تفاقم ظاهرة التسول في مدن كُردستان سوريا
التسول ظاهرة خطيرة، باتت منتشرة بشكلٍ كبير في السنوات الثلاث الأخيرة في مدن الجزيرة، وخاصةً في مدينتي (الحسكة والقامشلي) وذلك بسبب الهجرة والفقر الذي أصاب المجتمع حتى أصبحت ظاهرةً تهدّد المجتمع بأكمله وتنذر بالعديد من العواقب.
فهي ظاهرة ترفع نسبة الإعالة والبطال بشكلٍ كبير، وتؤدّي إلى الانحراف الأخلاقي والفكري.
ويُعتبر التسول ظاهرة بشعة جداً، إذ يتخلّله الكذب والتظاهر بالعجز، ويُعتبر هذا أحد طرق الاحتيال على الناس، وتتخذ هذه الظاهرة أشكالاً عدة مبتكرة لاستعطاف أفراد المجتمع والحصول على المال من أجل توفير لقمة العيش له ولأولاده، ومهما كانت هذه الطريقة بشعة إلا أنّها موجودة، ويلجأ إليها الكثير من المتسوّلين من أجل العيش والاستمرار، ويكون السبب عدم القدرة على العمل بسبب المرض أو العجز، وعدم وجود أي دخل يؤمّن الاحتياجات الأساسيّة لأفراد عائلته.
من أبرز أشكال التسول، استغلال الأطفال في عمليّة التسول، فمنهم مَن يعرض أطفاله أو الرضع ذوي التشوهات والإعاقات البدنيّة ليراهم الناس ويعطفون عليهم أو عرض تقارير طبيّة ربما تكون مفبركة أو صادرة عن جهة صحيّة خاصة أو ربما مكتوبة بخط اليد، بهدف الوصول إلى غايتهم في جمع أكبر قدر ممكن من المال وذلك عن طريق تكرار بعض الجمل والكثير من الأدعية والإلحاح، مما يجعل بعض الأشخاص يعطون أي مبلغ من المال بسبب مللهم من الإلحاح والتخلص منهم.
يقول السيد أحمد صاحب أحد المحلات التجاريّة الموجودة في المربع الأمني بمدينة الحسكة إنّه يومياً يجد أكثر من 20متسولاً من الأطفال والنساء والمسنين أثناء ساعات عمله، يتوسّلون إليه ولزبائنه أحياناً لأجل الحصول على المال مما يسبّب له أحياناً الحرج والضرر.
كما أضاف أحمد في تصريحٍ ليكيتي ميديا، إنّه يعطف على بعضهم ويعطيهم المال، إلا أنّ أعداد المتسوّلين أكثر مما نتصوّر، فمنهم مَن يشكّلون شبكةأو عصابة، فيخبرون بعضهم فيأتون واحداً تلو الآخر للحصول على المال، فلا يمكنني مساعدة الجميع، فدخلي اليومي لا يسمح لي.
وعدا كل ذلك هناك أعداد كبيرة من المتسوّلين هم من الفتيات والنساء الذين قد يصل بهم الأمر في العديد من الحالات إلى المواقف المهينة والبشعة، كالتحرش بهم من قبل الآخرين.
وتتنشط هذه الظاهرة كثيراً في أوقات معينة ومواسم دينيّة معينة (كشهر رمضان والأعياد الدينيّة) وأيضاً تكثر في (المساجد والكنائس والمحلات التجاريّة والأسواق وجوانب الطرقات بالإضافة إلى المقاهي والمطاعم والأماكن المزدحمة كالعيادات والكراجات).
كما أنّه هناك فرق من المتسولين يتوجهون إلى الأحياء، ويطرقون الأبواب واحداً تلو الآخر، وهذا الأسلوب خاصةً يعد أحياناً سبيلاً لتسهيل ارتكاب جرائم السرقة والاحتيال والعديد من الجرائم الأخرى.
يقول أحد السائقين (فضّل عدم الإفصاح عن اسمه) ليكيتي ميديا إنّه يعمل منذ أكثر من 15سنة في الكراج على خط (عامودا _الحسكة) وإنّه يرى العديد من المتسوّلين الصغار والنساء والمسنين يومياً في الكراج منهم مَن يحمل تقارير طبيّة نفسها، منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويردّد ذات الجمل لاستعطاف قلوب الركاب، ومنهم من يتسوّل بشكلٍ غير مباشر عن طريق بيع سلعة بهدف الحصول على المال”.
كما أن ظاهرة التسول أصبحت للبعض مهنة يستمرّ بها لجمع الأموال حتى لو كان قادراً على ممارسة عمل آخر، يحفظ بها كرامته ولا يتعرّض للإهانة.
بالإضافة إلى رؤية بعض الذين يمتهنون التسول على الرغم من امتلاكهم لأملاك وأموال يستطيعون العيش بها دون الحاجة لعون أحد، وأيضاً هناك مَن يكتسبها كوراثة من الأب أو أحد أفراد العائلة فيكون مقلّداً لأهله ويحترف المهنة.
تقول ممرّضة أحد الدكاترة في مدينة قامشلو ليكيتي ميديا إنّها تصادف باليوم الكثير من المتسولين، مشيرةً إلى أنّها “صادفت ذات يوم دخول امرأة تلبس لباساً متسخاً وبيدها تحاليل تشير إلى ضرورة إجراء عمليّة لكليتها بعد الحصول على المال وخروجها سمعت إحدى المريضىات تقول إنّها تعرف المرأة وحالتها ميسورة جداً وليست بحاجة للمال فهي تملك شقتين وسيارة، إلا أنّها تتسوّل بالرغم من عدم حاجتها فقد اعتادت عليها وامتهنتها بحرفية”.
وفي جميع الحالات يعتبر التسول مشكلة مصدرها البطالة وعدم توافر فرص العمل وتقع مسؤوليّة هذه المشكلة على عاتق الجهات المعنيّة في المدن، ومن أحد حلول الحدّ من هذه الظاهرة هي إتاحة الفرص أمام الأشخاص العاطلين عن العمل وذلك عن طريق فتح دورات وتدريبات في المجالات التي يمكن اللجوء إليها لتعلم مهنة معينة مثل (تمديدات الكهرباء، الصحيّة، تركيب الآلات، الحلاقة، الخياطة، الميكانيك، الحدادة وغيرها العديد من المهن..) فهناك الكثير من الأطفال يتسرّبون من المدارس بسبب ظروف معينة، والبعض من الشباب والرجال الذين لا يمتلكون شهادة أو مهنة يؤمّنون بها لقمة عيشهم عند إتاحة الفرصة لهم لتعلم مهنة وكسب لقمة العيش منها وبذلك يمكن الحدّ من ظاهرة التسول والبطالة نوعاً ما.