تململ في مناطق الأسد: بطش النظام يمنع أي تحرك
طفا على السطح أخيراً استياء وتململ داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية مع تراجع الليرة إلى مستويات متدنية أمام العملات الأجنبية، في ظل عدم وجود أفق لحل سياسي قريب للأزمة السورية مع رفض النظام التجاوب مع كل المبادرات.
ويعمّ التذمر الساحل السوري خصوصاً، الذي يضم الحاضنة الكبرى للنظام، مع غياب كل الخدمات لاسيما التيار الكهربائي، وارتفاع جنوني للأسعار مع تدني قيمة الليرة السورية أمام الدولار الذي بات يعادل أكثر من 13 ألف ليرة. وكان لافتاً خروج صحافية معروفة بولائها للنظام، بتسجيل مصور انتقدت فيه هذا النظام “بشدة” بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، داعية السوريين الخاضعين له للمطالبة بحقوقهم.
وقالت الصحافية الناشطة في “الحزب القومي السوري الاجتماعي” المتحالف مع النظام، لمى عباس، إن مناطق النظام “وصلت للدرك الأسفل بكل شيء”، مضيفة: القادم أعظم، محذرة أهالي الساحل السوري من بيع أراضيهم التي تتعرض لحرائق مفتعلة، بهدف تفريغ المنطقة من سكانها واستبدالهم بآخرين. وكتبت عباس صباح أمس الخميس، على صفحتها في “فيسبوك” أن عناصر الأمن اقتحموا منزلها عند الساعة الثانية فجر الخميس وحاولوا اعتقالها “من دون إذن قضائي أو أي مذكرة إحضار”.
وكان المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون قد حذر في إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي قبل أيام، من تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، موضحاً أن 9 من كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر، لافتاً إلى أن “راتب بعض العاملين الآن أقل من 8 دولارات شهرياً، وهو ما يعني أن الأسرة لا تستطيع تحمّل سوى تكلفة وجبة واحدة في اليوم”.
ووصف كاتب يعيش في العاصمة السورية دمشق، في حديث مع “العربي الجديد” طالباً عدم ذكر اسمه، حال السوريين بـ”الموجع”، مضيفاً: وصل الأمر إلى حد عدم القدرة على شراء الطعام والدواء لدى الكثير من العائلات. وأشار إلى أن التحويلات من الخارج “هي ما تبقي الناس على قيد الحياة”، مضيفاً: راتب الموظف أقل من عشرة دولارات في الشهر، وهي بالكاد تكفيه ليوم أو يومين.
بؤس في مناطق النظام
ولكن الكاتب استبعد حدوث “ثورة جياع” في المدى المنظور “على الأقل”، مضيفاً: “الناس منهكة وقد جرّبت بطش أجهزة النظام، لذا ستفكر ألف مرة قبل الخروج إلى الشارع. هناك من يفضّل الموت جوعاً أو مرضاً على الموت تحت التعذيب في أقبية هذه الأجهزة”.
وتابع: “من يمشي في شوارع العاصمة دمشق يلحظ هذا الكم الكبير من البؤس والخوف في عيون المارة. خوف من المستقبل في ظل هذا التعنت من قبل النظام أمام كل المبادرات للحل”.
وفي السياق، بيّن الباحث محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “حالة التذمر من مختلف الأوضاع الأمنية والمجتمعية والاقتصادية، موجودة بالأصل وبشكل كبير”، مضيفاً: “لكنها بالتأكيد زادت أخيراً مع انهيار الليرة السورية وعدم سماح النظام باستخدام عملات مستقرة مثل الدولار لتثبيت الأسعار بين المتعاملين على الأقل”.
ورأى أن “النتيجة ستكون المزيد من الفقر والبطالة والهجرة من البلاد”، مضيفاً: “لا أعتقد ستكون هناك احتجاجات كبيرة وإن حدثت فستكون محدودة، خصوصاً في مناطق سيطرة النظام المحكمة مثل دمشق وحلب، على العكس من مناطق سيطرته الهشة مثل درعا والسويداء”.
واعتبر سالم أن للنظام “مصلحة في استمرار الهجرة من مناطقه استكمالاً لعملية التغيير الديمغرافي وابتزازاً للدول بهدف تهديدها بعواقب عدم انخراطها بدفع الأموال له”، مضيفاً: “رسالة النظام: إذا لم تدفعوا الأموال في إعادة الإعمار، فالهجرة والمخدرات مستمرتان”.
ويعيش في مناطق النظام السوري نحو 10 ملايين شخص وفق تقديرات، يعاني أغلبهم من أزمات معيشية خانقة دفعت كثيرين إلى بيع ممتلكاتهم للخروج من البلاد، في ظل إحساس السوريين أن حلاً لأزمتهم يبدو بعيد المنال وهو ما يراكم الأزمات، خصوصاً أن اقتصاد بلادهم بات على حافة الانهيار مع استمرار العقوبات الغربية والعربية عليه منذ أكثر من عقد، لرفضه التجاوب مع مساعي الأمم المتحدة للحل. وطُرحت العديد من المبادرات لمقاربة الأزمة السورية سياسياً، إلا أن النظام يصر على البقاء في السلطة، رافضاً تطبيق القرار الدولي 2254، وهو ما يعمّق الأزمات المعيشية التي يعاني منها السوريون.
من جانبه، استبعد الباحث في مركز “جسور” للدراسات بسام أبو عدنان، في حديث مع “العربي الجديد”، ترجمة التذمر والاستياء في مناطق النظام السوري إلى حركات احتجاج يمكن أن تفضي إلى “ثورة جياع”، مضيفاً: “الجيل الذي شهد الحرب ونتائجها لا يمكن أن يكررها. نحتاج إلى جيل جديد لم يعش الحرب وأهوالها”.
ا ثورة قريباً
واستدرك بالقول: “لكن في حال استمرار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على هذا النحو من التردّي والسوء يمكن أن يُفتح الباب أمام ثورة جياع في المدى المتوسط، ومن المؤكد حدوث هذه الثورة على المدى الطويل، لذلك يسعى النظام للحصول على تمويل كي لا تحدث هذه الثورة”. كما لم يستبعد أبو عدنان قيام النظام نفسه بافتعال أزمات لـ”تصدير لاجئين للضغط على دول الجوار بعد أن خابت آماله في أن تقدم المبادرة العربية تمويلاً يمنع انهياره”.
وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها السوريون في مناطق النظام، التي تضم أكبر وأهم المدن السورية وأبرزها دمشق العاصمة، وحلب كبرى مدن الشمال، وحمص كبرى مدن الوسط، إلا أنها لم تشهد حركات احتجاجية بسبب سطوة الأجهزة الأمنية، ما خلا محافظة السويداء التي لطالما شهدت تظاهرات وحركات احتجاج تذمراً من الحال المعيشي.
ولمحافظة السويداء خصوصية طائفية، وهو ما يعطي سكانها هامشاً واسعاً للتحرك الشعبي احتجاجاً على سياسة النظام، إذ منحها وضعاً أمنياً خاصاً، كي يبقي الطائفة الدرزية خارج الصراع معه. وفَقَد النظام أغلب موارد البلاد الاقتصادية خصوصاً الزراعية والنفطية، والموجودة في شمال شرقي سورية والخاضع لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
ورأى الباحث أحمد القربي في حديث مع “العربي الجديد”، أن الاحتجاجات مستبعدة في مناطق النظام، لأسباب عدة. وشرح بالقول: طبيعة الفئات السكانية التي تعيش في مناطق النظام ليست مهيأة للقيام باحتجاج، خصوصاً أن رد النظام على ما ثار في وجهه كان التدمير والتهجير، وهذا أعطى درساً للسوريين مفاده أن هذا النظام على استعداد لتدمير البلاد مقابل البقاء في السلطة، وأنه غير مستعد لتقديم أي تنازل للشعب. وأشار إلى أنه “يمكن أن تحدث احتجاجات وحركات تذمر في درعا حيث السيطرة الهشة عليها من قبل النظام أو في مناطق الأقليات مثل السويداء”.
العربي الجديد