آراء

تحديات جو بايدن

دوران تيشي

أظهرت الآونة الأخيرة عن ثغراتٍ في الديمقراطية كما أكّدها أيضاً الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلنتون” في خطابه المشهور أمام البرلمان التركي، إذ نصح الأتراك بعدم تكرار الخطأ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في بدايات تكوينها من إبادةٍ للهنود الحمر والتمييز العنصري ضد الزنوج وقال: إنّ ديمقراطيتنا بسبب ذلك مثقوبة ونحاول بشتى الوسائل أن نتجاوز هذه المحنة ولكن دون فائدة، لذا يجب على الأتراك الاعتراف بحقّ الشعب الكُردي والالتجاء إلى سياسة بناء الأمة على أسس جديدة عمادها الاعتراف المتبادل والحقوق المتساوية. وقال أيضاً: علّموا أولادكم اللغة الكُردية حتى يستطيعوا التواصل بين بعضهم البعض ويُزال الحقد .

الديمقراطية المثقوبة هي نتاج السياسات والممارسات الخاطئة التي تأخذ مداها إلى أجيال ولا يمكن محوها.

كثيرون يقولون إنّ الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية هي صراعات آنية عابرة، سبّبتها تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الارتجالية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وبالمناسبة فهو أول رئيس أمريكي اعتمد هذه السياسة الفردية دون الرجوع إلى المستشارين والخبراء في مراكز الأبحاث الاستراتيجية، والبعض الآخر يؤولها إلى تلك الديمقراطية المثقوبة والتي تمتدّ جذورها في التاريخ العميق.

العالم الغربي أمام شرخ طولي وانقسام في المجتمعات على أسس عنصرية، وهذا إذا ما تطوّر ستطال الدساتير الديمقراطية في أغلب دول أوربا وأمريكا، وما كان يطرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريداته وخطاباته بأنه في السنوات القادمة ستكون الغلبة له، لأنّ النخبة معه، لا يأتي هذا من فراغٍ، فالتمرّد الذي حصل على نتائج الانتخابات دون أي وجهٍ قانوني كالتمرّد في دول الموز، حسب وصف الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، ليس إلا نتاج الفكر القومي الاستعلائي الذي يعطي لنفسه الأحقية في قيادة الدولة والمجتمع.

إنّ ما جرى ليس حدثاً عابراً ، وإنما هي ظاهرة حقيقية سوف يعمل عليها أعداء أمريكا، وسيحاولون النيل من الديمقراطية الأولى في العالم، لذا يعتبر هذا من أولى تحديات الرئيس جو بايدن، فإن لم يعالجه، ربما نرى في يوم من الأيام أمريكا الجمهورية وأمريكا الديمقراطية، وخاصةً أنّ المجتمع الأمريكي لم يولّد أحزاب جديدة، وبقيت السياسة حكراً على الحزبين بعكس المجتمعات الأوربية التي تشكّلت فيها أحزاب مثل الخضر واليسار ويمين الوسط واليمين المتطرّف والأحزاب المسيحية، أي تملك بعض التنوّع، الذي يفرض على الأحزاب تشكيل كابينات حكومية تؤمّن لها نوعا من الاستقرار السياسي، ويجب على الرئيس الجديد تصحيح ما خربته سياسة سلفه ترامب، وسد الثغرات بالطرق الديمقراطية وتصحيح نتائج السياسة الفردية التي كان يمارسها، فإذا خرجت الديمقرطية عن مجال المؤسساتية و الاستعانة بمراكز التخطيط والدراسات الاستراتيجية تفقد قيمتها وتتحوّل إلى كيانٍ هشٍّ لا معنى له، وخاصةً إذا حكمتها المزاجية، لذا يتحتّم على الرئيس الجديد إعادة المؤسساتية إلى الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية كتحدٍّ آخر.

تعتبر حالة الرئيس دونالد ترامب أسوأ حالة ضمن قائمة الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حيال تماسك الحلف الغربي، إذ قام ترمب بضرب التحالف الأمريكي الأوروبي عبر إغلاق الأسواق الأمريكية في وجه الكثير من البضائع الأوروبية، والانسحاب من معاهدة المناخ وإضعاف الحلف الأطلسي عبر تخفيض الدعم الأمريكي، له مما زاد من الضعف الاقتصادي للكثير من الدول الأوروبية، وهذا ما دفع بالبعض منهم إلى الارتماء في أحضان الصين التي تعدّ العدّة للسيطرة على العالم، وساهم في دعم البرجوازيات الصاعدة في الشرق الأوسط عبر دعم الرئيس التركي أردوغان ،وتركه المعارضة السورية لقمةً سائغة بيد أردوغان ليستخدمهم في حروبه التوسعية، كذلك لجأ ،بعكس السياسات الأمريكية، إلى الاعتماد على فصائل من أنواع غريبةٍ كالحشد الشعبي العراقي المدعوم والمنشأ إيرانياً في حربه ضدّ الإرهاب ،لأنّ همّه الوحيد كان إعلاء شأنه وإغناء فترة رئاسته بالإنجازات والقضاء على الإرهاب بأسرع ما يمكن، وهذا ما سهّل التمدّد الإيراني في العراق.

يُعتبر تصحيح هذه المسارات كلّها من أهم التحديات للرئيس بايدن من خلال تقليم أظافر إيران في كلٍّ من لبنان وسوريا والعراق واليمن، والدعوة الى سحب جميع القوات الأجنبية من سوريا بما فيها الروسية والإيرانية، لأنّ النظام السوري فاقد للشرعية ،وتحويل الملفّ السوري الى المنظّمة الدولية.

التحدي الآخر هو فقدان الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية من قبل حلفائها الطبيعيين، إذ اعتمد الرئيس ترامب سياسةً ميكافيلية فظة ومنفعية صرفة، حيث لم يقم بحماية حلفائه البيشمركة، وسمح للقوات العراقية والحشد الشعبي- وبإشرافٍ مباشر من قاسم سليماني- بالزحف على كُردستان فور الانتهاء من العمليات ضدّ الإرهاب، و تم احتلال مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها.

إن مهمة الرئيس الجديد هي إعادة الثقة بالولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها وديمقراطيتها وزعامتها للعالم الحرّ،

ويواجه الرئيس الجديد تحدياً أكثر أهميةً، وهو مواجهة الحلف المتشكّل حديثاً الذي تقوده الصين ، التي ترمي للسيطرة على العالم من الناحية الاقتصادية أولاً ، ومن ثم السياسية ثانياً.

وكذلك الدور المتنامي لروسيا في عهد ترامب، إذ باتت تهدّد أمريكا في عقر دارها من خلال القرصنة الإلكترونية على مجموعات البيانات الأمريكية واللعب على ثغرات الديمقراطية المثقوبة كما يؤكّد ذلك العديد من الباحثين ، وربما تكون روسيا هي المتحكّمة بشخصية ترامب، إذ كلّ الدلائل تشير إلى أنّ ترامب استطاع أن يخرج الولايات المتحدة الأمريكية من المعادلات الدولية لصالح الروس والأتراك والإيرانيين رغم تظاهره بالعداء لإيران وهي فقط لاستنزاف الخليج اقتصاديا ولم يفعل شيئا إزاء النظام الإيراني سوى التهديدات الجوفاء والعقوبات التي تحمل توقيعه الطويل، والتي لم تؤثّر عليه، لا بل زادته قوةً ،كما أهدت سوريا إلى روسيا، وتقوقعت القوات الأمريكية فقط في المناطق النفطية.

مساراتٌ كثيرةٌ تنتظر التصحيح من الإدارة الجديدة والبناء أصعب من الهدم.

فكم ستكون الفترة الزمنية اللازمة لبناء ماتمّ هدمه في فترة ترامب؟

ولأنّ أعداء أمريكا أصبحوا خبراء في التلاعب بالنظم الديمقراطية سيبقون لفتراتٍ طويلة في الحكم ويخطّطون بثباتٍ من أجل ضرب سيدة الديمقراطية من الداخل كما فعلت هي في الاتحاد السوفيتي السابق.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “282”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى