أخبار - سوريا

تحولات الموقف التركي وتأثيره على الثورة السورية

يكيتي ميديا_ Yekiti Media
أثار تحول الموقف التركي إزاء الأزمة السورية الكثير من التساؤلات حول طبيعة ذلك التحول وأبعاده المترقبة على مسار الثورة، في حين ربطت الكثير من المصادر تحولات السياسة الخارجية التركية بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو الماضي. والتي نشطت الدبلوماسية التركية بعدها بصورة ملحوظة، وخاصة فيما يتعلق بمحاولة تفكيك العقدة السورية من خلال التوصل إلى تفاهمات إقليمية ودولية.
لكن الحقيقة هي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد قام قبل محاولة الانقلاب الفاشلة بنحو شهرين بانعطافة حادة في سياسة بلاده نتج عنها استقالة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو وتولي بن علي يلدريم في 24 مايو عام 2016، والذي أخذ على عاتقه تبني عملية تحول جذرية في السياسة الخارجية التركية، ومن أبرزها ملامحها:
أولا: إعادة العلاقات مع تل أبيب
بعد شهر من تولي يلدريم رئاسة الحكومة، عادت العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى سابق عهدها عقب اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشفهي، ومن ثم تنازل أنقرة عن القضية المرفوعة ضد تل أبيب في المحكمة الدولية، ورأت دراسة نشرها موقع “ديفينس ون” العسكري (27 يوليو 2016) أن عودة العلاقات بين البلدينجاءت نتيجة إحباط أنقرة من إصرار إدارة أوباما على دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردية المرتبطتان بحزب العمال الكردستاني، مشيرة إلى أن العامل الكردي هو العنصر الأساسي الذي يقود تركيا للتطبيع مع إسرائيل، حيث ترغب أنقرة في تخفيف نزعة تل أبيب لدعم استقلال أكراد العراق، وتفويت فرصة إقامة علاقة بين أكراد سوريا مع إسرائيل، وإقناع إسرائيل بالتوقف عن دعم طموحات أكراد سوريا لتحقيق الاستقلال.
ونظرا للاعتقاد السائد بأن نفوذ تل أبيب قد يغير توجهات واشنطن، فقد حرص أردوغان على الالتقاء بقادة اليهود الأمريكيين مرتين في الربيع الماضي، وأعرب عن أمله في أن يختار اليهود الوقوف في صف الأتراك حينما تشتد المنافسة على الاختيار بين الأكراد وبين أنقرة، كما أن خيبة الأمل التركية والفشل في التقارب مع معظم الدول العربية قد سرع من وتيرة هذا التقارب الذي قام على أنقاض محاولات فاشلة لإنشاء تحالفات عربية -كردية في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
ثانيا: الانتقال من حالة العداء إلى إبرام تحالف إستراتيجي مع موسكو
وفي غضون الأشهر الثلاثة عقب تولي يلدريم بذلت تركيا وساطات عديدة لإصلاح العلاقات مع روسيا. وتوجت تلك الجهود بزيارة أردوغان لنظيره بوتين في مدينة سان بطرسبرغ يوم الثلاثاء 9 أغسطس 2016، مصطحبا معه عددا من القادة الأمنيين والعسكريين للتباحث مع نظرائهم الروس حول سبل التعاون الميداني في الملف السوري، وتم الاتفاق على إنشاء غرفة عسكرية مشتركة للتنسيق في الشأن السوري، وأكد تقرير “ديبكا” (12 أغسطس 2016) أن روسيا وأنقرة قد اتفقتا على تفعيل دور المجلس المشترك في منع قوات سوريا الديمقراطية من التقدم نحو الحدود السورية -التركية، وأن يتاح للقوات التركية مجال التوغل في الحدود السورية.
وأشار موقع “ستراتفور” الأمني (12 أغسطس 2016) إلى أن بوتين عرض تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أنقرة، وتضمنت المباحثات الأمنية كذلك قيام الفريق التركي بعرض فكرة إدماج فصائل المعارضة شمال البلاد في تشكيل موحد وتدشين عملية سياسية بإشراف روسي -تركي مشترك، وذلك مقابل الحصول على ضمانات روسية تخص الملف الكردي والحدودي، كما تضمنت المباحثات بين الجانبين سبل تعزيز التعاون الاقتصادي واستئناف العلاقات التجارية مقابل “تنسيق أكبر” لإعادة الهدوء وتثبيت آليات وقف إطلاق النار داخل سوريا.
وفي تصديق للتكهنات بوجود تفاهمات بين موسكو وأنقرة حول سوريا، تحدث بوتين عقب سقوط الأحياء الشرقية من مدينة حلب عن اتفاقه مع نظيره رجب طيب أردوغان في شهر أغسطس المفضي إلى استسلام المعارضة المسلحة في شرق حلب، وفتح مسار تفاوضي جديد يوازي مسار جنيف دون انخراط واشنطن والقوى الإقليمية الفاعلة، وأكد بوتين في مؤتمر صحافي مع نظيره الياباني في 16 ديسمبر أن: “كل شيء يجري وفق التوافقات التي أبرمناها، بما في ذلك الاتفاقات مع الرئيس التركي خلال زيارته سان بطرسبورغ “، مضيفا: “اتفقنا أن توفر تركيا كل مساعدة ممكنة بالنسبة لإزالة هؤلاء المسلحين المستعدين للاستسلام في حلب “.
ثالثا: تعزيز العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة
عقب توتر شاب العلاقات بين تركيا وإدارة أوباما، فتحت الانتخابات الأمريكية بابا جديدا لإعادة الحرارة بين البلدين من بوابة الحزب الجمهوري، وذلك عقب تغريدة أطلقها دونالد ترامب في 24 أغسطس الماضي أشار فيهما إلى وجود أدلة لديه بتورط 13 ضابط من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، مؤكدا أن: “قيادة أوباما الفاشلة” هي السبب في وقوع هذه: “الأخطاء الغبية التي تعرض مصالح أمريكا للخطر”.
في هذه الأثناء تحدث مستشارو ترامب عن دور الإدارة الأمريكية في دعم تنظيم فتح الله غولن، وتغلغلهم في دوائر الحزب الديمقراطي ودعمهم لكلنتون في حملتها الانتخابية، فقد أكد الجنرال مايكل فلين الذي كان يترأس جهاز الاستخبارات العسكرية أن إدارة أوباما كانت ترغب في إنجاح المحاولة الانقلابية ضد أردوغان لتعزيز دور غولن وجماعته في أنقرة، ورأى أن كلنتون كانت ترغب في تحقيق دفعة كبيرة على الصعيد الخارجي من خلال استبدال أردوغان بجماعة غولن “الأكثر انفتاحا” كجزء من إستراتيجيتها لدعم حركات التغيير في الشرق الأوسط منذ عام 2011.
وأشار التقرير إلى أن مستشاري ترامب قد تحدثوا عن وجود الآلاف من مؤيدي غولن في صفوف حملة كلنتون الانتخابية، في حين أسهمت الاتهامات التي أطلقها فريق كلنتون لبوتين بدعم ترامب في التقريب بين الزعيمين بالفعل، ويتوقع أن تسهم علاقة التقارب بين بوتين وأردوغان مع ترامب في إنشاء تحالف بين الدول الثلاثة لحسم الملفات العالقة في المنطقة العربية، وعلى رأسها الملفين السوري والعراقي.
واتهم تقرير “ديبكا” (14 نوفمبر 2016) أوباما بمحاولة إفساد التعاون بين فريق ترامب مع موسكو وأنقرة بإرسال شحنة ضخمة من السلاح إلى وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، لإفساد أية ترتيبات يمكن أن يصيغها فريق ترامب مع أنقرة وأربيل قبل توليه الإدارة مطلع العام القادم.
كما تحدث التقرير عن وجود تفاهمات تركية-روسية بدعم من فريق ترامب لتمكين الأتراك من السيطرة على الرقة بدعم جوي روسي لطرد تنظيم “داعش” منها بحلول منتصف يناير 2017، وذلك في مقابل دعم تركيا لمفاوضات سرية مباشرة بين الروس والفصائل الرئيسية في حلب تمهيدا لاتفاق بين الطرفين، وبذلك يكون ترامب قد دشن عهده بإنجازين مهمين في كل من الرقة وحلب، ولذلك فإن فريقه يعمل بجد في الفترة الحالية على تكثيف التواصل مع أنقرة وموسكو، وكذلك أربيل لتعزيز التعاون بين هذه القوى الإقليمية، وذلك في ظل تعثر حملة أوباما في الموصل وفشلها في تحقيق أي تقدم يذكر.
ويدور الحديث في واشنطن عن قيام الإدارة المنتخبة بإعداد خطة لمعالجة الأزمة السورية بالتعاون مع موسكو، وتتضمن الإبقاء على بشار الأسد مع تخلیھ عن بعض الصلاحیات لحكومة تشارك فيها جهات من المعارضة، وذلك بالتزامن مع إخراج القوات الإیرانیة والميلشيات التابعة لها من سوریا، وعلى رأسها “حزب الله “، وتنفيذ خطة رديفة لاستیعاب المعارضة في صفوف قوات” شبھ نظامیة “تمهيدا لضمها إلى جيش النظام في مرحلة لاحقة.
رابعا: إضعاف دور الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي
جاء التقارب التركي مع موسكو ومع مجموعة ترامب بواشنطن على حساب العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ورأت دراسة نشرها معهد “أتلانتيك كاونسل” (12 أغسطس 2016) أن إصلاح العلاقات التركية-الروسية قد جاء بعد إبداء أنقرة استعدادها للنأي بنفسها عن حلف شمال الأطلنطي وحلفائها الغربيين التقليديين، وذلك عقب تدهور العلاقات بين أنقرة والغرب بسبب شكوك حزب العدالة والتنمية وجزء كبير من المجتمع التركي في تعاطف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع المحاولة الانقلابية الفاشلة وعدم إظهار التضامن الكافي مع تركيا التي تطالب الإدارة الأمريكية بتسليم فتح الله غولن.
وقد أثار التقارب بين موسكو وأنقرة قلقا في غرب أوروبا وإدارة أوباما من أن تركيا قد تبتعد عن حلفائها التقليديين، وستمنح روسيا فرصة إضعاف حلف الناتو، خاصة وأن السياسيين الأتراك يشعرون بأن حلفاءهم الغربيين قد تخلوا عنها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، في حين يثور القلق لدى العسكريين من أن حلف شمال الأطلسي “ناتو” قد أهملهم ومارس عليهم نوعا من الابتزاز خلال السنوات الخمسة الماضية، إذ لم ينشر الحلف سوى عدد قليل جدا من بطاريات “الباتريوت” في تركيا حتى عندما تعرضت الأراضي التركية لتهديدات بالغة عقب إسقاط المقاتلة الروسية.
وتشير تقارير أمنية غربية إلى تنامي قلق دول الاتحاد الأوروبي من مخاطر سماح تركيا بتدفق أفواج اللاجئين باتجاه أوروبا، وهو أمر يرغب بوتين بالاستفادة منه في الضغط على الغرب لرفع العقوبات المفروضة على روسيا وتقديم تنازلات أساسية فيما يتعلق بالملفين : الأوكراني والسوري، وفي هذه الأثناء يثور القلق في أوساط الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من الاتصالات السرية الدائرة بين فريق ترامب والكرملين، حيث بشر ترامب خلال حملته الانتخابية بتحقيق انفراج في العلاقات بين موسكو وواشنطن، في حين بدا غير مهتم بتعزيز التحالف معهم، حيث طالب الدول الأعضاء بإجراء مراجعة شاملة لقدرات حلف الناتو وحث الدول الغربية على المزيد من الإنفاق العسكري بدلا من الاعتماد على واشنطن، ودعاهم في الوقت نفسه إلى التعاون مع روسيا في “محاربة الإرهاب”.
خامسا: كبح النزعات الانفصالية الكردية في الشمال السوري
دفعت السياسة الخارجية التركية خلال الأشهر الثلاثة الماضية نحو كبح النزعات الانفصالية الكردية شمال سوريا، وذلك بالتزامن مع تدشين الجيش التركي عملية عسكرية شمال سوريا، يوم الأربعاء 24 أغسطس 2016، وكان هدف العملية واضحا منذ الأيام الأولى عندما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن : ” العملية العسكرية لا تقتصر على ضرب داعش، وإنما تستهدف القوات الكردية “، مما شكل ضربة قاسية لمشروع” وحدات حماية الشعب “الكردية بتأسيس كيان مستقل، في ظل وجود مؤشرات على أن التحرك التركي جاء ضمن توافقات مع موسكو، حيث جاءت العملية في أعقاب قمة أردوغان -بوتين في بطرسبرغ.
وترمي تركيا من هذه الحملة إلى تأمين حدودها مع سوريا في مسافة يبلغ طولها 100 كم وعمقها نحو 15-17كم، ومنع الانفصاليين الأكراد من الوصل بين الأقاليم الثلاثة: عفرين والقامشلي والحسكة، كما تخطط في الوقت ذاته للتوغل في الأراضي السورية وصولا إلى مدينة الباب التي تحاصرها في الوقت الحالي.
سادسا: فتح قنوات تواصل مع نظام دمشق
جاء حديث رئيس الوزارء بن علي يلدريم عن إمكانية تطبيع العلاقات مع دمشق في شهري يوليو وسبتمبر عام 2016، مؤكدا لتسريبات نشرت بشأن اتصالات سريةجرت بين ضباط أتراك ومسؤولين سوريين، حيث تحدث زعيم حزب الوطن الاشتراكي المعارض، دوغو بيرنيسيك، ونائبه الجنرال إسماعيل حقي بيكين، وهو قائد سابق للاستخبارات العسكرية التركية لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية عن تبادل رسائل بين مسؤولين أتراك وسوريين. وكشفا أنهما أجريا لقاءات مع مسؤولين من روسيا والصين وسوريا وإيران، ونقلا رسائل تلقوها خلال تلك اللقاءات إلى مسؤولين في وزارة الخارجية والجيش التركي.
وأكد تقرير مجلة “فورين بوليسي” أن قادة ذلك الحزب لا يزالون يمررون رسائل بين مسؤولي الحكومتين التركية والسورية، خاصة وأن: “أزمة اللاجئين المتصاعدة والحملة العسكرية الروسية في سوريا وسيطرة الميليشيات الكردية على الجزء الشمالي من البلاد، لا تترك لتركيا خيارا سوى التعامل مع نظام الأسد “.
وأضافت المجلة أن “بيكين” قد زار دمشق ثلاث مرات برفقة ضباط أتراك متقاعدين، والتقوابمسؤولين سوريين، بينهم محمد ديب زيتون رئيس فرع المخابرات العامة، وعلي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني، ووزير الخارجية وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد، وعبد الله الأحمر، مساعد الأمين العام لحزب البعث السوري، وركزت تلك اللقاءات على كيفية تمهيد الأرضية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية والتعاون السياسي بين تركيا وسوريا، ومؤكدا أن لقاءه مع مملوك مكنه من التواصل مباشرة مع رأس السلطة في سوريا، إذ: “كان مملوك يستأذن للانتقال إلى غرفة مجاورة من أجل التحدث إلى الأسد مباشرة “.
وأوضح أنه نقل إلى مسؤولين كبار في الجيش التركي ووزارة الخارجية خلاصة محادثاته بعد كل زيارة قام بها، وأنه لمس، خلال الأشهر الأخيرة، تحولا تدريجيا في مواقف المسؤولين الأتراك.
وكان موقع “ديبكا” (يوليو 2016) قد أكد قيام مجموعة من عناصر الاستخبارات التركية بزيارة سرية إلى دمشق، في شهر يوليو الماضي للتباحث مع رئيس الأمن الوطني اللواء علي مملوك حول قضايا تتعلق بتأمين الحدود بين البلدين، كما عقدت اجتماعات سرية أخرى في إقليم ” هاتاي “، وأشار التقرير إلى أن الاتصالات التركية مع النظام تجري ضمن عملية التقارب مع روسيا وتهدف إلى تحييد عوامل التوتر بين موسكو وأنقرة.
سابعا: تغلب النزعة اليمينية الدافعة باتجاه مشروع “أوراسيا”
عقب تطهير أجهزة الدولة من جماعة غولن، ارتفعت أسهم مجموعة من القوميين الذين تم تعيينهم في مناصب دبلوماسية رفيعة وفي حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وكشفت صحيفة “تايمز” البريطانية أن عملية التطهير تلك لم تقتصر على مناصب رفيعة بحلف الناتو، بل طالت أكثر من مائة ملحق عسكري في السفارات التركية في العالم، وعزت الصحيفة تلك التوجهات إلى التوافق الذي حققه أرودغان مع بوتين في الأشهر الماضية، مؤكدة أن فوز ترامب، وما أعقبه من اتصالات مع مستشاره للأمن القومي، الجنرال المتقاعد مايكل فلين، قد عزز اتجاه أنقرة للابتعاد عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مقابل التوصل إلى تفاهمات تركية-أمريكية-روسية حول الملفات الإقليمية العالقة، وخاصة فميا يتعلق بالعراق وسوريا والأكراد.
وتحدث الباحث التركي مصطفى أكيول في مقال نشره بموقع “ألمونيتور” (15 ديسمبر 2016) عن وجود “مجموعة من الأشخاص المقربين من أردوغان” لديهم “خطة مفصلة” لإعادة رسم مستقبل تركيا على أساس الانفصال الكامل عن المؤسسات الأوروبية، وأطلق على هذه المجموعة اسم: “الأوراسيويين” والتي تتكون من قوميين علمانيين تجمعهم روابط بالصقور في المؤسسة العسكرية، والذين يعارضون عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتتطلع بدلا من ذلك إلى التقارب مع روسيا والصين والتقدم باتجاه الانضمام إلى “ميثاق شنغهاي”، مشيرا إلى أن هذه المجموعة ترفع إحاطات إلى وزارة الخارجية التركية حول مسائل متنوعة، وتمارس دورا أساسيا في تطهير مؤسسات الدولة من جماعة غولن، وتحض على ترك الغرب والبحث عن مستقبل تركيا في “أوراسيا”، لا سيما من خلال العلاقات مع روسيا والصين، وكان لهذه المجموعة تأثير واسع في رأب العلاقات التركية -الروسية إبان الأزمة التي تسبب بها قيام تركيا بإسقاط طائرة حربية روسية العام الماضي، وحتى في إطلاق حوار غير مباشر مع نظام بشار الأسد.
وعزا أكيول تلك التوجهات في “حزب العدالة والتنمية” إلى مكونين أساسيين هما: رجال الأعمال الذين يملكون استثمارات كبيرة في روسيا، وزمرة أكثر أيديولوجية مؤلفة من بعض مستشاري الرئيس أردوغان، وبعض الشخصيات الأساسية في البيروقراطية، والذين يعتقدون فعلا أن هناك مؤامرة غربية كبرى ضد تركيا، وأنه على أنقرة أن تتحالف مع بوتين في مواجهة الغرب، لكنها تعتقد بوجود “جانب مشرق” في الغرب يتمثل بدونالد ترامب الذين يتوقعون منه ترحيل غولن ووقف الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا.
ثامنا: التعاون مع ترامب وبوتين لإضعاف النفوذ الإيراني
تترقب أنقرة باهتمام بالغ توجهات ترامب ومجموعته نحو التصعيد مع طهران، والضغط عليها لوقف برامجها الصاروخية وسياساتها المتطرفة في المنطقة، وقد تم إعداد قائمة بالعقوبات الاقتصادية والدولية التي يمكن فرضها لدى تولي الإدارة الجديدة مقاليد الحكم في 20 يناير المقبل.
ويرى مسؤولون بوزارة الخارجية التركية في الإدارة الأمريكية المنتخبة فرصة سانحة لإضعاف النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، حيث عزز ترامب فريقه بشخصيات أمنية وعسكرية ترى ضرورة مراجعة الاتفاقية النووية التي أبرمتها إدارة أوباما معها عام 2015، وممارسة المزيد من الضغوط عليها لاستعادة التوازن في المنطقة، وذلك من خلال إنشاء علاقة تعاون مع موسكو وأنقرة للسيطرة على تصرفات إيران، حيث يعمل نائب الرئيس المنتخب مايك بنس، والمرشحين لوزارة الخارجية تيليرسون والدفاع جيمس ماتيس، والمرشح لمنصب نائب وزير الدفاع مكفرلاند، للتوصل إلى اتفاق مع موسكو وأنقرة على إخراج القوات الإيرانية والميلشيات الأجنبية التابعة لها من العراق وسوريا.
ويتحدث دبلوماسيون في أنقرة عن خلاف حقيقي بين موسكو وطهران أثناء مفاوضات إخراج المدنيين من مدينة حلب، حيث دأبت الميلشيات الإيرانية على إفساد جميع الترتيبات التي أبرمها الروس مع أنقرة، وعمدت قواتها إلى ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، مما دفع روسيا للتهديد بقصف أي طرف يخرق الاتفاق.
ولا يقتصر الخلاف بين البلدين على حيثيات الاتفاق، بل يتعدى ذلك ليشمل الجوانب العسكرية، ففي مقابل مخططات قاسم سليماني لإنشاء قوة “شيعية” في سوريا والعراق، تعمل موسكو على مشروع منافس يطلق عليه اسم: “الفيلق الخامس-اقتحام” الذي أعلن عن تأسيسه في سوريا في الأعضاء 22 نوفمبر الماضي، والذي يشرف على تشكيله العماد فلاديمير بابوف، نائب رئيس هيئة الأركان الروسية بصورة شخصية، وتهدف روسيا من خلال هذا التشكيل الجديد إلى تجنيد نحو مائة ألف من العلويين بهدف تمكين النظام من الاحتفاظ بالمناطق التي سيطر الروس عليها مؤخرا.
وفي تأكيد لتلك الخلافات، نشر موقع “يوارسيا ريفيو” دراسة (13 أكتوبر 2016) تناولت أبعاد الصراع الروسي-الإيراني في سوريا، مؤكدة أن التنافس الإيراني-الروسي الكبير على الطائفة العلوية يمثل حلقة أساسية منه، إذ إن أية تسوية سياسية مرتقبة ستقتضي وجود تقاسم طائفي للسلطة، ولا شك في أن العلويين سيشغلون مراكز سياسية ومؤسساتية هامة، مما يدفع بروسيا وإيران للتنافس على كسب الطائفة العلوية لضمان المصالح الروسية أو الإيرانية في سوريا وبقاء نفوذهم فيها.
ولاحظت الدراسة أن التنافس الإيراني-الروسي على الطائفة العلوية يشتد حينما يخبو القتال، أو عندما يتم بذل جهد حقيقي نحو المفاوضات السياسية، ولذلك فإن إيران تسعى لإفساد أية هدنة لتمنع موسكو من التوصل إلى حل لا يخدم مصالحها، وتمنع أية محاولة لدمج قوات الدفاع الوطني بجيش النظام السوري، وهذا ما وقع بالفعل لدى موافقة موسكو على الالتزام بهدنة في سوريا، بينما استمرت المليشيات الإيرانية وجيش النظام في شن المعارك دون غطاء جوي روسي.
وكشف تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن ما وراء إرسال موسكو لحوالي 4500 من رجالها إلى سوريا، يتجاوز خوض الحرب ضد الثورة إلى زرع أتباعها في الجيش وأجهزة المخابرات السورية، وحتى التضييق على الإيرانيين وحلفاء آخرين لبشار الأسد. ويرى كاتب التقرير أن النظام في دمشق ليس لديه خيار سوى القبول بالأمر الواقع، ونقلت الصحيفة عن خبير أجنبي في دمشق، قوله: “الروس عينوا أتباعهم في القنوات الرئيسة لاتخاذ القرار”.
في هذه الأثناء يتصاعد التوتر بين أنقرة وطهران حول العديد من القضايا، أبرزها: دور ميلشيات الحشد الشعبي في الموصل، ومحاولات إيران إفساد الاتفاق التركي-الروسي في حلب، ودعم طهران لحزب العمال الكردستاني، وذلك إثر سعي أردوغان لتعزيز موقف التركمان في كركوك وتلعفر في مواجهة المد الإيراني، حيث تدعم إيران نحو مائة ألف مقاتل من الحشد الشعبي في العراق، وتحشد نحو سبعين ألف مقاتل أجنبي في سوريا في أكبر خطة انتشار تشهدها المنطقة تحت قيادة قاسم سليماني.
وتأمل أنقرة أن تسهم عملية “درع الفرات” في استعادة بعض التوازن الإستراتيجي من خلال جمع فصائل المعارضة السورية، وبعض القبائل التركمانية تحت قيادة القوات التركية بهدف حماية الحدود التركية من خطر توسع الميلشيات التابعة لإيران في تلك المناطق.
وقد اضطر أردوغان إلى تعجيل إبرام الاتفاق مع موسكو وطهران عقب تلقي أنباء استخباراتية مؤكدة تفيد إرسال إيران قوات من الحرس الثوري و “حزب الله” لمناوشة الأتراك وعرقلة عملياتهم الجارية ضد تنظيم “داعش” في بلدة الباب، وكان موقع “ألمونيتور” (10 نوفمبر 2016 ) قد تحدث عن توتر إيراني-روسي في ظل تقارب موسكو مع أنقرة، مما يؤكد مخاوف لدى الإيرانيين من أن موسكو تعمل على تحقيق مصالحها في سوريا وليست معنية بإقامة تحالف إستراتيجي معهم.
تاسعا: تعزيزدور الاستخبارات التركية في الشمال السوري
كشف موقع “إنتلجنس أون لاين” الأمني (14 سبتمبر 2016) عن خطة شاملة تنفذها أنقرة لتعزيز قدرات المؤسسة الأمنية التركية بإشراف وزير الداخلية الجديد سليمان سيولو الذي عمل كمسؤول في جهاز الأمن الوطني التركي لفترة طويلة، ورئيس جهاز الشرطة الجديد سلامي ألتينوك، وتتضمن دمج قطعات من مختلف الوكالات الاستخباراتية ووضعها تحت إشراف وزارة الداخلية، وإنشاء جهاز مركزي للتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية.
وبموجب هذه الخطة سيتركز عمل جهاز الأمن الوطني (MIT) على الأنشطة الخارجية، حيث تم تكليف رئيس الجهاز الحالي حقان فيدان بمهمة مكافحة التجسس، والإيعاز له بتعزيز قدرات الجهاز خارج البلاد، ونشر موقع “ألمونيتور” دراسة (6 نوفمبر 2016) أكد فيها الباحث بينار تريمبلاي أنمؤسسة الاستخبارات الوطنية (MIT) التي كانت تضم أربعة مكاتب يدير كل واحد منها وكيلا عن قائد المؤسسة، سيتم توسيعها لتشمل ستة مكاتب، حيث سيتم استحداث منصب: “وكيل العمليات الخاصة” مما ينبئ بأن تركيا تستعد للقيام بعمليات خاصة في دول مجاورة، وخاصة في سوريا والعراق، حيث يتوقع أن يتولى هذا المكتب مهمة التنسيق مع القوات العسكرية التركية، وسيتعاظم دوره في الأشهر القادمة مما يجعل من جهاز الأمن التركي اللاعب الأهم في الشأنين السوري والعراقي.
وعلى الرغم مما تعرض له حقان فيدان من انتقادات إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة، إلا أن الخطة التي أقرها أردوغان مطلع نوفمبر الماضي تشير إلى أن فيدان قد نجح في إصلاح علاقاته مع الرئيس التركي وحافظ على موثوقيته داخل نظام الحكم، ويبدو أن جهاز الأمن التركي سيصبح لاعبا أساسيا في الشؤون الإقليمية، ومن المتوقع أن يزيد انخراطه في الملفالسوري، وأن يتعزز دوره في التنسيق الداخلي بين مختلف الوزارات والمؤسسات التركية، وذلك ضمن منظومة جديدة يسعى أردوغان لتحقيقها ضمن ترتيبات تحويل نظام الحكم في تركيا ليصبح رئاسيا، وعندها سيصبح الجهاز خاضعا بشكل مباشر لسلطات الرئيس.
محركات السياسة الخارجية التركية في طورها الجديد:
تعتمد السياسة الخارجية التركية نهجا واقعيا يعمد إلى الاستفادة من المستجدات الإقليمية لتحقيق المصالح العليا للدولة، وتتغير مواقفها وفق المتغيرات الدولية لتحقيق توازنات مرحلية قد تختلف مع المبادئ التي تعلن عنها السلطة السياسية، ولذلك فإن العديد من القوى الإقليمية قد فشلت في استقطاب أنقرة لمنظومات أمنية أو تحالفات عسكرية صلبة، لكن ذلك الفشل لم يرتق في أية مرحلة إلى صراع عسكري مفتوح.
ويمكن ملاحظة الدهاء الدبلوماسي لأنقرة من خلال العلاقات التي احتفظ بها أردوغان مع الحكم في إيران على الرغم من التباين الواضح في السياسات إزاء الأزمة السورية، فعلى الرغم من الدعم العسكري الذي قدمته تركيا للثوار وإيوائها للجسد السياسي والعسكري للمعارضة السورية إلا أن علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع إيران لم تتأثر بذلك التباين في مواقف الدولتين.
وعلى الرغم من تدهور العلاقات مع موسكو وتل أبيب إلا أن الخلاف بقي منضبطا في إطار التصريحات الرسمية والحملات الإعلامية دون أن يرتقي إلى مستوى المواجهة.
وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية، يمكن الحديث عن أربعة محركات رئيسة للسياسة الخارجية التركية منذ استقالة أحمد داود أوغلو وتولي بن علي يلدريم في شهر مايو عام 2016، وذلك على النحو التالي:
المحركات السياسية:
بعد رفع شعار “صفر مشاكل” مع دول الجوار، وجدت أنقرة نفسها في موقف صعب على الصعيدين: الإقليمي والدولي، حيث توترت العلاقة مع إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، في حين اشتعلت المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد عام 2015 عقب هدنة دامت عامين بين الجيش التركي والانفصاليين الأكراد، ووقفت تركيا على شفير حرب مع موسكو عقب إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر من ذلك العام، كما ساهم توتر العلاقات مع تل أبيب والقاهرة وبغداد وطهران في إضعاف موقف تركيا الإقليمي، ممادفع بأنقرة لتبني سياسة مصالحات لفتح صفحة جديدةفي علاقاتها الدولية لفك عزلتها الإقليمية والدولية.
المحركات الاقتصادية:
تم تتويج المصالحة التركية-الروسية بزيارة أردوغان لروسيا في شهر أغسطس، ومن ثم زيارة بوتين لتركيا في 10 أكتوبر، وإبرام اتفاقية تاريخية لبناء خط الأنابيب “تورك ستريم” لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود، وإعادة فتح الأسواق الروسية أمام البضاعة التركية، والتعهد باستئناف مشروع “أكويو” (Akkuyu)، والذي تقوم به الشركة المملوكة للحكومة الروسية “روساتوم” (روساتوم) لبناء أول محطة طاقة نووية تركية، وتزامن ذلك مع رغبة موسكو في تحسين علاقتها مع أنقرة لإدراكها أن إبعاد تركيا بصورة أكثر في هذه المرحلة سيدفعها بصورة أكبر نحو الاقتراب من “الناتو”، خاصة وأن العقوبات الروسية السابقة ضد أنقرة قد أثرت سلبا على الاقتصاد الروسي، فالكثير من التجار الروس يرغبون بالسلع التركية الرخيصة، ويعانون من العقوبات الأوروبية والأمريكية ومن انهيار أسعار النفط، ويحتاجون في النهاية إلى الحصول على الصفقات المتاحة في الأسواق التركية.
المحركات العسكرية:
بالإضافة إلى اتفاقيات بناء محطة “أق قويو” لتوليد الطاقة النووية، وخط الغاز الإستراتيجي “ترك ستريم”، شكل التقارب الروسي-التركي فرصة لأنقرة لتطوير قدراتها العسكرية، فقد كان عرض بناء منظومة للدرع الصاروخي للجيش التركي الموضوع الأبرز في لقاء الزعيمين بأنقرة في شهر أكتوبر الماضي، لما يحمله من أبعاد إستراتيجية تتعلق بعلاقة تركيا مع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، الذي يعارض بشدة استخدام تركيا لأي منظومة درع صاروخي غير منظومة “باتريوت” التابعة للحلف الذي عمل في مراحل سابقة على إفشال أي مساع تركية لشراء منظومة أخرى، حيث يفتقر الجيش التركي إلى منظومة متطورة للدرع الصاروخي، وخلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب اللقاء، أبدى بوتين استعداد بلاده للتعاون المشترك مع تركيا في مجال النظام الدفاعي، معربا عن أمله في تحويل المباحثات في هذا الصدد إلى تعاون مادي ومحسوس بين البلدين، وقد تم عقد اجتماع على مستوى رؤساء الأركان والاستخبارات من البلدين لمناقشة التفاصيل.
وعلى إثر ذلك التصريح، تحدث تقرير “جينز” العسكري (17 نوفمبر 2016) عن توجه وكالة التنسيق العسكري الروسية لتعزيز التعاون مع الجيش التركي في مجال الدفاع الجوي، وأنها قدمت عرضا لأنقرة يتضمن بيعها منظومة صواريخ (T-LORAMIDS) بصفقة تتراوح قيمتها ما بين 3.5 و 4 مليار دولار.
المحركات الأمنية:
تضمنت التفاهمات الروسية-التركية موافقة بوتين على إنشاء منطقة نفوذ تركي شمال سوريا، لتأمين حدود تركيا من تنظيم “داعش” ومن الجماعات الانفصالية الكردية، حيث ينوي أردوغان إنشاء مدن بكاملها عندما تفرغ قواته من مهمة تطهير المنطقة التي يتوقع أن تبلغ مساحتها خمسة آلاف كيلو متر مربع شمال سوريا، وتدور مباحثات مع شركة “توكي” الضخمة المسؤولة عن بناء عشرة في المائة من الوحدات السكنية التركية كل عام، لإنشاء مدارس وشققومنشآت اجتماعية، وربما تكون هذه الوسيلة الوحيدة لحمل بعض من ثلاثة ملايين سوري يقيمون في تركيا على العودة إلى بلادهم وبدء عملية إعادة بنائها.
في هذه الأثناء تحقق عملية “درع الفرات” تقدما ملحوظا إثر سيطرتها على مدينة “دابق”، وتأمين منطقة شرقي “مارع”، والتقدم على مسافة أقل من 13 كم من جنوب “اخترين”، وحصارها لمدينة “الباب”، حيث يتوقع أن تبسط سيطرتها بعد ذلك على “منبج”، ويبدو أنه بات في حكم المحتم تحقق الحلم التركي الذي طال انتظاره بإنشاء منطقة نفوذ تركية في الشمال السوري تمتد مسافة 55 ميلا من جرابلس، لتأمين حدودها من هجمات الانفصاليين الأكراد وتنظيم “داعش”، ويأمل الأتراك بإقناع واشنطن أن تمثل الفصائل السورية الموالية لها رأس الحربة في عمليات استعادة مدينة الرقة من تنظيم “داعش”، بدلامن الاعتماد على “قوات سوريا الديمقراطية”.
تأثير التحولات التركية على الثورة السورية: المخاطر والفرص الكامنة
على الرغم من عمق تحولات الموقف التركي، إلا أن اعتبارها مفاجئة هو أمر مناف للحقيقة، فالسياسة الخارجية التركية تقوم على أسس براغماتية تتكيف مع المشهد الدولي الذي يمر بمرحلة تحول كبير، حيث تتجه بوصلة السلطة في الدول الغربية باتجاه اليمين، ويتحدث ترامب علنا عن دعمهلرئيس الحزب القومي البريطاني فاراج والمرشح اليميني للرئاسة الفرنسية فيون، ويعرب عن رغبته في إنشاء تحالف مع بوتين وأردوغان باعتبارهما زعميان قويان يمكن الاعتماد عليهما لاستعادة التوازن في المناطق المشتعلة بالشرق الأوسط، وذلك في ظل تضعضع الاتحاد الأوروبي، والصعوبات التي يمر بها حلف شمال الأطلسي، وحالة الشلل التي أصابت مجلس الأمن إزاء تكرر استخدام حق النقص من قبل روسيا والصين.
وفي ظل غياب الموقف الخليجي الواضح إزاء التطورات الأخيرة، والعدائية التي يبديها الحكم في مصر إزاء تركيا، تشعر أنقرة أنها مضطرة لإبرام تفاهمات مع موسكو وواشنطن وتل وأبيب وطهران في ظل غياب عربي مثير للقلق.
أما على الصعيد المحلي، فإن المشكلة الرئيسة تكمن في عجز قوى المعارضة عن استيعاب تلك التحولات فضلا عن الاستجابة لها، وخاصة بالنسبة للفصائل التي لم تتمكن من تطوير أدواتها، بل أخذت في التراجع أمام الضغوط الإقليمية والدولية، ويمكن الحديث عن أهم المؤثرات فيما يلي:
1-مشاريع إعادة التشكيل العسكري للمعارضة:
في مقابل النزعات الاستئصالية وصراعات المحاصصة العبثية التي لا تزال المعارضة السياسية تخوض غمارها، تقبع فصائل الثورة أسيرة التشكيلات السلبية التي لم تنجح في الفكاك منها، حيث تعصف بكياناتها مظاهر الخلافات المرجعية التي يذكي أوارها تباين فتاوى “الشرعيين”، وتشتت شملها الصراعات البينية التي بلغت حد الاقتتال، وتفتقد مجموعاتها ميزة الانضباط الذي تتمتع به التشكيلات العسكرية وشبه العسكرية المعادية لها، وتثير تيارات الأفغنة والأدلجة والغلو الفوضى في صفوف قياداتها، وتمنع صراعات الاستئثار بالموارد فرص تطوير كياناتها نحو الاحترافأوتوحيد الجهود لمواجهة النظام وحلفائه، في حين تنشغل مكاتبها السياسية بصياغة بيانات الاندماج ومبررات الانفصال التي سئم منها السوريون.
ومثل سقوط الأحياء الشرقية لمدينة حلب مجهرا لكشف تلك المظاهر السلبية أمام الإعلام العالمي، حيث انشغلت بعض الفصائل عن “حماية المدنيين” بمهاجمة فصائل أخرى تحت وقع القصف الروسي على رؤوسهم مجتمعين، وصمت بعض القيادات آذانها عن أي نصح مخلص مؤثرة خوض معارك الفتاوى والبيانات من سراديب المدينة المدمرة.
وأسهم اختراق الاستخبارات المعادية لها في كسر شوكة فصائل حلب واضطرار بعضها لإلقاء السلاح دون قتال، ومن ثم الخروج من المدينة المنكوبة للعمل على مشروع اندماج مع خلايا تنظيم القاعدة وكأنها تعيش في كوكب آخر لا علاقة له بالتحولات الإقليمية والدولية.
ومثلت المفاوضات مع الضباط الروس اختبارا لم تبد فيه الفصائل أي مراس دبلوماسي، حيث دأبت على الاستجابة لضغوط “الأصدقاء”، ولم تحاول جمع أية أوراق تفاوضية لتعزيز موقفها التفاوضي، واضطرت لتوقيع وثيقة هدنة تختلف عن الصيغة التي وقعها النظام، وكشفت الكواليس عن خلافات مستشرية بين بعض الفصائل أثناء المفاوضات التي خاضتها في معزل عن شركائها السياسيين، واستمر بعضها في إصدار بيانات متناقضة وتصريحات متضاربة تعكس الخلافات بين السياسيين والشرعيين والعسكريين في مكوناتها دون إدراك لعمق الأزمة أو تحولات المرحلة.
وانعكست هذه المظاهر المخزية على تقارير أمنية أبرزها تقرير موقع “إنتلجنس أون لاين” (7 ديسمبر 2016) الذي تحدث عن بذل جهات خارجية جهودا مضنية للتأليف بين الفصائل، ورأب الصدع بين الفرقاء بالتزامن مع التصعيد الروسي-الإيراني-الأسدي في حلب، لكن جهودهم باءت بالفشل نتيجة الصراعات الداخلية التي دفعت بالمسؤولينلكتابة تقرير متشائم عن مستقبل الفصائل في ظل الظروف الحالية.
وأبدت هذه الجهات قلقها من حجم الاختراق المتمثل بوجودعملاء وجواسيس النظام وحلفائه في كافة البنى العسكرية والأمنية والاقتصادية والإعلامية للفصائل التي تم اختراقها على مستويات قيادية مؤثرة، والتي كانت تزود غرف المعلومات التابعة للنظام وحلفائه بمعلومات وصور وإحداثيات مهمة، بل إنها في بعض الحالات كانت على اطلاع تفصيلي بما يجري من نقاشات داخل بعض غرف عمليات الفصائل، ما أسهم في إضعاف الثقة بين الفصائل وتبادل التهم بينها.
وفي مقابل مشاريع الاندماج المثيرة للجدل، يتردد الحديث عن مبادرة ترعاها الاستخبارات التركية لإنشاء قوة عسكرية من فصائل المعارضة بحيث تتولى مهام حماية البنى التحتية وتوفير الخدمات الأمنية ويمكن أن تشكل القوة الضاربة للمعركة المرتقبة ضد تنظيم “داعش” في الرقة.
2-إضعاف سيطرة بشار الأسد:
في ظل المداولات الإقليمية والمفاضات الجارية بدا بشار الأسد فاقدا للمبادرة تماما، حيث كانت تصريحاته تسير بصورة مغايرة لتوجهات حلفائه، وأظهرت المقاطع المصورة هيمنة الإيرانيين واللبنانيين على الأرض بينما كان بشار يتحدث من فقاعته اليوطوبية بأحد سراديب القصر الجمهوري عن فلسفة التاريخ.
وبخلاف سيناريوهات التصعيد التي تحدث عنها بشار، فإن روسيا بادرت إلى تعزيز مكتسباتها من خلال الاتفاق مع طهران وأنقرة على وقف للقتال، مدركة أن النظام لا يستطيع تعويض نقصه العددي إلا من خلال الاعتماد على الميليشيات الأجنبية، مما دفع موسكو لإرسال كتيبتي مهمات شيشانية خاصة لحماية مقراتها الإستراتيجية عقب الفشل الذريع لقوات النظام في تدمر.
وبدا من الواضح أن بشار الأسد بات أكثر ارتهانا بحلفائه الأجانب، وأشد اضطرارا إلى القبول بفقدان مساحات من سوريا ووجود جيوب لمعارضة لن يتمكن من سحقها، فالانتصارات التي تحققت في ساحة المعركةلم تؤمن حكم الأسد، وإنما عزززت النفوذ الروسي والإيراني على حساب جيشه المنهك.
وعلى الرغم من الانتصار المكلف في حلب، إلا أن المعركة قد عززت البعد الطائفي للصراع، وأسهمت في تهجير المزيد من السوريين، وفاقمت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها نظام دمشق في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليه منذ عام 2011، في حين تقتصر سلطة بشار في دمشق على إدارة هيكل دولة فاشلة لا مستقبل لها مما يمثل خطرا على الأمن الإقليمي والأمن الدولي.
وأثارت المفاوضات الروسيةالمباشرة مع الفصائل حفيظة نظامي دمشق وطهران، خاصة وأن موسكو رفضت تمثيل النظام بأية صورة في المفاوضات التي أجراها الضباط الروس مع فصائل المعارضة في تركيا، كما أنها اعترفت رسميا بالوجود العسكري التركي وبدور فصائل المعارضة في محاربة تنظيم “داعش” ببلدة الباب، مما يؤكد أن النظام قد فقد أية قدرة على التأثير في سياسات موسكو، وأنه بات يخضع بالكامل لإملاءات الضباط الروس الذين أصبحوا يتحكمون بسير المعارك ويتفاوضون مع الأتراك والإيرانيين على مستقبل سوريا دون مشاركة الأسد.
ومثل فرار قوات النظام أمام مقاتلي داعش في 11 ديسمبر خطرا كبيرا على القواعد الجوية وأنظمة الدفاع الجوي S300 و S400 في تدمر، حيث ألقى الضباط الروس اللوم على قوات النظام التي فرت من الموقع تاركة للتنظيم حرية الحركة في المدينة وضواحيها، بعد أن أخلت فرع الأمن العسكري والقاعدة العسكرية المجاورة له دون مقاومة.
ولا يخفي المسؤولون السوريون خلافاتهم مع الروس، حيث نقل تقرير غربي عن أحد المقربين من الأسد، قوله: “نريد أن نسترجع كل سوريا، وأما الروس، يريدون سوريا المفيدة، وهذا هو الاختلاف الرئيس، فبالنسبة لموسكو، فإن الهدف هو استعادة المدن الكبيرة والضواحي المحيطة بها وشبكة خطوط أنابيب النفط والغاز في البلاد “، لكنه اعترف أنه:” ليس لدينا بديل… نحن لسنا سادة الموقف على طاولة المفاوضات حول عملية الانتقال السياسي “.
3-إضعاف النفوذ الإيراني لصالح المصريين:
يشعر الإيرانيون بالقلق من توجه روسيا لإضعاف نفوذهم في سوريا، ولا يخفي عناصر “حزب الله” امتعاضهم من تدخل الاستخبارات الروسية لمنعهم من بناء منشآت عسكرية سرية كانوا قد بدأوا في تشييدها بالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، وذلك حرصا على علاقات جيدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما يتردد الحديث عن وقوع اشتباكات بين الروس والإيرانيين نتيجة خلاف حول الحرس الشخصي للأسد، الذي يضم سوريين وإيرانيين من وحدة المهدي.
وبينما تمنع موسكو إيران وحلفاءها من تشييد المزيد من القواعد، تقوم في الوقت نفسه بتعزيز قدراتها في مناطق مختلفة من البلاد، حيث تقوم فرقة هندسة من القوات الجوية الروسية ببناء قاعدة جوية أخرى في “أخترين” شمال شرقي حلب، وتعمل على إنشاء مدرجات جديدة لمقاتلات القوات الجوية والقاذفات وبناء مرابض لبطاريات الصواريخ المتقدمة المضادة للطائرات.
وفي مقابل التعليمات المشددة لأجهزة الأمن السورية بإضعاف العنصر الثقافي الإيراني في البلاد، يكثف ضباط النظام المقربون من روسيا اتصالاتهم مع القاهرة التي تتبنى برنامج تعاون عسكري -أمني مع دمشق، حيث تم توزيع ضباطمصريين على أكثر من مركز تنسيق، بدأت في رئاسة الأركان السورية في دمشق وفي قاعدة حماه الجوية، وتوسعت مؤخرا لتشمل قاعدة حميميم الجوية ومطار “تي فور” في ريف حمص الشرقي، فضلا عن انتشار مجموعة من المستشارين في عدد من غرف العمليات العسكرية السورية، من درعا إلى حماه إلى جورين في منطقة سهل الغاب، ويتوقع أن يتم تعزيزها بإرسال قطعات بحرية مصرية وكتيبة هندسية من الجيش المصري، مهمتها نزع الألغام والعبوات الناسفة لتبدأ أولى مهماتها في أحياء مدينة حلب الشرقية بالتعاون مع القوات السورية والروسية.
وأكد تقرير أمني (7 ديسمبر 2016) أن مصر تمثل أحد أهم عناصر تغير معادلة الصراع في سوريا، حيث تنخرط القاهرة في تنفيذ أجندات موسكو العسكرية والعمل على توفير الدعم والإسناد لعمليات البحرية الروسية شرقي البحر الأبيض المتوسط.
ويبدو أن موسكو ترغب في استبدال ميلشيات “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني بقوات مصرية تدريجيا، بحيث يتم التعاون في المرحلة الأولى على مستوى الخبراء، بحيث يتم استبدال الخبراء الإيرانيين الذين يقدر تعدادهم بنحو 400 من الباسدران بالخبراء المصريين، ومن ثم العمل على إخراج قوات ” الرضوان “التابعة لحزب الله اللبناني والتي يبلغ قوامها نحو 4000 مقاتل، وإخراج نحو 4000 من الميلشيات الشيعية العراقية، والعمل على إحلالهم بنحو 4000 مجند مصري، والاستفادة من قدرتهم على الإمداد والانتشار بحكم موقعم الإستراتيجي في قناة السويس.
خيارات الثورة في ظل التحولات:
لا تزال الدبلوماسية التركية تسير ضمن إطار براغماتي هش، يرتكز إلى توافقات جانبية مع موسكو دون أن تحظى تلك المبادرات بتعاطف إقليمي أو دولي.
وفي ظل نأي دول مجلس التعاون بنفسها عن المبادرة التركية الأخيرة، وحديث إعلامها عن غموض التوافقات بين أردوغان وبوتين، تثور تساؤلات أوروبية وأممية حول قدرة أنقرة على ترويض الدب الروسي الجانح.
فقد حاول نتنياهو في نهاية عام 2015 التوصل إلى تفاهمات مع بوتين، لكنه أصيب بخيبة أمل من تكرار الخروقات الروسية للاتفاقات مع تل أبيب، ولا تزال الحكومة الإسرائيلية تشعر بالقلق من نوايا موسكو في حين تشتكي رئاسة أركانها من عدم التزام القيادة العسكرية الروسية بتعهداتها.
ولا تخفي دوائر الخارجية الأمريكية سخريتها من مناورات أردوغان مع بوتين، في حين يراهن الديمقراطيون على فشل تركيا بعد أن قدم كيري لبوتين تنازلات أفقدت الولايات المتحدة هيبتها الإقليمية، دون تحقيق أي إنجاز يذكر، وهي الدبلوماسية نفسها التي سار فيها الأوروبيون مع روسيا إزاء الأزمة الأوكرانية دون التوصل معهم إلى أي اتفاق.
وينظر الإيرانيون والميلشيات التابعة لهم بعين الريبة للنوايا الروسية في مرحلة ما بعد حلب، خاصة وأن بوتين قد هدد قواتهم بالقصف إذا لم يلتزموا بالاتفاق الذي أبرمه الضباط الروس مع قادة الفصائل في أنقرة، في حين يتحدث ملالي طهران عن عدم تطابق السياسات بين البلدين في المرحلة القادمة ويراهنون على الاستمرار في التصعيد والعمل على إفشال أي اتفاق يمكن أن تتوصل إليه المعارضة مع روسيا وأنقرة.
ولم تخف القاهرة امتعاضها من الاتفاق الذي أبرمته الفصائل -التي تصنفها بأنها متشددة- برعاية تركية مع الضباط الروس في منأى عنها، حيث تشعر الخارجية المصرية من أنها دفعت ثمنا باهظا على حساب تحالفاتها التقليدية مع الرياض وأبو ظبي نظير إرضاء موسكو التي رجحت كفة أنقرة وفضلت إبرام اتفاق مع الفصائل “المتشددة” بدلا من منح “منصة القاهرة” الأفضلية في المفاوضات المزمعة بالآستانة.
وفي ظل المعادلة المعقدة، ومشهد الصراع المتداخل، وتعدد أطراف الصراع، يثور الحديث عن تفاهمات روسية-كردية قد لا ترضي أنقرة، ويتساءل بعض المسؤولين الأتراك إن كانت موسكو تنوي بالفعل التخلي عن حلفائها الإستراتيجيين في طهران وبغداد ودمشق، أم أنها ستدفع بالأتراك نحو الاندماج مع ذلك التحالف عبر سياسة فرض الأمر الواقع، ومنح أنقرة بعض المكتسبات المتواضعة على أنقاض المدنيين في منبج والباب.
مما يدعونا للتأكيد على ضرورة أن لا تعول المعارضة السورية على الاتفاقيات الجانبية التي لا يمكن أن تحل محل الدبلوماسية الدولية، وأن تتوقع تحركا من قبل مختلف الأطراف الساخطة من التوافقات التركية -الروسية عاجلا أو آجلا لإفشال تلك الترتيبات، خاصة وأن الروس قد وقعوا قرار 2254، وأعلنوا موافقتهم على اتفاق “هدنة شباط”، لكنهم لم يلتزموا بأي من تلك التعهدات.
ومع أن الفصائل حققت إنجازات كبيرة في السنوات الماضية ضد حكم بشار الأسد، إلا أنها عجزت عن ترجمة تلك الإنجازات ضمن إطار بنيوي يحمي مكتسباتها، بل وقعت رهينة التشرذم والصراع البيني والخلاف الإيديولوجي الذي نتج عنه كارثة سقوط حلب.
ويلاحظ من خلال أداء الفصائل بعد حلب أنها مصرة على معالجة الأخطاء بأخطاء أكبر، من ذلك توجه بعضها للتحالف مع تنظيم القاعدة، والارتهان بأجندات خارجية، والاستجابة للضغوط التركية دون تمحيص، ومحاولة خوض غمار الدبلوماسية دون سابق خبرة أو معرفة، ولا يزال منسوبوها مصرون على الانفراد بقرارات مصيرية والتحدث باسم المعارضة على الرغم من عدم الاتفاق فيما بينهم على الخطوط العريضة لمرحلة الآستانة وتحدياتها.
وبعيدا عن الدبلوماسية الدولية، فإنه يتعين على المعارضة التحرك في خطوط موازية تقوم على الأسس التالية :
1- عدم التعويل على اتفاق وقف إطلاق النار مع الروس أو على مفاوضات الآستانة المزمعة، وأن يتم الاستفادة منها قدر الإمكان لكسب الوقت واستعادة التوازنات التي فقدتها فصائل الشمال عقب سقوط الأحياء الشرقية من مدينة حلب.
2- مقاومة جاذبية بعض الفصائل لكسب المزيد من الأعداء الإقليميين والدولين وفق منظور قاصر يتلبس بلبوس التأصيل الشرعي عند الهواة والمزايدين من قيادييهم.
3- وضع خطط ناضجة لإعادة التشكيل وفق أسس احترافية يتم بموجبها نقل المعركة من “حرب المدن” التي لم يكن من المفترض أن تخوضها هذه الفصائل، إلى “حرب العصابات” التي أثبتت أنها أكثر إثخانا وأقدر على إلحاق أضرار مباشرة بالنظام وحلفائه، والسعي من خلال ذلك إلى الانتقال من وضعية الدفاع إلى الهجوم، ومن المتلقي إلى المبادر بحيث تتمكن من ضرب الأهداف التي تختارها.
4- الاستفادة من الدبلوماسية التركية-الروسية فيما يسهم بإضعاف النظام من جهة، ويؤجج الخلاف مع طهران والميلشيات التابعة لها من جهة أخرى، فقد أثبتت التجارب أن الخلاف بين موسكو وطهران يتفاقم كلما انتقلت الثورة من مرحلة القتال إلى مرحلة الدبلوماسية، ويمكن ملاحظات الجهود التي يبذلها أركان النظام في الأيام الأخيرة من خلال جولاتهم المكوكية بين طهران والقاهرة لرأب الصدع وتوضيح المواقف الساخطة لكلا العاصمتين.
5- الاستفادة من التحولات التركية في المجالين السياسي والعسكري لإضعاف القوى الانفصالية الكردية بهدف حماية وحدة البلاد ومنع مشاريع التقسيم، وفتح قنوات التواصل والتنسيق مع القوى الكردية المناوئة لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في هذا المجال.
6- العمل على استعادة الزخم الشعبي والدفع باتجاه إعادة توحيد القوى السياسية فيما يتوافق مع تحولات المرحلة، وذلك بالاستناد إلى الخبرات السياسية والتمتع بفضيلة التشاور مع أهل الخبرة في مجالات المفاوضات وفض النزاعات وإدارة الصراع.
ويجب أن ترتكز جهود المعارضة على إدراك أنه مهما كانت نوايا بعض الدول الداعمة والصديقة صادقة تجاهها، إلا أن الوضع السياسي المعقد، والمصالح القومية والقطرية، والموازنات المتشابكة، تلجئ تلك الدول إلى مواقف وأفعال ليست بالضرورة في مصلحة الثورة السورية.
shaam.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى