آراء

تدوير الأزمة السورية بين جنيف والاستانة

فصلة يوسف

في ظل استمرار الأعمال العدائية بين الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، جرّاء تشبّث النظام وحلفائه بالخيار العسكري، وعدم اكتراثهم بمخرجات الحوار في الآستانة، فضلاً عن ضرورة التزامهم بالقرار الأممي 2254 خلال محادثات السلام في جنيف، حيث انتهت الجولة السادسة بدون إحراز أيّ تقدّم على مسار الأزمة السورية من مفاوضات بسبب عدم جديّة النظام وحلفائه الروس والإيرانيين في إنهاء الازمة المستعصية وفق مقرارات “جنيف -1″، في ظل ذلك، أضحت مباحثات جنيف “مفاوضات من أجل المفاوضات”. ذلك أن الاطراف المشاركة ليست لديها النية والقرار في أن يحصل اختراق في جدار الأزمة المستدامة. وبات جليّاً بأن استخدام روسيا الفيتو للمرة الثامنة لصالح نظام الأسد، زيادة التأكيد على أن هدف موسكو كان وما زال الابقاء على الأسد ونظامه. وما صرح به المسؤولون الروس خلال اجتماعاتهم مع الهيئة العليا للمفاوضات بأنهم “ليسوا مع عملية الانتقال السياسي، ويرفضون بشكل قاطع، تنحية الأسد”.
وبما ان روسيا اللاعب الاساسي في المشهد السوري فهي ما زالت تراوغ، وتعمل على إلهاء المجتمع الدولي بحوارات ولقاءات الأستانة، بغية إفشال مباحثات جنيف، والتي تجري تحت مظلة أممية، وإعطاء مزيد من الوقت لقوات النظام وميليشاته المدعومة من إيران كي تحقيق مزيد من التمدد على الجغرافية السورية ومواصلة الأعمال القتالية ضد المدنيين وعمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، كما حدث في البلدات الأربعة (زبداني- كفريا- الفوعة- مضايا) والتي ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية.
وبعيداً من الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات، جراء استخدام النظام الأسلحة الكيمائية على بلدة “خان شيخون” فقد صعّدت الإدارة الامريكية من لهجتها بخصوص مسألة بقاء الأسد من عدمه، خلافاً للتصريحات الأمريكية السابقة، بأن “مستقبل الاسد سيقرره الشعب السوري” وأن “أوليتنا في سوريا هي القضاء على داعش ودحره”. لكن عمليّاً، لم يطرأ أيّ تغيير نوعي على السياسة الامريكية في سوريا، وبقي الهمّ الاول لواشنطن القضاء على “داعش”، والحدّ من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة. على اعتبار ان كليهما يشكلان مخاطر جمة على الأمن القومي الامريكي ومصالح واشنطن في المنطقة.
وبالرغم من تردد الإدارة الامريكية ومخاوفها من انزلاق أمريكا في المستنقع السوري، إلا إنها وجهت ضربات إلى الميلشيات الموالية للأسد والمدعومة من إيران للاستيلاء على المعابر الحدودية في بادية الشام. وهذه الميلشيات التي يقودها قاسم سليماني عبرت منطقة (نزع التوتر) في معركة المعابر. الأمر الذي شكل تهديداً على القوات الامريكية والمعارضة الموالية لها، بحسب تصريح البنتاغون.  ما أستدعى التصدي للنزعة العدوانية التوسعية لإيران في المنطقة.
ويبدو جليا بأن إدارة دونالد ترامب تعمل على صياغة استراتيجية جديدة في سوريا من خلال بناء تفاهمات مع الجانب الروسي، وإجراء محادثات سرية وعلنية لإقامة منطقة لتخفيف التوتر في جنوب غرب سوريا، علاوة على أنشغالها بتحرير مدينة الرقة من تنظيم “داعش” الإرهابي. وهنا، تجدر الإشارة أنه تواردت أنباء عن مفاوضات بين امريكا وقوات سوريا الديمقراطية، من جهة وتنظيم “داعش” من جهة أخرى، عبر وساطة عشائرية لتسليم المدينة، وخروج مقاتلي “التنظيم” عبر ممر آمن، الى شمال شرق سوريا. وهذا ما عارضه كل من روسيا والنظام بغية إطالة آمد الازمة، والاستفادة من ملف الإرهاب، لتعطيل جولات جنيف القادمة.
من جانب آخر، ما حصل مؤخراً من انقسامات في البيت الخليجي حيال دولة قطر، والاتهامات المتبادلة بين الدول الخليجية، ودخول أكثر من لاعب إقليمي ودولي في مسار الازمة الخليجية، من المتوقّع ان تتأثّر العملية السياسية في سوريا جراء الأزمة الخليجية. ويبقى المستفيد الأول من هذه الأزمة هو النظام السوري والإيراني.
لا شك بأن كل هذه التعقيدات والمعطيات الجديدة ستلقي بظلالها على مساعي حلّ ملفّ الأزمة السورية. ناهيكم عن الانقسامات والتشرذمات التي تعاني منها المعارضة السورية، ومشاركة أكثر من منصة في مفاوضات جنيف الأخيرة. هذه الأمور مجتمعة، تفضي بالضرورة إلى إطالة آمد الصراع في سوريا، وتصب في طاحونة بقاء الاسد ونظامه، وتقلل من فرص النجاح في المحادثات السلمية بين النظام والمعارضة في مؤتمر جنيف القادم.

المركز الكردي السويدي للدراسات
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى