من الصحافة العالمية

ترامب وسورية بعد مجزرة خان شيخون

رضوان زيادة
قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً، أن يوجه ضربة عسكرية للنظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيماوي مجدداً في بلدة خان شيخون في إدلب. وعكست تصريحات ترامب ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون تغيراً جذرياً في موقفهما تجاه الأسد وتطورات الأزمة السورية، فقبلها بأسبوع تقريباً، صرح وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة ترى أن «تركيز الأزمة على الموقف من الأسد غير مجد، وأن القرار النهائي في شأن الأسد يعود إلى السوريين».
بعد مجزرة خان شيخون أعلن تيلرسون أن لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية في سورية، وأن تصرفه البربري في استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه لن يمر من دون عقاب. السؤال الآن: هل ستكتفي الولايات المتحدة بضربات جوية عسكرية من البحر ضد أهداف عسكرية محدودة كما حدث في استهداف مطار الشعيرات الذي خرجت منه الطائرات السورية التي قصفت المدنيين بالسلاح الكيماوي في خان شيخون، أم أنها ستستغل فرصة التأييد العربي والدولي الكبير التي حصلت عليه هذه الضربة لبناء استراتيجية سياسية وعسكرية كبرى تضمن انتهاء الصراع في سورية وتؤدي إلى عودة السوريين اللاجئين والنازحين إلى بلدهم.
إذا قررت الولايات المتحدة القيام بضربات محدودة، فإن ذلك لن يؤدي إلى الهدف الكلي بل ربما يزيد تعقيد الأمور، بخاصة إذا قررت روسيا التصعيد عسكرياً في سورية، وقرر نظام الأسد تكثيف الغارات الجوية ضد المدنيين، ولذلك على إدارة ترامب أن تنتهز الفرصة وتطور استراتيجية كلية تهدف إلى حماية المدنيين في سورية وتقود في النهاية إلى عملية انتقالية سياسية، تعيد للسوريين الثقة بأنفسهم وبقدرتهم على إدارة شؤونهم، وتحررهم من سنوات الاضطهاد والظلم الطويل الذي عاشوه تحت حكم الأسد.
في مركز حماية المدنيين يجب أن يكون هناك فرض حظر جوي يمنع استخدام الأسد لسلاح الجو ضد المدنيين بالمطلق، فالعدد الأكبر من الضحايا المدنيين الذين سقطوا في سورية والذي تجاوز النصف مليون، يعود إلى الاستخدام المكثف لسلاح الجو من قبل قوات الأسد، وهو ما دفع أيضاً العدد الأكبر من السوريين إلى اللجوء أو الهجرة، لأن الاستخدام الأعمى للبراميل المتفجرة دفع الملايين منهم للهرب إلى حيث يستطيعون، خوفاً من هذه القنابل الغبية التي تستهدف المدنيين حصراً، وكان هدفها الرئيسي جعل المناطق التي خرجت عسكرياً عن سيطرة نظام الأسد غير قابلة للعيش أو الحكم، ونجحت هذه الاستراتيجية إلى حد كبير، لكن تأثيرها في المدنيين كان أشبه بسياسة التطهير العشوائي، فكل برميل متفجر يعادل تقريباً جريمة حرب، حيث أن هذا البرميل لا يلتزم بأي من القواعد المنصوص عليها في قوانين الحرب أو القانون الإنساني الدولي، في ما يتعلق بالمبادئ الرئيسية الثلاثة، وهي أخذ الاحتياطات الضرورية في عدم استهداف المدنيين، فهي مصممة أصلاً من أجل استهداف المدنيين، والمبدأ الثاني يستوجب عدم المبالغة في رد الفعل، وهو عكس تماماً ما يقوم به البرميل المتفجر عندما يسقط على الأحياء السكنية ويحولها إلى خراب، أما المبدأ الثالث فهو يقوم على مبدأ عدم العشوائية، وهو عكس ما تقوم به البراميل المتفجرة فهي سلاح لم يتم تطويره بأي شكل كي يكون دقيقاً، وإنما تمّ الاعتماد عليه لرخصه وعدم الحاجة إلى اتخاذ الكثير من الإجراءات لاستخدامه فيمكن إسقاطه من أي طائرة على أي منطقة من دون إجراءات احترازية.
وبالتالي، عندما نتحدث عن حماية المدنيين، يجب أن يكون في قلب ذلك منع استخدام البراميل المتفجرة، ومن ثم لا بد من إعلان مناطق آمنة من الاستهداف من قبل نظام الأسد ومن قبل تنظيمات إرهابية مثل «داعش» و»النصرة» وغيرها، ولا بد أن يشعر السوريون أن عودة الأمن إلى بلدهم ممكنة، وأنه بعد ست سنوات من إهمال المجتمع الدولي لمعاناتهم فإنه سيضمن لهم اليوم مجدداً الأمن والحرية في حكم أنفسهم بأنفسهم، من دون تدخل القوى الإقليمية أو الدولية كروسيا وغيرها، ولما كانت إدارة ترامب قد أعلنت عن إنشاء هذه المناطق الآمنة خلال الحملة الانتخابية، فإن ذلك يشكل التزاماً منها بضرورة المضي قدماً بالفكرة، وربما تجدد الكلمات القاسية التي رددها ترامب بحق بشار الأسد تعهده والتزامه بالقيام بذلك، وبالتالي تكون المناطق الآمنة فرصة من أجل ضمان عودة ملايين اللاجئين الذين شردتهم الحرب في سورية، وجعلتهم «سلعة» يتم استخدامها سياسيا من قبل العديد من السياسيين وبخاصة من اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، فعودتهم الكريمة لن تتم سوى بضمانات دولية بإنهاء الرعب والموت القادم من السماء على يد نظام الأسد عبر براميله المتفجرة وقصفه العشوائي للمدنيين.
من دون تطوير هذه الاستراتجية ربما تقوي هذه الضربات الجوية المحدودة حليف الأسد، متمثلاً في روسيا ويدفعها لإجراءات انتقامية ضد المدنيين، ولذلك على إدارة ترامب أن تدرك أن الالتزام بسورية يعني التزاماً طويل الأمد يضمن إنهاء أسوأ كوارث العصر من صنع دكتاتور دموي، لم يتردد لحظة في استخدام الغازات السامة ضد الأطفال والمدنيين الأبرياء. إذا سمحت إدارة ترامب للأسد بأن ينجو هذه المرة تكون قد أضاعت فرصة لن تتكرر أبداً، والأهم أنها ترسل رسالة إلى كل القادة المستبدين في العالم أن السيادة التي يدعونها في قتل شعبهم تم ترخيصها دولياً، كما حصل بعد استخدام الأسد السلاح الكيماوي في 2013 وعندها تجنب أوباما عقاب الأسد، الذي حصل حينها على رخصة دولية لاستمرار القتل بكل أنواع الأسلحة بما فيها السامة حيث استخدم غاز الكلورين أكثر من مرة، وهو ما أكدته اللجنة الأممية المشكلة من قبل مجلس الأمن، واستخدمت روسيا الفيتو من أجل منع إدانة الأسد في شباط (فبراير) الماضي.
أظهر ترامب اليوم قيادة جديدة في سورية، بعد استخدام السلاح الكيماوي في خان شيخون، ولكن هذه القيادة الجديدة تستوجب تطوير استراتيجية يكون مركزها حماية المدنيين السوريين ممثلة في فرض حظر جوي، وإنشاء مناطق آمنة.
إذا استطاعت إدارة ترامب الارتقاء إلى هذه المستوى، فإنها ليس فقط ستعيد صورة الولايات المتحدة المهشمة دولياً، وإنما ستزيد شعبية ترامب داخلياً، بخاصة أن تصريحاته تجاه صور خان شيخون أظهرت رئيساً إنساناً عكس ما صور خلال الحملة الانتخابية، ودوماً يقال في السياسة الخارجية الأميركية أن الأحداث اليومية هي التي تصنع السياسة الخارجية وتصنع السياسيين وليس العكس. هذه فرصة خيرة لسورية ولترامب، فهل نستطيع البناء عليها لإنقاذ ما تبقى من سورية وطناً وإنساناً؟
 
الحياة

جميع المقالات المنشورة تعبر عــــن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي يكيتي ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى