(ثلاث، صفر) لصالح روسيا ضد أمريكا، فمن يربح الجولة الرابعة على ملعب سورية؟
فؤاد عليكو
من المعروف أن الحرب الباردة بين القطبين العالميين روسيا وأمريكا، والتي استمرت قرابة نصف قرن انتهت بهزيمة ساحقة لروسيا، وقسمت الاتحاد السوفيتي( الروسي) إلى 15 دولة في نهاية القرن المنصرم، وانهار معها حلف وارسو العسكري الروسي، وانضم معظم بلدانه إلى الحلف الأطلسي بزعامة أمريكا، وخرج الدب الروسي جريحاً ومنهاراً سياسياً واقتصادياً.
ومع صعود بوتين الضابط الأمني المحنك إلى السلطة منذ 15 عاماً، وهو يحاول جاهداً تضميد جراحه اقتصادياً وسياسياً، وهو استعادة دوره العالمي سياسياً عبر البوابة الأوكرانية ومن ثم السورية، مستغلاً منهجية وسياسة أوباما الانطوائية في التعامل مع الملفات الخارجية الساخنة، حيث قامت هذه المنهجية على (عدم التدخل عسكرياً في الملفات الخارجية، لابل أنه سوف يسحب الجنود الأمريكيين من العراق وأفغانستان، وأنه سوف يعمل على حل القضايا الدولية الساخنة عبر الدبلوماسية الهادئة، ومن خلال تفعيل دور الأمم المتحدة، على عكس ما قام به بوش الأب والابن، ولن تخسر أمريكا بعد اليوم شبابها في الخارج، والتكاليف الباهظة التي كلفت الخزينة الأمريكية مليارات الدولارات)، وفعلاً قام بسحب القوات الأمريكية من العراق قبل أن تكتمل مهمتها، وسلمتها إلى إيران طواعية.
لم يكد ينتهي هذا الانسحاب حتى بدأت الأزمة السورية في الاستفحال وتدخل الدب الروسي على الخط مباشرة كطرف مساند للنظام سياسياً وعسكرياً، وضد تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة، بينما اكتفت السياسة الأمريكية بعبارات التنديد والشجب للجرائم التي كانت ترتكب من قبل النظام، مكتفية بالمطالبة برحيل الأسد دون تقديم شيء عملي يستوجب هذا الرحيل، ودخلت مع روسيا في سباق الحل السياسي للأزمة مع الأمريكيين منذ البداية، ومن المؤسف القول أنها -أمريكا- خسرت ثلاث جولات في ثلاث محطات مفصلية في الوقت الذي كان الأمريكيون يملكون من أوراق التفاوض أكثر بكثير مما لدى الروس.
الجولة الأولى بيان جنيف 30 حزيران 2012:خرجت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك تبشر الصحفيين بأن فتحاً دبلوماسياً كبيراً قد سجل لها ولرئيسها، وأن الأزمة السورية قد حلت أو في طريقها للحل، وبغطاء أممي وعبر (تشكيل هيئة حكم انتقالي وبكامل الصلاحيات وبدون الأسد) لكن لافروف رد عليها مباشرة (بأن البيان لم يذكر الأسد لا من قريب أو بعيد، وأن الأسد جزء من الحل وليس جزء من المشكلة)، وهكذا وضع لافروف (مسمار جحا) على جدار بيان جنيف، وأصبحت جملة هيئة حكم انتقالي (مع أو بدون بشار) العقدة الأساسية في تنفيذ بنود اتفاقية جنيف الستة، وأفشلت هذه الجملة جهود أفضل الدبلوماسيين العالميين كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي حول تفسيرها، ويكاد يفشل جهود الدبلوماسي الثالث دي ميستورا وخسر الشعب السوري منذ صدور البيان وحتى الآن أكثر من 250 ألف شهيد، ويقاربهم عدداً من المعتقلين وأضعافهم من الجرحى، ناهيك عن التدمير الممنهج لكل سورية، وبأسلحة فتاكة روسية، وأمريكا عاجزة عن القيام بأي فعل جدي مكتفية بإدارة الأزمة كلاعب ثانوي لا أكثر.
الجولة الثانية كانت استخدام النظام للسلاح الكيميائي 2013:لقد وضع الرئيس الأمريكي أوباما خطاً أحمراً لبشار الأسد وحذره من استخدام السلاح الكيميائي ضد الشعب السوري، لكن الأسد لم يعر أي اهتمام لكلام أوباما، واستخدمها بشكل فاضح ومريع في الغوطة وعدة أماكن أخرى من سورية، وقد يكون بموافقة حليفيه روسيا وإيران، وعندما تحرك الأمريكيون لوضح حد لهذه المأساة وبتعاطف دولي منقع النظير تدخل الروس على خط الدبلوماسية، ونجحوا في انتزاع الفتيل بسهولة، وذلك بتدمير السلاح الكيميائي السوري مع الإبقاء على من استخدمها «رئيساً شرعياً» لسورية، واعتبر الأمريكيون ذلك نصراً دبلوماسياً لهم لكنهم تناسوا أن حمولة طائرة (أنتينوف) واحدة من روسيا محملة بالبراميل الكيمائية هدية لبشار عند الضرورة كافية لتعويض النقص الحاصل، وكان بيد أمريكا ورقة قوية لو طالبت برحيل من استخدم السلاح فوراً، أيضاً وكسب الروس مرة أخرى الجولة الثانية من المعركة الدبلوماسية.
الجولة الثالثة القرار الأممي الخاص بمكافحة الإرهاب الداعشي رقم 2170 لعام 2014 عندما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش)، وخلال 72 ساعة محافظة الموصل وتكريت وريفهما وهزمت خمس فرق عسكرية عراقية دون قتال يذكر، وهددت جدياً بغداد العاصمة وهولير عاصمة إقليم كردستان العراق، وارتكبت مجازر بشعة في شنكال وزمار لا يقل عما ارتكبه هولاكو هزت لها الضمير العالمي بقوة، فكان القرار الدولي بالتدخل العسكري وبموافقة روسية، واعتبر الكثيرين حينها تطوراً إيجابياً في الموقف الروسي.
وعلى إثرها تم تشكيل قوة تحالف دولي قوي من 40 دولة لمحاربة الإرهاب، ونأت روسيا بنفسها عن هذه المشاركة وراقبت تطورات الأحداث فقط، وتوسعت دائرة الحرب على داعش لتمتد إلى سورية بعد اجتياح التنظيم لمنطقة كوباني وحصارها للمدينة نفسها، واستبشر الشعب السوري خيراً لهذا التدخل مؤملاً ومطالباً من أن تسحب هذه الحرب على الإرهاب إلى النظام لأنه مصدر الإرهاب في المنطقة ومنبعه، لكن روسيا تدخلت مجدداً، وحذرت أمريكا من اخذ القرار الدولي إلى مكان آخر غير الوجهة المرسومة لها، ولو يكن يخطر في بال أمريكا من أن يستخدم الروس هذا القرار لصالح النظام وفي لحظات ضعفه، وقبيل انهياره ويتدخل عسكرياً بشكل مباشر، مستغلة القرار الدولي و«شرعية النظام» القانونية ليصبح الروس في قلب سورية عسكرياً، وضرب كل من يخالف النظام ووصمه بالإرهاب كائناً من كان، وقبضت بذلك على جميع أوراق اللعبة ومن الداخل السوري، وأضحى العالم يدرك بأن روسيا هي صاحبة القرار النهائي في الملف السوري دولياً، وبدأ الروس يعقدون اتفاقات أمنية مع إسرائيل والأردن وغيرها من الدول المعنية بالملف السوري لأنها أصبحت تلعب من قلب المعركة، وأصبحت أمريكا تلعب على الأطراف وكسبت بذلك الجولة الثالثة من الدبلوماسية على الأمريكيين وكيفية الالتفاف على القرار الدولي بحنكة، وكان من الممكن أن لا تسمح أمريكا بذلك، وأن تطلب منها المشاركة في التحالف لا أن تغرد لنفسها تحت صيغة القرار نفسه واستثماره لصالحه وصالح النظام معاً على حساب الشعب السوري والتفاوض من موقف وموقع القوة.
ومنذ عدة أيام أفتحت الجولة الرابعة من الصراع الدبلوماسي حول سورية في فيينا عاصمة النمسا والسؤال الكبير هل يتمكن الأمريكيين من تسجيل هدفا معتبراً لإعادة اعتباره على الساحة الدولية كلاعب أساسي رغم عدم امتلاكها لأوراق كالتي كان يملكها في الجولات السابقة ويغرق روسيا في وحول سهل الغاب وحوران وجبال الكرد كما حدث لها في افغانستان، أم ستخفق مرة أخرى وتبقى المحصلة صفراً مقابل أربع نقاط لصالح الروس؟ والأيام أو الشهور القادمة كفيلة بالإجابة على ذلك.