جــدلية تـوحيد الصف الكــــردي
محمـد رمضــان
ثمّة أفكارٍ اقرب إلى الأماني الخجولة وتشبه إلى حدٍ ما الفكاهة، وبات يدرجها الحراك الثقافي الكردي في أوساطه المتشنجة فكرياً وأيدولوجياً، لعلّها أولى مشاعر التوجّس من جسامة التحديات التي فرضها الواقع الراهن، فحواها، التساؤل الجدلي المتعلّق بأهمية ترتيب البيت الكردي وتوحيد صفوفه أمام الأخطار المحدّقة بالوضع الكردي، المترنّح صوب التيه والتشتت حد الوجود واللاوجود، سواءً من التفاعلات الإقليمية الساعية إلى إيجاد توازنات في ظل الترنّح المفتوح بكلّ الاتجاهات، وبالأجوبة المعلّقة بشتى الحبال الدينية والعرقية والمذهبية والفكرية، او من التقاعس المثير للمجتمع الدولي في تحمّل مسؤولياته الأخلاقية حيال الشعوب المستضعفة والمستغلة من القوى الاستبدادية والشمولية والعنصرية التي باتت تتمترس خلف أسوار الإرهاب صنيعة سياساتهم وأفعالهم.
والخشية من استغلال تلك القوى لظاهرة الإرهاب و ذرّ الرماد في عيون العالم المتحضّر من اجل تغطية جرائمها بحقّ الشعوب المضطهدة، أياً كانت نوايا الطرح من قبل النخبة الكردية تبقى ظاهرة تستحق الإشادة والوقوف عليها، فالقضية حتى لو كانت من باب الترفيه الفكري، فإنّ التحدّيات واستحقاقات المرحلة الراهنة أعتى من المرور عليها بالآمال والأماني، إنّما المرحلة تحتاج إلى المراجعة الشاملة والجادة وفحوى الجديّة في هذا المضمار، هو إعادة هيكلة المجتمع الكردي، بعيداً عن الشعارات الزائفة والذرائع الواهية من أجل التملّص من المسؤولية الأخلاقية التي يفرضها الانتماء على عاتق الفرد.
كافة الأطراف الكردية وجميع النخب ينبغي أن تؤمن بأن إيجاد أو الوصول إلى صيغة جامعة مؤهّلة لتحقيق الطموحات الكردية، تاتي بمثابة الأرضية الأولى للهيكلة المجتمعية والنخبوية، بحكم أن وحدة الخطاب النخبوي تعكس الطموح الشعبي و تمدّ الحقوق المشروعة أصلاً بالمحتوى الأخلاقي والقيمي، ممّا يؤهله لمواجهة العالم المتحضر واثبات عدالة قضيته وبداهة حقوقه المشروعة طبقاً لكافة الصكوك والقرارات الصادرة والمعترف بها من قبل المنظمات والهيئات الدولية الناظمة للقانون الدولي والعاملة به، ولعلّ وحدة الخطاب ورصّ الصفوف فضلاً على القوة المادية النابعة منها يعتبر من اكثر وجوه العدالة تجليةً، ومن أنبل المعاني الأخلاقية التي تشرعن تلك الحقوق المهدورة بيد أصحابها قبل غرمائها.
اذ ليس من المنطق ولا من تجارب التاريخ أنّ ثمة شعوب نالت حقوقها امّا بتسليم امرها لميلشيا تمارس السيادة فوق القانون، او على يد حفنة من الواهمين يمارسون الارستقراطية البلهاء والفخفخة الغبية على اكتاف شعوبها، وتصادر بلا وازعٍ من ضميرٍ أحلامها طموحاتها، والانكى أن تلك الممارسات والسلوكيات تشوّه القضية العادلة بالمعنى الأصيل للعدالة، ممّا يفقدها بريقها من منظور المجتمع الدولي الراعي للقوانين الدولية.
وينبغي ألّا يخفى علينا أنّ التعدد الأيدويولوجي ليس مبرراً البتة في بثّ الفرقة و العنصرية والتناحر بين اللحمة العرقية الواحدة، إنّما ينبغي أن تكون سبيلاً قي إفساح المجال للمناورة والمزيد من الفرص والحلول، فالحقوق تحتاج الى الخطاب الشجاع بمفرداته ودلالاته، والممثل الشجاع والنزيه والمتوّج باساسيات الكارزما نحو الداخل، والمصداقية الأخلاقية نحو الخارج بمعنى الترفّع عن ميول العمالة الرديئة، لمواجهة الغرماء، والمتربصين، ومن شأن الخطاب الشجاع والمتجسّد للطموحات الشعبية أن يدبّ روح التضحية والتماهي مع المطالب، والإقدام على الخطوات العملية المترجمة للأقوال إلى الأفعال، والتوازنات الإقليمية تقوم على بديهة تاريخية اجتماعية موادها وحدة الصف والخطاب، ومن ثم القوة والمكابرة، وتجاوز الذات والترفّع عن الفروع من أجل ترسيخ الأصول.
فالحقوق الكردية واحدة في جهاتهم الأربع، فلا طائل من الخوض في التفسيرات الأيدويولوجية العقيمة والتفنّن في صنع الذراثع لاحتكار السيادة على حساب طرف كردي آخر، والترفّع عن عقلية التخوين وفرضيات المؤامرة التي ننسج خيوطها بالانتهازية والاستعلاء والتجنّي على القيم الاخلاقية الني تفرضها ارستقراطية الانتماء.
جميع المقالات المنشورة تعبر عــن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي يكيتي ميديا