جدلية الوطني والقومي كوردستانياً
وليد حاج عبد القادر
لعله من أهم مظاهر الخلط بين الوعي الوطني كمفهوم لمتلازمة فرضت ذاتها في البلدان المتعددة الأقوام هي إشكاليات أنظمتها من جهة، وتسيد الأكثرية القومية من جهة أخرى، خاصة إذا ما هيمنت عليها كأنظمة أحزاب شمولية تمأسست في الأصل بنيوياً على قاعدة متحكمة بهوية إيديولوجية ترتكز على النزعوية القومية بطابعها الأكثري تهيمن على قوميات متعددة، وإن كانت مجموع تلك القوميات لربما تزيدها تعداداً، فتبذل تلك القومية كل جهدها لاستغلال /تلك الشمولية/ بأبعاد ما فوق قومية سوى خاصيتها المتنامية والتي – تنمي معها – تلك الظاهرة المتشوشة في آلية الفهم الوطني، وطرائق تفسيراتها الواقعية بتطبيقاتها من جهة، ومدى تقاطعها، أو بعبارة أدق ملامستها للفهم القومي المتحول لآفاق قومية فوق نظرية.
ولعله هنا، وبخاصية الحركة القومية الكوردية وكوردستان، ودون الخوض في الموروث التأريخي، وإن كان من المحتم هنا، ضرورة التأكيد على ثوابت رئيسة، وطبيعي أن يكون لمرادفتي الوطن والشعب وبالتالي كوردستان والكورد ومآلات التاريخ وصولاً وباختزال شديد إلى سايكس- بيكو ومعها مجريات عصبة الأمم واتفاقية سيفر وإجهاضها في لوزان، وبالتالي تقسيم كوردستان، وإلحاقها بأربعة خرائط متشكلة، وفشل كل تلك الخرائط منذ ما يقارب القرن تقريباً في تغييب الانتماء القومي الكوردستاني ومفهومية المواطنة العفوية لها من جهة، وتأطير ذلك المفهوم في هيكليات سياسية وأيضا كنضالات عسكرية / سياسية برزت بوضوح كامل في التواصل بين الملك محمود الحفيد والجنرال حسين شريف باشا وانطبعت هذه التوجهات في برامج سياسية لأحزاب عديدة وفي أكثر من جزء.
إلا أنه وفي أواسط القرن الماضي طرحت تصورات بأشكال وأنماط تفاوتت من الأخوة إلى الديمقراطية، والحقوق، ولتتحول تحت تأثير الأحزاب الماركسية ومفهومية الصراع الاستراتيجي مع الإمبريالية ونجاح البروليتاريا والطبقة العاملة حيث طويت المفاهيم القومية والشعب في إطار الأممية البروليتارية وشعار يا عمال العالم وأيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا !، وبالتأكيد في نطاقية طغيان أنظمة بمسميات ومنهجيات في أعماقها وطدت دعائم قومية سائدة – روسيا مثلاً – أو – وبخاصية الدول الغاصبة لكوردستان – وكهدف تذويبي بزعم بناء منحى وطني في الظاهر، ولكنها قوننت وبعنف لصهر آفاق وملامح القوميات الأخرى ولتظهر استبدادها القومي في إلغاء تام لمفهومية أو أحقية – الكورد مثلاً، أيضاً في الإحساس بانتمائهم القومي.
هذا الانتماء الذي ما وهن مطلقاً رغم كل أشكال الضغط الممنهج كما سبل وأشكال الاستهداف الذي مارسته الأنظمة بقدر ما تواءمت وبأشكال وأنماط نفذت داخل بعض السلوكيات وتحت يافطات ما استطاعت مطلقاً إلا أن تعبر عن ذاتها كمواءمة ساذجة لنوع من الإستلاب الخاصوي القومي وتغليفها بشعارات ومواقف تتمدد حيناً وتتقلص أحياناً من خلال إدغامها، ومن جديد بشعارات وقضايا تمويهية تعود بنا من جديد / السذاجة / كخيار عدمي قومي – كوسموبوليتي – ورضوخ شابه الابتزال بالحق الجمعي.
هذه الظاهرة لم تغب عند بعض الأطر السياسية الكوردية وظهرت آراء وتصورات عديدة كما نقاشات مسهبة حول الفهم الوطني العام من جهة، وذلك التداخل بين الحالة الخاصة لكل جزء وعلاقة كوردها بالتشكل الذي ألحق بها أو البعد الخاصوي كوردستانياً كمفهومية وطنية شاملة، وهي هنا القومية وبمعيار وطني أوضح، ولتصبح تلك الجملة المطية التي تقام عليها الحد في الصراع البنيوي وسيل الاجتهادات التي زاملت الأحزاب الكوردية اليسارية خاصة، أو الملتزمة بحذافيرية إيديولوجية والمنهج الماركسي التقليدي.
هذه الإشكالية التي أصبحت مخرجاً للأطر الانتهازية والمساومة منها للهروب من الاستحقاق الأكبر لقضية شعب ووطن يفترض بها أن تؤطر نضالاتها بما يوائم مفهومية تحرير وتوحيد كوردستان، لا على المبدأ البعثي، وإنما كحركة تحرير وطنية في عمقها القوموي وقد تجسدت هذه المقولة في فعل سياسي منظم من خلال الاسم التنظيمي للحزب الأوحد كانت في أجزاء كوردستان الأربعة قبل أن تتشرذم تلك الأحزاب إلى أحزاب متعددة، وليتسلل لاحقاً حزب العمال الكوردستاني من خلال نفس الشعار /سرخبون/ والاستقلال وتشكيلاتها الدولانية الهلامية بدءاً من بوطان وبهدينان ولتتحرك تلك النزعة الغامضة استقلالاً إلى الإفرازات المؤدلجة حالياً في فضاءات فضفاضة من التوجهات والعوالم الفكرية الخاصة والهائمة في بحور إيديولوجيات متراكبة ومتناقضة.
لقد كانت للتحولات الفكرية / الإيديولوجية انعكاساتها الواضحة بلا شك على مجمل الحركة السياسية الكوردستانية بأجزائها الأربعة، هذه الحركات التي لا تزال هائمة في جدلية الفهم الحقيقية بين الهم الوطني من جهة والقومي من جهة أخرى، والتي مطها كثيرون بحصر البعد الوطني في الدولة التي ألحق بها ذلك الجزء، مع أنه يحتوي على بعض منه، ولكن ليس على حساب الانتماء الوطني قومياً لوطن اسمه كوردستان**، وقد قسم، هذا الوطن / الوعاء القومي والجامع الذي يتم شيطنته لدن بعض التوجهات إرضاءً لنزعات مؤدلجة ترتكز على مصطلحات مبهمة يلاحظ أي متتبع لهذه التوجهات أن القضية الكوردستانية هي الضحية الأولى أمام زحف وهيمنة قوميات أو نزعات غير كوردية.
هذه المقولة التي وقف عليها حزب الاتحاد الشعبي الكوردي في سوريا حينذاك في مؤتمره الخامس سنة 1980 وكذلك مجموعات “د. د. ق. د” التي تأطرت في حزب عمال كوردستان – لاحقاً بيشنك أيضاً.