري بالقضايا الخارجية حتى تمتلك زمرته كل زمام الامور و حول سورية من مفهوم الدولة الى دولة المخابرات ، تاجر بالقضية الفلسطينة عقود على الرغم أن قواته قتل من الفلسطينين أكتر من يقتلون على يد المحتل الاسرائيلي ، و أنطلق من الفكر القومي العربي البعثي حتى يشرع ( الخيانة ) .. و مسخ عقول ليتامر على سورية ، لصالح وطن وهمي ، لأن الفكر القومي العربي الاستبدادي كان العقبة الاساسية و الكبرى في العقود الماضية أمام بناء الدول الوطنية بالمنطقية و قضى على مفهوم الدولة المؤسساتية و التي تشكلت نواة الدولة بعد الاستقلال من الانتداب الفرنسي لصالح وطن وهمي و التي تمثل من المحيط للخليج ، و خاصة أن الشعوب التي يريد ( الفكر القومي العربي *) اخضاعها لامبراطوريته (الوطن العربي ) … تضم قوميات و شعوب و اديان و مذاهب بشرية مختلفة و متعددة و ليس من طيف واحد من كورد و امازيغ و تركمان و زنوج و مستعربة …. و شيعة و سنة و ايزيديين و مسيحيي … الخ ، اضافة الى خصوصيات تلك الاوطان و الدول التي تميزها بعضها عن بعض الآخر مما يؤدي بأن ( الفكر القومي العربي ) هو شبيه ( بالفكر النازي الالماني ) و الفكر ( الشوفيني الايطالي ) .
فرض شعار على الشعب السوري : أمة عربية واحدة ، و القائد الاب و الابدي ، على الرغم أن ما يسمى ( الوطن العربي ) … هو تعريف مبهم لوطن وهمي غير موجود على أرض الواقع عبر التاريخ ، و هو من الايديولوجيات الحديثة المنشأ التي تبنتها جهات اوروبية .. ارادتها بديل عن ( الدولة العثمانية ) .
عمل الأسد على نشر الفساد و الاستبداد من خلال الاعتماد على فئة قليلة من زمرته للتحكم بكل مفاصل الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، فالمستبد دائما ينحاز الى فئة معينة من المجتمع ليعمم مصالح على الجميع و ينزع الى تعطيل خاصية التعدد في المجتمع ، فلا يسمح بمشاركة المخالفين له في انفاذ قرارات بعينها ، الا ما يتفق منها مع قراراته هو و مصالح الفئة المختارة ، و يستأثر دون الناس بصنع القرار و فرضها على المخالفين بمختلف وسائل القهر و القمع المعنوي و المادي . و في كلا الحالتين من الاستبداد فأن من الضروري أن يغطي وجه المستبد بنسيج من صنع العصر فكرا او علما أو ممارسة ، و أن فرض شعارات غوغائية و المناداة بالاشتراكية و الديمقراطية آخر تلك الأغطية و أقبحها .
يقول الكواكبي : كم يلهون المستبد بسوقه الى الاشتغال بالفسوق و الشهوات ، و لم يغرونه برضاء الامة عنه ، و يجسرونه على مزيد من التشديد ، و كم يحملونه على اساءة التدبير ، و يكتمون الرشد ، و كم يشوشون فكره بارباكه مع جيرانه و اقرانه لأجل غاية واحدة ، و هي أبعاده عن الانتباه الى سد الطريق التي فيها يسلكون ، أما أعوانه فلا وسيلة لاغفالهم عن ايقاظه غير تحريك اطماعهم المالية مع تركهم ينهبون ما شاءوا .
لذلك فأن شبكات الفساد و الاستبداد أنما تمثل بيئة الاستبداد و سياقاته التي تمكن له شبكة تحالفاته الاجتماعية و السياسية حسب المصالح الانانية و الاتية .
بعد استلاء هذا الشبل بشار من ذاك المستبد على الحكم بالطرق الملتوية فتح ابواب سورية أمام الملالي من خلال الحسينيات و الحوزات العلمية لتشييع المجتمع السوري ، و لكن بعد الثورة الشعبية السلمية فتح ابواب سورية امام الميشيليات و الكتائب الشيعية و سمح لايران و روسيا بالاحتلال الكامل لسوريا و هذا ما صرح به في خطابه عندما قال : سورية ليست لمين يملك جنسيتها و أنما من يدافع عن انقاذ نظام الطاغي ، فأصبح علينا أن نضع تعريف للخيانة و نراجع الكثير من المصطلحات التي فرضت علينا عقلية الاستبداد و نعمل ثورة على الذات ، حتى لا نتجادل في بيئة خطابية غير قابلة للتداول و كل منا يغني على ليلاه ، و خاصة بعد الفوضى العارمة التي حلت بسورية و انقلبت فيه المفاهيم و سقطت القيم الاخلاقية و انهارت فيه المنظومة الاخلاقية ، و اصبحنا نحتاج فيه أن نعرف و نشرح المسلم به ، و ذلك بسبب غسيل الادمغة من قبل الانظمة الديكتاتورية و الاستبدادية و جميع القوات و الميليشيات المتطرفة و الارهابية من خلال جذب فئات من المراهقين و الشباب و النساء الى صفوفهم من خلال شعارات غوغائية من جهة أو من خلال الترغيب و الترهيب من جهة أخرى .
و في ظل النفاق السياسي و الاجتماعي الذي اصبح يطفو على السطح في حياتنا اليومية ، و كثيرون هم من يدعون الى التوقف عن خطاب (( التخوين )) بنية صادقة وقومية ووطنية ، و آخرون يدعون الى ذلك تشجيعا منهم للخيانة ، و ما يرافقها من اختلالات فكرية و قومية ووطنية ، لكن بكل بساطة وجب القول أن يتوقف من خان قومه و شعبه ووطنه عن فعل الخيانة حتى يتوقف خطاب التخوين .
تتعدد صور الخيانة في سورية بتعدد المفعول به ، أي بتعدد من وقع عليه فعل الخيانة و أقبح صور الخيانة هي خيانة الشعب و الوطن ، لأن من وقع عليه الفعل هو الشعب و الدولة باكملها ، فعندما تكون الخيانة بحكم الشعب تكون الدناءة و الانحطاط و الؤم و الخسة التي تنطوي عليها نفس الخائن ، و من هنا تعتبر هذا الفعل الخيانة العظمى ، و الخائن هنا ورم سرطاني لا علاج له سوى الاستئصال . …..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى