تركيا..خارطة سياسية جديدة بعد الانتخابات
صبري حاجي
خارطة سياسية جديدة في المشهد التركي بعد اكثر من عقد من تفرد حزب العدالة والتنمية بالحكم رسمته نتائج الانتخابات البرلمانية الحالية ,اثر منافسة حادة وقوية بين القوى السياسية الفاعلة على الساحة الداخلية شعبياً واعلامياً ,حيث برزت على الساحة ولأول مرة في تاريخ تركيا منذ اعلان الجمهورية التركية ,ونقل العاصمة من استانبول الى انقرة على يد مصطفى كمال اتاتورك الأب الروحي للأتراك ,المناهض العتيد لحقوق شعوب تركيا وعلى الأخص الشعب الكوردي ومن قبله السلطنة العثمانية التي حكمت البلاد والعباد بالحديد والنار , واستعمرت البلدان العربية والاسلامية ونومتهم باسم الدين لأربعة قرون متتالية الى ان ألمت بها مرض العضال ,استفحلت اشلائها ,تظهر حدث سياسي كبير وبداية مرحلة جديدة في الحياة السياسية التركية ,بصعود حزب الشعوب الديمقراطي الى قبة البرلمان متجاوزاً 10 بالمئة ,النسبة المطلوبة قانوناً , التي وضعت اساساً لمنع وصول الكورد الى المجلس النيابي بالطرق الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع وابعادهم عن اداء دورهم والواجب الملقاة على عاتقهم تجاه الوطن من جهة ,والدفاع عن حقوق الشعب الكوردي وحمايته من الضياع والانصهار في البوتقة التركية من جهة أخرى .
وبذلك يكون الحزب قد حقق فوزاً عظيماً بعد ان اصبح رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه وتهميشه في المعادلة السياسية التي افرزتها نتائج الانتخابات التي جرت في السابع من الشهر الجاري ,وتأثير ذلك ايجاباً على عملية السلام الداخلي التي اطلقت بموجب الاتفاقية السرية بين السيد عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكوردستاني ورئيس الاستخبارات التركية ” فيدال ” وكذلك الساحة السياسية والرأي العام التركي والعمل لأنهاء الكفاح المسلح وفتح الطريق امام النضال السياسي ,بما يخدم التقدم الاقتصادي والاجتماعي واطلاق الحريات لكافة الشعوب والاقليات الموجودة في تركيا ,بعدما اصبح حزباً وطنياً تركياً متقدماً لأن القومية باتت شيء من الماضي حسب مفهوم الحزب .
بما ان حزب العدالة والتنمية الحاكم المنفتح على الكورد والقضية الكوردية في تركية اكثر من غيره من الاطراف والقوى السياسية ,لم يحرز الاغلبية المطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة المقبلة بمفرده ,ما اصيب زعيمه أردوغان بخيبة أمل غير معهود بعد تراجع شعبية حزبه وتبخر حلمه في تحويل تركيا من نظام برلماني الى نظام رئاسي ,كما تمنى ذلك ,سيجد نفسه مضطراً الى تشكيل حكومة أئتلافية مع قوى هي في الغالب على اختلاف مع افكاره وتوجهاته الاسلامية كحزب الشعب الجمهوري والحركة القومية ,هنا يأتي دور حزب الشعوب الديمقراطي الأقرب إلى هواجسه ,خاصة أنهما دشنا معاً مشروع حل القضية الكوردية في البلاد ضمن اطار الدولة التركية ,لذا من المبكر للسيد دمرتاش الاعلان عن عدم نية حزبه في الدخول الى التحالف مع حزب العدالة والتنمية ,منعاً لإجراء انتخابات مبكرة عند استحالة تشكيل حكومة بعد ثلاثة أشهر من الآن, وكذلك فرصة ثمينة لحزب الشعوب الديمقراطي للضغط عبر البرلمان باتجاه الاعتراف الدستوري بالشعب الكوردي وحقوقه القومية المشروعة وصولاً الى السلام الدائم بين الشعبين الكوردي والتركي وفق العهود والمواثيق الدولية .
ومهما يكن يبقى حزب العدالة والتنمية الأهون والأقرب الى الكورد من حزب الشعب الجمهوري ومؤسسه اتاتورك ,الذي تنكر لوجوده ومارس العنصرية بأبشع صورها ضده ,وارتكب أجهزته الأمنية القمعية أعمالاً وحشية بحقه يفوق العقول والتصورات ,كما ان عقارب الساعة لن تعود الى الوراء ,فان الوضع في تركيا لن يعود كما كان ,وسيكون هناك بالضرورة تغيير في السياسة الداخلية تجاه قضايا الحريات العامة والديمقراطية وعلى وجه الخصوص القضية الكوردية مما ينبثق عنها تغيير في السياسة الخارجية تجاه قضايا المنطقة وتحديداً الوضع في سوريا والعراق ,ولا يستطيع الكورد فرض مطالبهم إلا في ظل حكومة تركية ضعيفة ,تحتاج الى الكورد بعيداً عن الهيمنة والاستعلاء وفرض الشروط بالقوة كما جرت العادة .
12.06.2015