حان الوقت لتحكي النساء ويسمع العالم حول كتاب ” المرأة المخصّية”
شمس عنتر
جاء في المقدمة : ” كتاب المرأة المخصّية ليس من النوع الذي تقرأه ثم تضعه جانباً، إنه كتاب يحرّض ويقلق ويثير الأسئلة، كتابٌ يدفعك إلى إعادة اكتشاف نفسك، ولا يمكن أن تقرأه دون أن يترك أثراً فيك”.
كتاب ” المرأة المخصية ” للكاتبة والأكاديمية والإعلامية وأستاذة الأدب الإنجليزي الحديث جيرمين غرير تصدّر في طبعته الأولى عام 1970 قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، مؤسساً في محتواه لآراء متطورة تُضاف إلى الفكر النسوي، حيث لم يقتصر الكتاب على انتقاد جملة من الأفكار السائدة، بل تقدّم باقتراح لمسارات ثورية كبديل للمطالبات العقيمة بالإصلاح، وتوقيع العرائض، والمناداة بالمساواة مع الرجل، حيث يرد في الكتاب أنّ القوالب المعدة سلفاً للنساء لا تكتفي بتأطير المرأة فحسب بل وتفرغها من كينونتها، وتجعلها أسيرة التنميط، ساهم في تدعيم ذلك النظام الاستهلاكي حتى صارت النساء أنفسهن أسيرات تلك الصور.
وفي الخاتمة تقول غرير موجهة حديثها إلى النساء : ” هناك الكثير مما يجب أن تقومي به” ما يعني أنّ مسؤولية جسيمة تقع علينا للقيام بأدوار حقيقية لا من أجل المساواة فحسب بل من أجل الحرية التامة.
يشكّل هذا الكتاب جزء من الموجة التسوية الثانية حيث كان يتمّ قبول النساء في المهن على مضض .
يقول جون ستيوارت ميل.
نستطيع التوكيد بثقة على أنّ المعرفة التي يستطيع الرجال أن يكتسبوها من النساء مثلما كنّ وكما هنّ الآن دع جانباً ما يمكن أن يكنّ عليه، هي معرفة ناقصة وسطحية على نحو يائس وستكون كذلك دائما إلى أن تحكي النساء أنفسهن كل ما يجب أن يحكينه.
يأتي تحليل الكاتبة جيرمين غرير لإشكاليات تنميط المرأة على عدة مستويات : الجسد و الروح و الحب و الكراهية والثورة،
عن الجسد تقول صحيح أنّ كل خلية من جسم المرء تشهد على جنسه لكن ليس معروفاً ما الذي يعنيه ذلك الاختلاف في الخلايا تحديداً على مستوى وظيفة الجسد لا نستطيع أن نستنتج من الفرق الملاحظ في الخلايا وجود فرق مهم في النسج المؤلفة من تلك الخلايا ووضع أي افتراضات عن تفوق أحد الجنسين أو دونيته على هذا الأساس يعني افتراض أشياء يصعب جداً إثباتها وحين نتعلّم كيف نقرأ الحمض النووي فربما نصبح قادرين على معرفة ما هي المعلومات الوراثية المشتركة فعلاً بين جميع عضوات الجنس المؤنث
إنّ القول بأنّ الجنسين يشكّلان قطبين منفصلين وأنهما منقسمان بالطبيعة هو جزء جوهري من أدواتنا المفهومية لكنه في الحقيقة خاطئ كلياً
يقول و.اي توماس
في حين تبقى المرأة أقرب إلى النمط الطفولي فإنّ الرجل يقترب أكثر إلى الخرف تعبر نزعة الرجل الانحرافية المتطرفة عن نفسها في نسبة أكبر من العبقرية والجنون والحماقة أما المرأة فتبقى أكثر طبيعية تقريباً.
وعن الروح تقول
جيرمين غرير داعية إلى ثورة جذرية تشمل الحرية التامة، وتنتقد سجن النساء داخل صور نمطية تكرّسها كإله مقدس في الأدب والفن، وبالتالي تفرغها من انسانيتها، وتحولها إلى موضوع ومادة وسلعة.
ضمن فصل الروح، تقدّم الكاتبة نماذج من استغلال المرأة لأجل منافع الرجل وصفقاته التجارية والسياسية، تلغيها كإنسانة ذات إرادة، وتقدّمها وفق معايير المستهلك كدمية تسويقية يتمّ استغلالها لزيادة المبيعات، كما يكرّس المجتمع الذكوري المرأة كواجهة يعرض من خلالها ثراء زوجها أو والديها لتصبح مثالاً يحتذى به، ما يحوّل شريحة من النساء إلى مستهلكات ومقلدات أقصى طموحهن الحصول على تلك النوعية من الحياة في خضم تقديم الواجبات للآخرين تنسى المرأة واجبها نحو نفسها.
[6:37 م، 2024/10/27] حكمت ححح: الطاقة:وفق رأي الكاتبة غرير عندما تُكبت الطاقة الإبداعية الحرة وتُسجن ضمن الممنوعات الاجتماعية تتحوّل إلى طاقة هدّامة عند النساء.
التدمير عكس البناء:
الإبداع يبلور الشخصية، ويطلقها خارج القيود، بينما يؤدّي الكبت إلى الغضب الذي يتجلّى في سلوكيات انتقامية، لذلك -كما تورد الكاتبة- نجد أنّ النساء المكبوتات يفرغن طاقتهن المهدورة ويوصفنَ بالمكر والخداع والخبث الاجتماعي.
أيضاً تؤكّد غرير على أنّ اختصار المرأة بكونها الأم والحاضنة والمطيعة للذكر، يعني تحويلها من إنسان كامل الأهلية إلى آلةٍ تقوم بمهام روتينية لا تمنحها المعنى الحقيقي لوجودها، هذا الصنف من النساء يعانين من مشاكل نفسية تنعكس على أولادهنَّ، فهنَّ يعززن ذكورة الذكر المتطلب الغالب المتفوق المجرب، ويُخضعنَ البنات إلى مقاييس مجتمعية تكرّس صفات الإذعان لتصبحن حالمات ساذجات بحاجة ملّحة إلى الحماية.
عادةً ما تكون المرأة لينة العريكة غير المنافسة جاذبة للذكر وفق حاجاته المهيمنة، أما من لا تتحلّى بتلك الصفات فتوصف بالنشوز والاسترجال.
كما تقارن غرير مسألة اختلاف اختيار مجال التعليم بالنسبة للفتيات عن الفتيان، وتقول بأنّ الطالبات يسعين لإرضاء الأساتذة على حساب إهمال البحث الشخصي واستدراك النقص في المعلومات، ينبع هذا السلوك العام كنتيجة للتربية وصعوبة خروجهن من المساحة الإرضائية التي تضمن لها الرعاية الذكورية والرضا المجتمعي الأبوي، ما يكرّس إقبال الفتيات على مجال الآداب، فيصبحن معلمات ينقلن ثقافة الخضوع وعدم القدرة على النقد البناء، وفي المقابل يختار الفتيان غالباً مجالات البحث العلمي التي توقد التحدي والإبداع في نمط شخصياتهم، وبذلك يتفوّق الذكور على الإناث في مجالات العلوم، فالطاقة هي قوة الحياة الخلاقة مرتبطة بالجنسانية الحرة، وهي المساحة التي ينمو بها الفرد متحلّياً بالقدرات الإبداعية والمواقف المخالفة للمجتمع، وتتسم بعدم قبول المُسلمات دون قناعة.
الطفل:
إنّ *منهج مونتيسوري يربط تقييد الحركة بنقص الخيال الإبداعي كمهارة عقلية.
يفرض المجتمع إملاءاته على الطفلات ليبقين مطيعات هادئات ضعيفات، فتهدرن طاقتهنَّ بقمع أنفسهنَّ لتتوافقنَ مع المطلوب منهنّ كي ينجزن أعمالاً لا ترتبط بأي نشاط عقلي، حتى يصبح الحسي لديهنَّ منفصلاً عن الفكري أكثر بكثير من أخوتهم الذكور الذين ينغمسون في مغامرات الحياة بكل أشكالها، ويُعدّون ليكونوا قادة متهورين وناجحين قامعين للأضعف.
الفتاة:
بشكل غير واع، وكنوع من رفض التطويع والتطبيع الثقافي قد تتخذ الفتاة في المدرسة سلوكيات صبيانية في التعامل مع المحيط، فتصبح خشنة وقد تنضمّ إلى مجموعة ذكورية، وتقاتل لتثبت جدارتها بينهم، فيطلق عليها المجتمع لقب “غلامية” فهي المتمردة التي لا تخضع للقواعد ما بين سنوات عمرها الخامسة حتى الخامسة عشرة . في سن البلوغ يُفرض على الفتاة مواجهة تغيرات كبيرة متبوعة بالقيود، فتفرغ عاطفتها ورغباتها الجنسية في رسائل عاطفية متقدة لزميلات أو مدرسات محبوبات تتعلّق بهنَّ، وهو تعبير غير مباشر عن الكبت الاجتماعي الذي يفرض عليهن.
البلوغ:
تتسم تلك المرحلة بالشعور بالخجل من الحيض الذي يفرض نوعاً جديداً من التكيف مع التغيرات الجسدية والنفسية، خاصة عندما لا تجرؤ الفتيات عن الإفصاح عن مشاعر القلق والتوتر والرغبة غير المفهومة، ما يسبب صراعاً داخلياً يتنافى مع كونهن هادئات مطيعات غير مزاجيات، يترافق ذلك مع شعور مبهم بالذنب في مجتمعات تعتبر الطمث نوعاً من الدنس، كما يسم المجتمع المرأة الحائض بعدم التوازن و فقدان التركيز وبالتالي بمفهوم النقص الذي يضطرها بشكل غير واع لإنكار جنسانيتها واللجوء للسلبية الأنثوية كحل من هذا المأزق إلى أن يتكرّس عندها شعور الخصيّة بدورها الإنكاري.
فصل الكراهية تبيّن فيه الطرق التي استوعبت بها النساء كراهية أنفسهن نتيجة للقمع الأبوي، وتتجلّى كراهية الذات تلك في جوانب مختلفة من حياة النساء، بما في ذلك أجسادهن وعلاقاتهن وهوياتهن من خلال النقاط التالية:
كراهية النساء المتأصلة: تناقش غرير الكيفية التي يتمّ فيها تكييف النساء لكراهية أجسادهن بسبب توقعات المجتمع ومعايير الجمال، لينتج عن ذلك هوس النساء بمظهرهن، وانخراطهن في ممارسات ضارة للتوافق مع المثل العليا التي حدّدها الذكور.
التخريب الذاتي: يتمّ تعليم النساء قمع رغباتهن وطموحاتهن ما يؤدّي إلى التخريب الذاتي لحياتهن الشخصية والمهنية. وهنا تقترح غرير أنّ هذا ينبع من الاعتقاد بأنّ النساء أدنى من الرجال بطبيعتهن، وبالتالي لا يستحقّن النجاح أو السعادة.
الغضب والاستياء: يتطرّق الفصل أيضاً إلى الغضب والاستياء باعتبارها مشاعر مكبوتة تجاه الرجال والمجتمع وحتى النساء الأخريات. تزعم غرير أنّ هذا الغضب غالباً ما يكون موجهاً داخلياً وبشكل خاطئ ليساهم بشكل أكبر في دورة كراهية الذات.
التأثير النفسي: تسلط غرير الضوء على العواقب النفسية للكراهية الداخلية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق وقضايا الصحة العقلية الأخرى. وتؤكّد أنّ النساء يجب أن يواجهن ويتغلّبن على كراهية الذات هذه لتحقيق التحرر الحقيقي.
هذا ويعد فصل “الكراهية” بالغ الأهمية في حجة غرير الشاملة لأنها تتعمّق في الأبعاد العاطفية والنفسية لقمع الإناث، كما تتحدّى غرير النساء للاعتراف بالطرق التي تمّ تكييفهن بها لكراهية أنفسهن ورفضها، وتدعو إلى شكل أكثر تطرفاً وأصالةً من قبول الذات.
يتردّد صدى هذا الفصل مع النقد النسوي الأوسع لكيفية تلاعب المجتمعات الأبوية بتصور المرأة لذاتها والتحكم فيه، مما يحثّ على استكشاف أعمق للحواجز الداخلية التي تحول دون تحرير المرأة.
إنّ نهج غرير يتسم بالمواجهة، ويهدف إلى إثارة استجابة عاطفية قوية من القارئ. ومن خلال معالجة “الكراهية” بشكل مباشر، فهي تجبر القراء على التعامل مع الحقائق غير المريحة للتأثير الشامل للبطريركية على احترام المرأة لذاتها وصحتها العقلية.
فصل الثورة
ينطلق من فكرة إعادة تقييم الذات لخلق نساء سويات يقع عليهن مهمة تغيير العالم، وتقديم رؤى جديدة لا تجعل من المرأة مجرد مخصّية، يوضّح في فصله الأخير مفهوم “الثورة” لتلمس الخطى المنشودة نحو المستقبل.
وتضع غرير تصوراتها عن المرأة المتصفة بالثورية بأنها:
تعرف أعداءها من المتسلطين والناصحين والمحذرين والمتعسفين.
تجد رفاقها في الرحلة.
تبتكر أسلوبها الثوري.
كما تؤكّد على أنه لا بديل عن الوعي السياسي كأسلوب للمواجهة.
تعترف الكاتبة بأنّ كلّ ما تقدّمه من طروحات لا تسلم من مخاطرة الخطأ، فالنساء اللواتي انطلقن لتحرير ذواتهن لسن سعيدات بالضرورة، ولكنهن يتميّزن بالتحدي والإصرار والاستمرار.
التحديات:
وتنتقد غرير في ذات الفصل الممارسات المغلوطة التي تقع فيها النساء، كالتمسك بالأنوثة/ المنافسة لإثبات التفوق/ تبني مواقف الحرب/ وعدم مناصرة نساء السلطة لبنات جنسهن .
حيث توضّح فكرتها عن المرأة الثورية الرافضة للصورة النمطية التي أوجدها المجتمع الأبوي، والتي جعلت النساء يقبلن بهوية مخصّية مزيفة، خاصةً وأنّ الأمور يمكن أن تكون على خلاف ذلك بالتحرر من كل ما يكبلهن على المستوى الشخصي والجنساني والسياسي.
كما تؤكّد على الكف عن حب المنتصرين والميل نحو الرجل القوي، كما تحرّض على فعل المشاركة لتحدي ملكية الرجل لوسائل الإنتاج وزعزعة هيمنة متطلبات الحياة الاستهلاكية، خاصةً وأنّ الكثير منها يستهدف النساء، فتقول:
” لم أكافح من أجل إخراج النساء من خلف المكانس الكهربائية لإدخالهن إلى مجلس إدارة شركة هوفر”
الزواج:
يأخذ مبحث المؤسسة الزوجية جزءاً واضحاً من فصل الثورة، فجيرمين غرير ترفض الزواج وتعتبره نظاماً غير عادل بسبب تفاوت مستويات الأخذ والعطاء، حتى عندما يكون الحب هو الدافع، وتفسّر ذلك بأنّ الحب متاح وموجود ولا يحتاج إلى تأطيره بارتباط الزواج، أما دافع الأمان الذي تنشده النساء فهو إشكالي وغير واقعي، لأنّ الحياة قائمة على التغير وعدم الثبات سواءً للأشخاص أو الظروف، فتقول بأنّ الزواج ليس ضامناً لاستمرارية أي علاقة، أما المرأة التي تتزوج كي تجد من يعيلها، فهي على حد تعبير غرير
“تستحقّ ما تحصل عليه ”
وتجد الكاتبة حلولاً لمساندة الأمهات المستقلات، الأمر الذي يأخذها الى انتقاد المجتمع الاستهلاكي، وتطرح بديلاً عنه مبدأ التشاركية ورفض المعايير الحالية بما تقدّمه من نماذج لمستلزمات البيت ومتطلبات تنشئة الأطفال.
النخب النسوية
تنتقد الكاتبة ما يسمى النخب النسوية وتعتبرها نمطاً ذكورياً، فتلك الفئة التي تصفها بأنها الطبقة الوسطى اللطيفة التي توقّع العرائض وتعقد الاجتماعات تحتاج إلى إعادة نظر، فالأمور تخطّت مسألة مساواة الأجور ووصلت لضرورة تثوير شروط العمل بما يتلاءم مع النساء.
أيضاً ، ترفض غرير اللجوء إلى البحث التاريخي عن المجتمعات الأمومية والانطلاق منها لتأكيد حقوق النساء، فتقول” لسنا بحاجة لشرح أنفسنا” كما أنّ شكل الحياة المطلوب قد يكون جديداً تماماً، ولا علاقة له بتاريخ مكانة المرأة في المجتمعات القديمة، حيث أنّ ثورة النساء هي ثورة على الوضع برمته وليس المساومة، بل التحدي والامتناع عن التعاون مع نظم قامعة.
تخاطب غرير النساء في ختام كتابها فتقول :” حان الوقت لتحكي النساء ويسمع العالم” ويعني هذا تحطيم المسارات القديمة لا إصلاحها ولا التمرد عليها، وتشرح مفهوم الثورية بأنه ما يحقّق طموح النساء في التغيير الجذري المبني على الراديكالية، في حين أنً التمرد جهد غير منظم، أما الإصلاح فمفهوم يبني على الموجود القائم.
تنهي جيرمين غرير كتابها بشيء من التحدي، فتقول:
” هناك الكثير مما يجب أن تقومي به”
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “325“