تكشف عن عمليات قتل بتوقيع من الأسد.. محقق كندي يجمع مليون وثيقة تدين النظام بأبشع الجرائم
أفاد تقرير لصحيفة The Times البريطانية، عن وجود 265 صندوقا كرتونيا بداخلها مليون صفحة من الوثائق، تحوي إحاطاتٍ استخباراتية عالية السرية، تُبَيِّن التعذيب المنهجي لنظام بشار الأسد وقتله للمعارضين السوريين.
وبحسب التقرير الذي ترجمه موقع “عربي بوست”، فإن معظم الوثائق ضمن الصناديق منقوش عليها العُقاب الذي يُشير إلى نظام الأسد، ويحمل بعضها توقيع رأس النظام بشار الأسد نفسه، مشيرا إلى أنها مخبئة في غرفة محصنة مغلقة وتراقبها الكاميرات في مكان سري بإحدى المدن الأوروبية.
ويقول التقرير إن الغرفة تعتبر أكبر مخبأ لوثائق تخص حرباً ما زالت جاريةً (الحرب في سوريا)، والتي تدين نظام الأسد بأبشع الجرائم، ومع استعادته لمناطق واسعة من سوريا، يُظهر هذا الأرشيف المذهل للشر كيف حقَّق الأسد فوزه.
هذا المشروع السري لجمع الأدلة على جرائم حرب الأسد هو من بنات أفكار بيل ويلي (54 عاماً)، وهو جندي كندي سابق ومُحقِّق في جرائم الحرب، أُصيب بالإحباط في العمل بالمحاكم الجنائية الدولية، التي رأى أنَّها بطيئةٌ في تحقيق العدالة ومُكلِّفة للغاية.
جمع الوثائق
قال ويلي إنَّ ما جمعه يُثبت “مئات المرات أنَّ الأسد يسيطر تماماً على كل ما يحدث في النظام، وهو مسؤول عن عمليات قتل أكثر بكثير من التي ارتكبها داعش الإرهابي”
جمع الوثائق وهرَّبها سوريون من داخل البلاد. وقد دفع البعض حياتهم ثمناً لذلك، وما يزال اثنان منهم محتجزَين لدى النظام.
في المقر الرئيسي المجهول لويلي، حيث لا توجد لافتة على الباب أو هواتف على المكتب، مُسِحَت كلُ صفحةٍ أحضروها ضوئياً لإنشاء أرشيفٍ رقمي، وتعيين رمزٍ شريطي ورقم لكل صفحة، وتخزينها في الصناديق.
بدأ المشروع في السنة الأولى من عمر الثورة عام 2011 بتمويلٍ بريطاني. وبالتعاون مع الجيش السوري الحر، درَّب ويلي 60 متطوعاً.
وأوضح ويلي أنَّ “الشيء المهم الذي أردناهم أن يركزوا عليه هو الوثائق التي تخص النظام لأنَّ ما نحتاجه هو إثبات مسؤوليته وإدانته”.
الأسد يوثق أعماله بدقة
لم يكن هناك نقص في المواد. فعلى شاكلة النازيين، يُوثق نظام الأسد أعماله بدقة. وعادةً ما يوقّع كبار المسؤولين على كل وثيقة عندما تمر الأوراق عبر مكاتبهم، وغالباً ما تحمل أختاماً تُحدد هوية المُوقِّع.
ويقول ويلي: “هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها أي شخص بتجميع سلسلة القيادة التي تُظهر كيف تمتد حتى القمة. الآن لدينا صورة جيدة للغاية عن آلية عمل النظام السوري”.
كشفت الوثائق أنَّه في الأيام الأولى للاحتجاجات في مارس/آذار 2011، أسَّس الأسد الخلية المركزية لإدارة الأزمة كنوعٍ من أنواع مجالس الحرب الاستشارية.
وكانت هذه الخلية تجتمع كل ليلة تقريباً في مكتب بالطابق الأول من قيادة حزب البعث في وسط دمشق، وتناقش استراتيجيات سحق المعارضة.
ولتوفير هذه المعلومات التفصيلية اللازمة حول كل مظاهرة احتجاجية، طلبت الخلية تقارير من لجان الأمن ووكلاء الاستخبارات في كل محافظة.
وتُظهر المستندات الموجودة في مخبأ الوثائق هذه التقارير القادمة من أجهزة الأمن، والأوامر الصادرة بشأنها، ثم التقارير التي تفيد بنجاح تنفيذ هذه الأوامر المنطوية على القمع.
يقول ويلي: “السؤال هو: من يتحكم في الخلية المركزية لإدارة الأزمة؟ والأدلة دامغة على أنَّه الأسد. حتى لو لم يجلس في الاجتماعات، نعرف أنَّه يطَّلع على محاضر الاجتماعات ويُقر توصياتها”.
لائحة اتهام هائلة ومعقدة
وعلى النقيض من التقارير الأولية، التي كانت تفيد بأنَّ السلطة الحقيقية تقع في يد شقيقه ماهر، قائد الحرس الجمهوري، كشفت الأوراق -على حد قول ويلي- عن أنَّ “الأسد ليس رئيساً صورياً؛ بل لديه سلطة فعلية وشرعية يمارسها. الكل يتحدث عن ماهر، لكنَّنا لم نعثر على شىء يخصه”.
” لدينا الكثير بخصوص الأسد، الأمر يشبه لائحة الاتهام الهائلة والمعقدة التي كانت موجهة ضد الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش”.
هذه الوثائق مُعَزَّزَة بنحو 55 ألف صورة هُرِّبت من سوريا على يد ضابط في الشرطة العسكرية معروف باسمه المستعار “قيصر”. صوَّر هو وفريقه جثث المعتقلين -أحياناً كانت تصل إلى 50 جثة في اليوم- التي تُسَلِّمها أجهزة الأمن إلى المستشفيات العسكرية.
وكان لكل جثة رقم مسلسل فريد مكون من 4 أرقام، مكتوب بشكلٍ مهمل على عُصابة أو على جبهة الجثة بقلم تحديد سميك الخط.
وهناك رقم آخر يدل على فرع الاستخبارات الذي قُتل فيه الشخص. وقد تعرض الكثيرون منهم للضرب والتشويه والحرق والضرب بالنار، وفي بعض الحالات للانصهار.
مثل هذه الأعمال وصفها الناجون في سوريا من قبل، لكنَّها لم تُربَط قَط بالأوامر المُوقَّعة التي وافق عليها الأسد.
غالبية الجرائم ارتكبها الأسد
عام 2014، قامت منظمة “ويلي”، وهي لجنة العدالة والمساءلة الدولية، بتمديد تحقيقاتها إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي انتقل إلى سوريا ثم العراق.
وقال ويلي: “حاز تنظيم داعش الاهتمام في الغرب بسبب الطريقة التي أعلن بها عن أفعاله على الشبكات الاجتماعية، وطرقه الإبداعية في قتل الناس مثل حرقهم أحياءً، وكذلك بسبب الطريقة التي بثَّ بها الخوف في نفوس الغرب. لكنَّ الغالبية الساحقة من الجرائم التي حدثت في سوريا ارتكبها نظام الأسد، وليس تنظيم داعش”.
وتُظهر الوثائق أيضاً كم كان نظام الأسد قريباً من الانهيار والهزيمة، أولاً في عام 2013 عندما تَدخَّل لمساعدته “حزب الله”، الميليشيا اللبنانية المدعومة من إيران، ثم في عام 2015 قبل انضمام الروس بقواتهم الجوية.
عمل ويلي سابقاً محققاً بالمحاكم الجنائية في رواندا والكونغو ويوغوسلافيا السابقة. وكان أيضاً محامي دفاع لصدام حسين بعد اعتقاله.
وتكلَّف مشروعه حتى الآن 23 مليون يورو، وهو مبلغ ضئيل مقارنةً بميزانية المحكمة الجنائية الدولية التي تبلغ مليار دولار.
الأمر بيد مجلس الأمن
ويؤكد ويلي أن “الأمر الأكثر إحباطاً هنا هو أنَّه بعد كل هذا العمل والمخاطر، يبدو من غير المرجح أنَّ الأسد سيخضع للمحاكمة”.
وأعَدَّت لجنة العدالة والمساءلة الدولية مذكرةً قانونية مؤلفة من 499 صفحة تُقدم سجلاً للتعذيب الذي تم برعاية الدولة، والذي لا يمكن تقريباً تصور مدى حجمه ووحشيته.
لكن خلافاً للإبادة الجماعية التي وقعت في البوسنة ورواندا، لا توجد محكمة مُخصصة للنظر في جرائم الحرب بسوريا، ولا يُحتمل أن تكون هناك في المستقبل المنظور.
ويستطيع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وحده إحالة نظام الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقد أعاقت روسيا، أقوى حليف لنظام الأسد، أي محاولة للقيام بذلك.
قال ويلي: “لقد كان الأمر محبطاً للغاية، لقد انتظرنا وقتاً طويلاً. وصراحةً عندما بدأنا المشروع ظننا أنَّنا سنرى الأسد خارج منصبه ومُقدماً إلى محكمةٍ جنائية دولية”.
كيف ستستخدم الوثائق؟
بدلاً من الشروع في الملاحقات القضائية لبعض الأعضاء رفيعي المستوى بنظام الأسد، ستُستخدم المعلومات في قضايا ستُعرض على المحاكم قريباً في جميع أنحاء أوروبا؛ لإدانة أشخاص النظام من المستويات الأدنى الذين فروا من البلاد، بالإضافة إلى ملاحقة عملاء “تنظيم الدولة”.
وعلى مدار العام الماضي (2017)، تلقى ويلي 60 طلباً تشمل أكثر من 550 مشتبهاً بالمحاكمات القادمة.
ولدى اللجنة وحدة تتبع خاصة بها، حددت عدداً من “الجناة الخطرين جداً من أجهزة الاستخبارات الأمنية للنظام” الذين دخلوا أوروبا.
وقال ويلي: “سنرى الجناة يُحاكَمون في أوروبا، لكنَّهم من المستوى الأدنى في النظام. المفارقة هي أنَّنا سنُخضع المستوى المتوسط للملاحقة القضائية بأوروبا، في حين أنَّ كبار اللاعبين بدمشق ربما سيفلتون من العقاب”.