تاريخ وتراث

حتى في الموسيقى…صوت الطبل أعلى من صوت القانون

إدريس شيخة

الفنون بمختلف أشكالها هي فنون معقدة وعلم واسع الجوانب، لا يستطيع الإنسان العادي ولا المثقف غير المختصّ الغوص في أعماقه؛ لكونه مرتبط بالمعرفة الحسية التي لا يدركها إلا مَن درس ونال الإجازة في هذا العلم العظيم، وإلا فإنه سيوقع نفسه في متاهةٍ لا يستطيع الخروج منها الا بالفشل الذريع، وبالتالي كسب اشمئزاز الآخرين. وسنتناول في هذه الدراسة علماً من هذه العلوم ألا وهي الموسيقا، وسنخصّص هذا الجزء للموسيقا الشرقية، وسنتوقّف على الجدل الذي حدث قبل فترةٍ بخصوص السكيتش الغنائي الذي أطلقته أصالة نصري، لنوضّح للقرّاء الفروقات الموسيقية التي لم يدركها حتى المثقف الكُردي، لأنه خاض غمار فنٍ دقيق بتفاصيله، وأطلق العنان لقلمه دون الاعتماد على أسس وقوانين تدعم الفكرة التي طرحها.

إنّ التأليف الموسيقي هو حالة إدراكٍ للتعابير والانطباعات الحسية الموسيقية، وكيفية ممارستها على الآلات المكتوبة لها في تلك المعزوفة، فهذا التنوع في المدّ والجزر للمخارج الصوتية في الصعود والهبوط، يجعل من هذه المعزوفة أو المقطوعة الموسيقية جمل حسية، تنبض بالحيوية والمشاعر، ما يجعلها مشوّقة للاستماع. وقبل ذلك يعتمد التأليف الموسيقي على اختيار القالب الموسيقي لهذه المقطوعة، وتلك القوالب معروفة لدى المؤلّف الموسيقي من خلال دراسته الأكاديمية، وهي متنوعة وكثيرة، ومن المهم والضروري بعد ذلك استدراك واختيار موضوع (السلم الموسيقي) أو (المقام) الذي سيكتب به العمل الموسيقي، وذلك بالطبع يتبع اللون والطبيعة العامة والحالة النفسية والتعبيرية التي يريد المؤلّف الموسيقي أن يكتب عمله فيها، ويتكوّن التأليف الموسيقي من أربعة عناصر أساسية في تكوينه: اللحن/‏‏ الإيقاع/‏‏ الهارموني/‏‏ الطابع.

وهذه العناصر هي نسيج متجانس ومتآلف صوتياً، تدخل في بناء أي شكلٍ موسيقي منهجي، مبني على أسس وأساليب علمية صحيحة للتأليف الموسيقي، واختلاف الأعمال الموسيقية وتنويعها بين المؤلّفين الموسيقيين يأتي من خلال تنوع واختلاف هذه العناصر، وطرق استخدامها وتنوع مفرداتها داخل المقطوعة الموسيقية.

وكلّ عنصرٍ من هذه العناصر له ميزاته التأليفية الموسيقية التي ترتبط بشكلٍ أو بآخر بالمجتمع والتقاليد والسلطة والسياسة والدين، وبمدى التطور الموسيقي العلمي فيه، ومدى تطور صناعة الآلات الموسيقية ونوعيتهاOrchestration) )، فهو المعرفة لموسيقى الآلات جميعها ومساحتها الصوتية وطابعها اللوني الصوتي وطرق استخدامها ومعرفة الكتابة لها ضمن المدونة الأوركسترا لية (Score) وتأثيرها ووقعها على أذن المستمع. والتوزيع الموسيقي أو التوزيع الآلي هو فن الكتابة للأوركسترا والفرق الموسيقية، وذلك بجمع كلّ الأطباع الفردية للآلات وخلق أطباع أخرى مشتركة متآلفة، وكتابة دور كلّ آلةٍ من الآلات الموسيقية المشتركة في العمل الفني الموسيقي في المدوّنة الأوركسترا لية، والتوزيع الموسيقي فنٌّ مهم ومؤثّر في التأليف والأداء الموسيقي لتصوير التعابير والمعاني والأفكار والأحاسيس التي يقصدها أو يتخيّلها المؤلّف الموسيقي. وخير دليلٍ على ما تحدّثنا عنه هو عمل (لوحات من المعرض) للمؤلّف الروسي الشهير (موسورسكي) والذي كتبه بالأصل لآلة البيانو، وقام بإعداده وتوزيعه للأوركسترا الكبيرة بعبقريةٍ فائقة المؤلّف الفرنسي الشهير (رافييل) وأصبحت شهرته كعمل أوركسترا لي سيمفوني أكثر بكثير من معرفة المستمعين له كمؤلّف للبيانو، واندمجت أسماء (موسورسكي، رافييل) وأصبح العمل باسميهما مقروناً.

العنصر الثاني في التأليف الموسيقى هو اللحن الميلودي Melody)) وأصل الكلمة يونانية وتعني (الغناء)، ويعتبر اللحن من أهم عناصر التأليف الموسيقي، كما يعتبر أساس البناء الموسيقي، واللحن في الموسيقا عبارة عن خط لحني واحد تتعاقب نغماته وفقاً للقواعد الموسيقية، حيث الزمن والصعود والهبوط والزخارف اللحنية، ويجب أن يكون مسار اللحن طويلاً متدفّقاً، وأن يشمل وقفات (ركوز) قصيرة، وأن يبلغ ذروة التعبير في نهاية المقطوعة، وأن يضمنه تصوراته وأفكاره مع تلوينها بالتظليل والتشكيل والتعبيرات المختلفة ليكون وقعها جيداً في الأذن، ويمكن أن يكون الخط اللحني منفرداً أو مصحوباً بأنغام هارمونية. وللصلة بموضوع اللحن، فهناك زاوية شائقة في عالم التأليف الموسيقي وتدعى (الارتجال الموسيقي Musical Improvisation)، وهو إنجاز عفوي مباشر لخلق فكرة موسيقية لحنية من غير تصميم أو تدوين موسيقي مسبق (غنائياً كان أم على آلة موسيقية) وهو أحد أشكال التأليف الموسيقي الآني ، والارتجال هو أداء فني موسيقي تلقائي مرتبط بخيال المغنّي أو العازف طبقاً للحن مبتكر أو معروف (دون إعداد سابق له)، ففي الموسيقا الغربية عُرف هذا الشكل الذي كان يمارسه قديماً عازفو الأورغن والكلافيسان، ومغنّي الأوبرا الإيطاليون في زخرفة أغانيهم، وعُرف ودرج انتشاره بشكلٍ يكاد يصل إلى العلمية في الأسلوب الموسيقي المعروف (الجاز Jazz)، وقد اعتمدت الموسيقى منذ القدم هذا الأسلوب الموسيقي حتى أصبح من أصول الموسيقا المتداولة والشعبية، وخير دليلٍ على الارتجال اللحني هو ترتيل القرآن الكريم والأذان والإنشاد الديني، وهذا يشكّل بحدّ ذاته ظاهرة تأليفية موسيقية.

ويرتبط بالتأليف الموسيقي أيضاً ما يعرف باسم (الإعداد الموسيقي) (الترتيب أو التنسيق الموسيقي Arrangement) ويستخدم هذا اللفظ كثيراً في الموسيقى وفي الحالات التالية: إعادة إعداد كتابة الموسيقي لعدد أقل من الآلات التي كتب فيها التأليف الأساسي للقطعة الموسيقية المراد إعدادها، إعداد كتابة الموسيقي للفرق المدرسية أو فرق الناشئين بتبسيط بعضٍ من فقرات القطعة الموسيقية الصعبة المراد تدريسها ليتمكّنوا من أدائه. إعداد وكتابة المؤلّف الموسيقي لآلة أو لبعض الآلات الأخرى غير التي عُزِفت لها المقطوعة، بحيث يكون هذا الإعداد الجديد ملائماً لتلك الآلة. ويقوم بكلّ تلك العمليات في الإعداد وإعادة التوزيع والتنسيق موسيقيون مختصّون يحملون شهادات في العلوم الموسيقية وبالأساس في مادتي (الهارموني والتوزيع الموسيقي)، وتلقى على عاتقهم عملية الحفاظ على الطبيعة العامة للمؤلّف الموسيقي ومقامه وتعابيره، بل سيكون على هذا الإعداد الموسيقي نقل هذه المقطوعة من عالم إلى آخر بغية إيجاد تعابير وأحاسيس صوتية جديدة ومعانٍ أوسع للحنيات تلك المقطوعة. وعادة تُكتب أسماؤهم (الإعداد الموسيقي) على رأس صفحة المدوّنة الموسيقية للعمل بطريقة (Arranged by))}]*

(المؤلّف الموسيقي ) هو مؤلّف المقطوعات الموسيقية والألحان الجادة بأنواعها المختلفة وتدوينها للآلات أو الأصوات طبقاً للقواعد الفنية، وتسجيل كلّ تفاصيلها وألوانها التعبيرية، ويتطلّب من المؤلّف الموسيقي أن يكون ملماً إلماماً تاماً بالعلوم الموسيقية المختلفة، . إلى جانب ملكة الخلق والإبداع التي هي موهبة تولد مع الإنسان، وهو الذي يعبّر عن الجمل الموسيقية بطريقة تلقائية، وعليه يبتكر ويضيف أفكاراً جديدة في التراث الموسيقي، وإلا كان مقلّداً أو نسخة مكرّرة لغيره. ولكلّ مؤلّف موسيقي شخصيته وأسلوبه الخاص به بجانب مؤثرات العصر الذي يعيش فيه، ويمكن تقسيم مؤلّفي الموسيقا إلى نماذج عدة:

  1. المؤلّف الموسيقي الدرامي الذي يؤلّف موسيقا الأوبرا.
  2. المؤلّف الموسيقي السيمفوني الذي يكتب الأعمال الكبيرة للأوركسترا.
  3. مؤلّف موسيقى الحجرة (ثنائيات/‏‏ ثلاثيات/‏‏ رباعيات… إلخ).
  4. مؤلّف موسيقا الباليهات والأعمال الراقصة.
  5. مؤلّف الموسيقى التصويرية للمسرح والتلفزيون والسينما.
  6. مؤلّف الدراسات والتمارين الأكاديمية للجامعات الموسيقية.

أما مصطلح الملحّن  Melodist)) فهو مؤلّف الألحان، ذلك الموسيقي الذي تؤهّله قدراته وخبراته الدراسية على خلق الألحان والإبداع فيهما وابتكارها على أن تكون مميّزة، وذلك من خلال معرفته وخبرته للمناطق والطبقات الصوتية (الآلية والبشرية) وطابعها النغمي، وأن يسخّر كلّ هذه الإمكانات لصياغة تأليف موسيقي ذي قيمةٍ وعلى سبيل المثال، فقد درج في بلداننا وبشكلٍ واسع هذا النمط من الشخصيات الموسيقية (الملحّن) وأصبح للكثير منهم شهرة فاقت حدود أوطاننا لما امتلكوه من موهبة في صياغة ألحان غنائية وموسيقا آلية ما زالت حية حتى يومنا هذا، ونذكر منهم من الكُرد (دلشاد، عبد القهار زاخوي، أياز يوسف، نظام الدين اريج (فقي تيرا)، (حسين جزيري، محمد عارف جزراوي)، (رشيد الصوفي)، (ريناس كرداغي) ومن المصريين ((سيد درويش/‏‏ السنباطي/‏‏ القصبجي/‏‏ محمد عبد الوهاب/‏‏ ومن لبنان (الأخوين رحباني)… إلخ.

إنّ كلّ مؤلّف أو ملحّن موسيقي عادة ما يبدأ بفكرة موسيقية، وهذه الفكرة أدبية أو فلسفية تتمثّل في لحن يهبط عليه فجأة على صور متنوعة، مصحوباً بإيقاع أو هارموني صوتي أو على هيئة لحن بسيط، ثم يبدأ برسم المسار اللحني له في الارتفاع والانخفاض أو الشدة أو الهدوء، فهو يريد معرفة المعنى العاطفي والتعبيري المناسب له، ثم بعد ذلك يقوم المؤلّف باختيار الوسيط المناسب، يعني هل لحنه يناسب سمفونية؟! أم ذو طابع أكثر ذاتية وأحادية؟! ويختلف كُتاب الموسيقا المؤلّفون من شخص لآخر، فهناك مَن يعتمد على موهبته الفذة، وهناك مَن يعتمد على المخزون من الألحان، وهناك مَن يعمل ويعتمد على الألحان الشعبية ليستلهم منها أفكاره اللحنية في التعبير عما يريد.

إن الحرية الفردية التي يملكها المؤلّف الموسيقي تجعله يخرج عن القوالب الموسيقية التأليفية (مؤقتاً وليس نهائياً)، وذلك مقرون بالفهم الصحيح بالأساس للبناء الموسيقي الذي يظهر لنا أنه نمو تدريجي حي. وهناك من المؤلّفين الموسيقيين مَن هو متحرّر بشكلٌ كامل من القوالب الموسيقية المعروفة بغية صناعة ابتكارٍ جديد خاص، يسعى من خلاله لبداية أو إنشاء مرحلة موسيقية جديدة مرتبطة بهذا النمط الموسيقي. تلحين لا تأليف في وطننا هناك خلط كبير في المفاهيم العامة لمصطلحي (التلحين والتأليف والإعداد الموسيقي)، فالتلحين وكما أشرنا سابقاً هو لحني أحادي وغالباً ما يرتبط بالغناء، أما التأليف الموسيقي فهو علم كتابة العمل الموسيقي بكلّ أحجامه وأنواعه، وغالباً ما يرتبط بالموسيقى الصرفة، ففي موسيقانا لا توجد (مؤلفات موسيقية) بمفهومها الكلاسيكي العالمي، إنما اقتصرت على بعض القطع الموسيقية (أحادية اللحن)، أما التلحين فله الحيز الأكبر في موسيقانا وإرثنا الموسيقي الجميل، خاصةً الغنائي منه الذي أغنى الموروث اللحني العالمي في الطبيعة والتدوين والمفهوم العام للجملة الموسيقية. أما (المؤلّفون الكلاسيكيون) وتلك التسمية أتت من أنّ هؤلاء يعملون في مجال التأليف الموسيقي الغربي، فيعود لهم الفضل الكبير في إرساء مفهوم التأليف الموسيقي وتطوره في منطقتنا.

أما الإعداد الموسيقي فهو التجهيز والتحضير وإضفاء طابع معاصر على القطعة الموسيقية من خلال التوزيع الآلي المتجانس لحناً بما لا يترك اثراً سيئاً على أساس اللحن ومن هذا المنطلق نقول وبعد الاستماع إلى بعض اللجان القانونية حول الاسكيتش الغنائي الذي جاء مزيجاً من ثلاث أغنيات: الأغنية الكُردية التراثية “Ez Kevokim”وتعني (أنا حمامة) والأغنية الجزراوية “خلونا الليلة نغني” للفنان ابراهيم كيفو، مع مقطع من الزجل الشعبي السرياني المغنى باللغة العربية “على ضوك يا قمر تفاح حلو حشنا ومن المسا للصبح خدود حمر بسنا” أنّ الجدل الذي وقع فيه معدّ الاغنية والتي غنّتها الفنانة أصالة نصري، وهو الفنان الكُردي آري جان أنه لم يشر إلى صاحب الأغنية العربية (خلونا الليل نغني) للفنان الأرمني ابراهيم كيفو بكتابة اسمه ونَسْبْ الأغنية له لأنها أغنية ليست من التراث وصاحبها ما زال على قيد الحياة، لكن آري جان لا يؤاخذ عليها قانوناً ..أما المقطع الثاني من الأغنية (على ضوك يا قمر تفاح حلو حشنا) فهي أغنية تراثية زحلق فيها الفنان آري جان بعض الجمل اللحنية حيث أبطأ نمط الدخول إليها مع الحفاظ على روح اللحن الأساسي اما المقطع الثالث من الأغنية فهي من التراث الكُردي العريق از كفوكم (ez kevokm) للفنان الكُردي الراحل…. {(حسن فتاح احمد) المعروف باسم حسن جزيري، وهو ولد في جزيرة بوتان في كُردستان تركيا عام 1917 ومات عام 1983 في زاخو بكُردستان العراق، كان حسن جزيري صاحب الأغنية الكُردية الأصلي ضريراً ويتأتئ في الكلام ولكنه طليق لدى الغناء.

سجّل أول أغنية له عام 1933 بمدينة قامشلي على أسطوانة فونوغراف في عام 1942، امتهن الفنّ وسجّل أول ألبوم له في القسم الكُردي من إذاعة بغداد، وتعدّ أشهر أغانيه (Kevokim lê lê Ez – Lȇ Dȋnȇ )}، فقد غيّر فيها في المقطع الثاني للأغنية حيث كرّر(.. ez aş.. iqê)(  بزخرفة جديدة لطريقة طرح هذه الجملة وكذلك بالنسبة لإعادة إعداد الصياغة اللحنية للمقطع الثاني (ez.. ke.. Vo.. Kim.. Lêlê kevokê). وهكذا تنتهي الاغنية بصياغة لحنية جديدة مع الحفاظ على روح اللحن والتراث المتمثّل بهذه الأغنية والهجوم الذي تعرّض له هذا الفنان الشاب الأكاديمي من ملّته بالدرجة الأولى دون التفكير في تشجيعه كفنان ناشئ في بداية مشواره الفني ودون التفكير في أنّ غناء هذه الاغنية الكُردية من قبل الفنانة أصالة نصري التي تملك ملايين المتابعين على مستوى الشرق الأوسط ذو فائدة عظيمة على تعريف الشعوب بالكُرد من خلال تراثه العريق ومن أغرب أنواع الهجمات على هذه الأغنية أنّ أحد الكتّاب الكُرد قال ((( على صفحته في فيسبوك: “لفتة جميلة من الفنانة أصالة نصري أن تغنّي بالكُردية، إلا أنها لم تكن خطوة مدروسة كما يجب، الأداء رائع، إلا أنّ الكلمات التي تظهر مكتوبة في الفيديو لا تتطابق مع الكلمات المسموعة في الأغنية، عدا عدم ذكر المصدر الأصلي لكلمات الأغنية وللحنها، أتمنّى أن يتمّ تجاوز مثل هذه الأخطاء في أغنية قادمة.))) والغرابة في ماذا يمكن تسمية هكذا نوع من النقد هل هي كلمات تهكميه ام هي ادلاء بدلوٍ لكيلا يكون الكاتب بعيداً عن إبداء الرأي في حدثٍ مهم لأن هذا النقد غير مسند إلى المنطق فما حدث مجرد خطأ إخراجي يمكن تجاوزها لكي تمضي الأغنية في تحقيق الهدف المراد منه.

أما آخر فقد اتّهم اري جان بأنه لا يعرف التحدث باللغة الكُردية ومن المعروف أنّ الفنان أمضى معظم حياته في دمشق الا أنه بالاستماع إلى أغانيه نجد أنه أجاد الغناء باللغه الكُردية بشكلٍٍ رائع، وذلك من خلال أغنيته (nar nar lê narînê) فضلاً أنه الف ألبومه واسماه (Jiyan )
جديرٌ بالذكر أنّ الكثير من الأغاني التراثية الكُردية غُنّتْ على شكل اسكيتشات غنائية دون أن يتعرّض لمعديها أحد على سبيل المثال أغنية (wernê) للفرقة الموسيقية (hunermendên roj ava ) *يقول الموسيقار الكُردي عازف العود رشيد صوفي لمن الخطأ أن يكتب آري جان اسمه فقط على وصف الأغنية،، ومع ذلك فإنّ ما أُثير حول الأغنية ليس له معنى.

نعم الأغنية من الفلكلور الكُردي، وكثيراً ما غنّى مطربو حلب أغنية (غنوا معنا الليلة يا حبايب واي واي)* من جهته يقول الموزّع الموسيقي ريناس كرداغي. “بالنسبة للضجة التي حصلت بشأن إعداد اللحن والكلمة، فالإعداد لا يعني ملكية اللحن أو الكلمة وإنما إعادة ترتيب لبعض الجمل اللحنية أو ألحان كاملة وينطبق ذلك على الكلمات وغيرها من الأمور، مثال بسيط على ذلك: كثير من أساتذة الموسيقى يقومون بإعادة تنويت بعض الأغنيات لغايات التدريس ويكتبون إعداد المدرس الفلاني ولكن يحافظون على ذكر المؤلف أو الملحن أو المصدر، وهذا ما لم يفعله آري ويعتبر خطأ منه، وبغض النظر بقصد أو بدون قصد فعدم ذكره لمصدر الأغنيات التي أعدّها أثار غضب المستمع الكُردي، إضافةً لكونه يُعتبر تهميشاً للملحن والكاتب. هذه النقطة تحتسب عليه”.

ويعتبر كرداغي أنّ ما فعله المُعد هو خطوة ذكية جداً مهنياً لجذب انتباه المستمع في العالم العربي، كون هذه الأغنية لها بصمة قوية في بعض الدول، وغنّتها الكثير من الفرق الغنائية، أما إعلامياً فقد نجح بإثارة الجدل حول موضوعه، وهي طريقة يعتمدها أغلب المستثمرين في السوشيال ميديا لجذب انتباه الجمهور، الأذكى من ذلك اختيار العنوان أو ما نسميه المانشيت الذي يجذب المتابع.

وحول نمط عمل آري جان وأسلوبه في التوزيع الموسيقي يوضّح كرداغي: “في ظلّ تطور الموسيقى الإلكترونية وكثرة فروعها ظهرت الكثير من القوالب الموسيقية والغنائية الحديثة وأهمها ما يسمّى بالـ “Mashup” والتي تصدّرت وبرزت كثيراً في الموسيقى الكَردية، وهذا ما اعتمده آري كقالب في إنتاج أعماله، إذ لاقت أعماله نجاحاً باهراً من ناحية نسبة المشاهدات والمتابعة على منصات التواصل.

ويعلّق كرداغي على هذه النقطة بالقول: ((برأيي، المكتبة الموسيقية الكُردية أغنى مكتبة في العالم من ناحية الأغنية الإيقاعية والملاحم والرقصات والقوالب الغنائية، فبكلّ تأكيدٌ ستكون الوجهة المثالية لكلّ لصٌ، إلا أنّ تمييز الأغنية المسروقة ممكنٌ ولو من بين ملايين الأغاني وذلك لخصوصيتها اللحنية))، وأرجع السبب في السرقات إلى عدم وجود مؤسسات مختصة للحفاظ على هذا الإرث العظيم، كما أنّ الحفاظ على هذا المخزون الهائل لم يحصل إلا بشكلٍ شفهي، وتمّ تدوين جزء بسيط منه حديثاً وهذا بحد ذاته معجزة”.

ويلفت إلى غياب القوانين التي تعالج مسألة تثبيت الملكية الفكرية أو الإنتاجية بقوله: “أغلب دعاوينا ومحاكمنا تحدث على فيسبوك ومواقع التواصل التي لا تقدّم ولا تؤخّر من هذه الناحية، وبكلّ تأكيد إذا لم تثبت الملكية فلا حق لك بالمطالبة، فلا يوجد فقرة من القانون تحميك أو تأخذ لك حقك”.

