آراء

ثقب كبير في الجدار (بصدد استراتيجية القصف في سوريا)

جان كورد
لا يمكن تجاهل أن النظام السوري، ومن ورائه حلفاؤه في إيران وروسيا، وكذلك أتباع إيران في المنطقة، قد استثمروا جيداً تواجد بعض التنظيمات الإرهابية مثل داعش الذي أطلق على نفسه اسم “الدولة الإسلامية” و “خراسان” التي لا يعرف عنها إلا القليل وسواهما على الأرض السورية، واستعانوا بهذه التنظيمات في ضرب الفصائل الوطنية المقاتلة ضد نظام الأسد وضد حزب الله والشبيحة المجرمة وفصائل عراقية طائفية، كما تمكّنوا بهذه الحركات المشبوهة البعيدة عن الواقع السوري في أدلجتها الشاذة للدين الإسلامي الحنيف من تشويه صورة الثورة السورية، مما دفعت العالم كله إلى صب حمم النار على بلادنا بسبب طيش هذه المنظمات وكذلك النظام، وتعطشها لإراقة الدماء وحز الرؤوس وسبي النساء وإرهاب المدنيين، إلاّ أن الإرهاب الأكبر الذي أنتج هذه التنظيمات وأمدها بالمال والسلاح هي عدة أطرافٍ إقليمية وتكاسلٍ دولي في وضع حدٍ لإجرام هذه التنظيمات، وفي المقدمة هي سياسة النظام السوري بذاته، قبل أي طرفٍ آخر، هذا النظام الذي يسعى الآن لإظهار نفسه كمحاربٍ عتيد ضد الإرهاب في المنطقة. وهنا نرى ثقباً كبيراً في استراتيجية أوباما لابد من سدّها حتى تصبح مقنعةً للسوريين ولتعزز قدراتهم الدفاعية، نفسياً في المقام الاوّل وسياسياً في المقام الثاني وعسكرياً بالدرجة الثالثة.
لقد قلت قبل كتابة هذا المقال بيومٍ واحد في إذاعة صوت أمريكا (القسم الكوردي) وأقول الآن ثانيةً بأنه طالما الشأن السوري برمته سياسي قبل ان يكون قتالي أو حربي، وهذا ما سعت للتأكيد عليه دول العالم الكبرى والصغرى، فإن على الإدارة الأمريكية وضع “خارطة طريق” سياسية على الأرض السورية مباشرة للولوج من القتالي إلى السياسي، وهذه الخارطة المأمولة لا نجدها الآن مع الأسف.
وطالما ليست هناك قوات برية أمريكية أو لحلف الناتو على الأرض السورية، فإن هناك من سيستثمر هذه الإنجازات العسكرية الناجمة عن القصف الشديد لمعظم مواقع ومخابىء تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وسواهما، وفي هذه الحال، حيث نرى ضعفاً واضحاً في صفوف الجيش السوري الحر، فالذي سيستثمر على الأرض ما تحققه أمريكا وحلفاؤها جواً هو نظام الأسد. ويتفق معنا جون كيري وزير الخارجية الأمريكية بأنه نظام فاقد للشرعية ومعتدٍ أثيم على شعبه ومساهم أكبر في انتاج الإرهاب، وببقائه يبقى الإرهاب، وعدم وجود قوى محاربة على الأرض مانعة لتقدم النظام صوب المواقع التي تنتهي أمريكا من قصفها سيسهل مهام الجيش السوري النظامي، وبالتالي سيفرض سيطرته على كثيرٍ مما فقده في القتال حتى الآن، وهذا يعني وضع سوريا على طبق من ذهب لإيران، كما فعلت الولايات المتحدة في العراق بقرار منتدبها السامي حل الجيش العراقي بعد غزو في عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين.
اليوم، تقاتل البيشمركه الكوردية على أطراف إقليم كوردستان والجيش العراقي على شمال وشرق بغداد ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وبإمكان هذه القوات دحر التنظيم بمساعدة القصف الأمريكي ومساعدات دول العالم المختلفة، ولكن الجيش السوري الحر غير قادر بإمكانياته المحدودة وبوجود فصائل إسلامية منافسة له على إملاء الفراغ الذي يسببه انحسار نفوذ داعش في البلاد.
لذا لابد من إملاء هذا الثقب الكبير في جدار الاستراتيجية الأوباماوية التي بدأت متأخرة جداً عن الأحداث السورية الدامية في تفعيل الطاقات العسكرية والدبلوماسية والمالية. وهذا يعني وضع خطة “سياسية” واضحة المعالم تتلاءم بالمرحلة الجديدة التي تمر بها سوريا، بدون الحاجة لأي تفويض دولي، حيث ستعترض روسيا ولربما الصين أيضاً باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن على أي خطة من هذا النوع. وبالتأكيد فإن المعارضة السورية، الوطنية والديموقراطية، ومن ضمنها المعارضة الكوردية بالتأكيد، مستعدة لتأسيس عهدٍ سياسي جديد في سوريا، يخدم الأمن والاستقرار ويصون مصالح الدول الصديقة في المنطقة وعودة اللاجئين الذي صاروا عبئاً ثقيلاً على مختلف دول العالم إلى وطنهم، والبدء برسم مستقبلٍ مشرق لسوريا التي تعيش عهد الرعب والدمار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى