آراء

تركيا ورقعة الشطرنج

محمد رمضان
بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا وما حصل من تراجع في شعــبية حزب العدالة والتنمية لمصلحة حزب الشعوب الديمقراطي الذي يقوده صلاح الدين دمرتاش والذي يقال إنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، وبعدما شـــهدت تركيا عمـــليات اغتيال وتفجيرات في بلدة سروج وتظاهرات في مدن جنوب شرقي تركيا ذات الغالبية الكردية، اتهم تنـــظيم الدولة الإســـلامية «داعش» ببعضها بينما تبنى حزب العمال الكردستاني المســـؤولية عن معظمها، وخصــوصاً قتل الضـــباط والجـــنود في كل من دياربكر وأورفا، يبــدو أن تغيرات جذرية تحصل في مسيرة عملية السلام ومدى التزام حزب العمال بها، ويبدو المشهد متناسقاً مع عملية التســخين التي ارتفعت وتيرتها بين الجانبين التركي والكردي.
هنا، وجدت تركيا نفسها مضطرة للرد على الهجمات، لكنها ليست في وضع تحسد عليه، فهي تحارب وتواجه – نظرياً وعملياً، مباشرة و عبر الوكلاء – أكثر من خصم على أكثر من جبهة: «داعش»، حزب العمال الكردستاني، وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، إيران، والنظام السوري، بينما لا تبدو علاقتها مع حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة على خير ما يرام.
قصف سلاح الجوي التركي بعض المواقع لتنظيم الدولة داخل الأراضي السورية، وكذلك مواقع حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق. لكن عين أنقرة كانت منذ البداية على الكرد الذين تتوجس منهم خشية الربط بين المناطق الكردية في شمال سورية (الحسكة، الجزيرة، كوباني، عين العرب، عفرين) لإقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية، تعتبره أنقرة خطاً أحمر وفق مقتضيات أمنها القومي. ولذلك ربما كانت الحصة الكبرى من قصف الطائرات التركية من نصيب العمال الكردستاني الذي يتحدث منذ أيام عن «نهاية عملية السلام مع الحكومة التركية».
كل ذلك يبرر قلق الحكومة التركية ويحيّرها، بل ما زال يخيّب أملها برفض الولايات المتحدة إعلان منطقة آمنة في شمال سورية، بحماية طيران التحالف الدولي. وقد فتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قاعدة أنجرليك لحرب التحالف على «داعش»، واختار «تقسيم» الحدود مع سورية وتجزئتها في المناطق المغلقة، لتشديد الرقابة على تسلُّل مقاتلي «داعش»، فيما المقاتلات التركية تلاحق حزب العمال والمدفعية التركية تقصف نقاط وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي في سورية. ويمكن القول إن ما تحاوله الحكومة التركية الآن هو ترميم صورتها كحكومة قوية وقادرة على حماية الأمن القومي التركي وحماية المواطنين الأتراك.
وينبئ ارتفاع وتيرة الاتهامات بين حزب الشعوب الديموقراطي وحزب العدالة والتنمية بأن تركيا تتجه نحو الأزمة الداخلية الأكثر تأزماً بين التيارات السياسية، حتى وصل الأمر إلى التهديد بسحب الحصانة البرلمانية عن نواب من حزب الشعوب، بينما اتهم دمرتاش حزب العدالة بجر البلاد نحو الفوضى.
وفي ظل حالة انعدام الوزن السياسي في تركيا، وخطر «داعش»، وتداعيات الحراك الكردي، واستحقاق الانتخابات المبكرة، يمكن القول إن اللعبة صعبة والفائز هو من سيحسن تحريك الحجارة على رقعة الشطرنج المليئة بالألغام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى