
جـواباً ’’ للـزميل حـازم صـاغية ’’
محمد رمضان
نشرت جريدة ’’ الحياة اللندنية ’’ مقالاً للزميل حازم صاغية ’’ في 17يونيو ’’ حزيران ’’ الجاري تحت عنوان ’’ كتّاب الكرد ومثقّفوهم: لماذا ’’ وطرح في نهاية المقال سؤالاً على الكتّاب الكرد، وهذا جوابي للزّميل العزيز صاغية، فالأستاذ الفاضل بعد جهد مشكور طرح سؤالاً بديهياً يجول في خاطر الكردي قبل العربي، وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لن يجد الإجابة لدى الكردي، كونه ليس المعني الوحيد، ولا أعتقد أن تجاهل السؤال فهل كردية بغية تمرير البراغماتية السياسية، أو الانتهازية الأخلاقية والفكرية، إنما التّجاهل والصمم المتعمد باتا من أهم خصوصيات النّخب بشتّى مسمياتها في المنطقة.
بالمناسبة ماذا لو افترضنا جدلاً بأنّ ربع النّخب العربيّة أقرّت واعترفت بالحقوق الكرديّة المشروعة ؟ ولعمري هذا الأمر يكفينا من شرور الإجابة عن السّؤال الموجّه للكردي، أو بالأحرى لماذا المثقف العربي لم يستطع انتزاع إجابة واضحة بخصوص الحقوق الكرديّة بعيداً عن المنهج الذّرائعي، والترتيب المضني للأولويات ،بيدَ أنّ المحبط للآمال حقاً أن الكاتب ذاته اختار مقاما كوزموبوليتياً لنفسه، وهو تفسير كافي لمدى صعوبة الوضع الّذي هو جزء منه، ويمضي الكاتب في سرد المتناقضات ووضعها في وجه بعضها البعض بلا أطروحات بديلة أو بصيص أمل يوائم بين النّقيض والآخر، كنوع من التمرّس بامتياز، ويسعى فقط للوصول إلى سؤاله الّذي يؤرّقه كردياً فقط في حين لا أعتقد أنه يمتلك جواباً فارسياً أو تركياً أو حتى عربياً، كونه لم يبرر تشاؤمه وسوداويته من النّية الكرديّة صوب التحرر والاستقلال، وهذا نوع من الإدانة المبطنة كما لو أن الكردي بمفرده يقود الجميع صوب المقصلة.
وما زال الغموض يكتنف ظاهرة بقاء “الكردي” كصفة مستفزة ومثيرة لحفيظة المثقّف العربي قبل عامته ،كما لو أنه مقحم في التفاعلات السياسيّة و الإثنية في المنطقة، بالنسبة لي كان يكفيني من قبله ذكر دولتين تم الإعلان عنهما بالمهرجانات والألعاب النارية والإجماع والمباركة العالميتين، حتى أقف في جانب المدان لسياسات الكردي وأحلامه الجّامحة لا بل في ذاكرتي ما هو أمر وأمضى جنوب السّودان خرج من عباءة العروبة بالاستفتاء، ولكن رغبة التّنصل من قول الحق باتت قائمة ما دام هو لم يعترف صراحة بالحق الكردي المشروع برغم الأخطاء والعثرات مع استحقاقه جزيل الشكر والامتنان على تعاطفه وتخوفه على مصير الكردي الذي لم يكن أحسن حالاً من اليوم، وليس بأحسن حال اليوم، ولن يصبح أسوأ حالاً مهما مضى.
سعى باستماتة لإثبات فرضية البقاء للأقوى كشريعة الغاب والخضوع لمشيئة التاريخ خارج الجغرافيا كما اعتادت المنطقة منذ رسم حدود أول جمهورية في تاريخ المنطقة، بمعنى القوى العظمى الّتي تؤرّخ تاريخ المنطقة خارج جغرافيتها تعمل عين الصواب ولا بديل عنها، مستشهداً بواقعة مهاباد كنوع من كبح جماح الكردي صوب التّحرر والاستقلال أو استثارة الروح الخفيّة والتّوجّس لدى الكردي، ولا أجدها منطقية البتة أن تدحض الحق بالذريعة، وتمنيت لو كان منصفاً في قراءة التاريخ وأردف مثاله بالقول “انتهت مهاباد ولكن لم ينته الكردي” وبقي مناضلاً مغبوناً من قبل البعيد والقريب ولم يجد سوى الجبال صديقاً دون الدعم الدولي، برغم الطلاسم والاختزالات اللّغوية المحكمة.
لا أدري كيف وصل إلى استنتاج سؤال لا يحمل الكثير من الحصافة والتّخمين أو التّورية أو حتى الإنصاف؟ ماذا لو عكسنا حربة السؤال باتجاه صدره؟ هل المثقف العربي صرّح عن رأيه حول ما فعله العرب والأتراك والفرس في تدمير المنطقة حجراً وبشراً وفكراً وسياسة ( الحشد الشّعبي وأهدافه وداعش ومموليه وقوى الممانعة والمجابهة)؟ هل الكردي أكثر تدميراً وكرها للذّات أم هؤلاء؟ هل المثقّف الكردي مجحف وجاحد أم غيره؟ ثم لماذا لم يخف نظرته المبطّنة والتّصريح بأنّ القضيّة الكرديّة قضية إنسانية، فهل في عقله الباطن الكردي فقط يستحق الخيمة والسّلة الغذائية من الأمم المتحضرة؟ في ظل تركه للعديد من التّساؤلات هو بذاته ملزم بالإجابة عليها، وهل يجد من الحجّة والمنطق أن يكون الكرد شوكة الميزان دون غيرهم كالعرب والفرس والأتراك؟ أم أنها مجرد ذريعة كي تكون الانتهازيّة السّياسيّة ذات محتوى أخلاقي للبعض دون سواهم.
ثمّ لم أجد ما يبرر تعويله المضني على الدّعم الغربي والأمريكي كجانب نفسي علماّ أنّ فرضيّة القضاء على الشعوب لم تعد ممكنة في ظل الظّروف والمستجدّات الّتي وصل إليها النّظام العالمي الجديد، ماذا لو افترض الكردي أقصى حدود التفاؤل، واعتبر الخزّان البشري الكردي في شوارع القوى العظمى سوف لن يتركوا فقرائهم يموتون تحت مطرقة العنصريّة المقيتة للقوى الغاصبة وسندان الانتهازيّة المقيتة للقوى الدّاعمة، والحال عليه كما صرح مراراً منارة رموز الكرد السّيد مسعود بارزاني “إذا لم نعش بكرامة لن ندع غيرنا يتذوق الأمان والاستقرار نقطة انتهت”.
الكردي لن يدع كرامته من أجل الاستقرار والرخاء لغيره، ولن يمتهن الدّونيّة واستجداء الرّحمة من مغتصبيه تحت شعارات الدّيمقراطيّة واللّيبراليّة وبقية المفاهيم الّتي لا تعني للكردي شيئا سوى المزيد من الغبن، وليس من الإنصاف والفضيلة مواجهة حقوق الكردي بالسّفسطة السّياسيّة والفكريّة، ولا من المنطق والأخلاق مجابهة الكردي بقوانين الديالكتيك الثّلاثة والتّضحية به تارة من أجل اللّيبرالية وطوراً من أجل الديمقراطيّة، ونتركه لمصيره المجهول في مواجهة وتكالب الرّاديكاليّة القوميّة والدّينيّة عليه، فهل السؤال السّوريالي المبهم المطروح عليه أبلغ إجابة من الاعتراف بحقوقه دون مواربة ومقاربات؟.
جميع المقالات المنشورة تعــبر عــــن رأي كتابــها ولا تعــبر بالضــرورة عـــن رأي Yekiti Media