ويختتم كرداغي حديثه بدعوة الجميع إلى التهدئة (((ودعم فنانيهم وعدم الوقوف كحجر عثرة في طريق المجتهدين، لأنّ الشعب الكُردي هو الداعم الأول والأخير لفنانيه، لعدم وجود شركات ومؤسسات إنتاج، أو مؤسسة كُردية تهتمّ بالمسألة الفنية والموسيقية، “رغم كلّ المآسي والآلام نشكر أنفسنا لأننا حافظنا على إرثٍ عظيم)))
ريناس كرداغي هو موزّع موسيقي وصاحب مشروع STRANÊN KURDAXÊ أي (أغاني كرداغ) الذي أطلقه بالتعاون مع فنانين ومختصين، إذ قام المشروع بجمع ما يقارب 200 أغنية إيقاعية من تراث جيايي كرمينج – عفرين وتسجيلها تباعاً ونشرها على القناة التي تسمّى بنفس اسم المشروع، إضافةً إلى تسجيل 56 أغنية إلى الآن بهدف أرشفة الأغنية الفلكلورية الإيقاعية بشكلٍ أكاديمي والحفاظ عليها من الضياع.

فمن هو اري جان ؟
ولد في حي ركن الدين في دمشق، واسمه باللغة الكُردية يعني روح النار أو نار الروح، تخرّج من المعهد العالي للموسيقى بدمشق تحت إشراف الموسيقي الأذربيجاني عسكر علي أكبر عام 2012، خلال سنوات دراسته، شارك آري جان في العديد من الحفلات الموسيقية كعازف بزق صولو وخاض أولى تجاربه في تأليف الموسيقى التصويرية التي وضعها للفيلم السينمائي الوثائقي «بطل البحار» إخراج طلال ديركي، كما عمل على تأليف الموسيقى لعددٍ من مشاريع التخرّج والنشاطات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية إضافةً إلى عددٍ من المسرحيات التي قدّمت على خشبات المعهد المسرحي وخشبات المسرح القومي.

شارك في عددٍ كبير من ورشات العمل مع عازفين أمثال التركي «عدنان كوتش» والسوري «أيمن الجسري» وكان له حضور في كثيرٍ من الحفلات أهمها افتتاح الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون، وافتتاح المنتدى الدولي لسيدات الأعمال 2005 والعديد من الحفلات ضمن فعاليات احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» و«مهرجان الجاز 2010».

بالإضافة لتلحين بعض شارات الأعمال التلفزيونية والسينمائية، احترف آري جان مجال تأليف الموسيقى التصويرية منذ عام 2010 وحتى الآن حيث قام بتأليف الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية السورية الطويلة والقصيرة إضافةً إلى عددٍ من المسلسلات داخل سوريا وخارجها نذكر منها:
موسيقى تصويرية للأفلام التالية «بطل البحار» إخراج طلال ديركي «الرابعة بتوقيت الفردوس» إخراج محمد عبد العزيز 2015«حرائق» إخراج محمد عبد العزيز «دوران» (فيلم قصير) – 2013«الغيبوبة» – 2016موسيقى تصويرية للمسلسلات «شهر زمان.

إخراج زهير قنوع – 2015«مسلسل دنيا2» إخراج زهير قنوع – 2015«نبتدي منين الحكاية» إخراج سيف الدين السبيعي «زوال» إخراج أحمد إبراهيم أحمد «دومينو» إخراج فادي سليم «كارما» إخراج رودني حداد – موسيقى تصويرية لمسرحيات «دراما» إخراج أسامة غنم والتي قدمت على خشبة مسرح القباني في دمشق 2018، تجربته التمثيلية شارك كممثل في مسلسل بانتظار الياسمين (2015)

ألبوماته: ألبوم (جيان) (jiyan ) نُشر الألبوم في شهر ديسمبر (2017)، حمل الألبوم اسم «جيان»، وهي كلمة كُردية تعني «الحياة»، في حين أنّ كلمات أغاني الألبوم جميعها كانت باللغة العربية. وتمّ إطلاقه على خشبة مسرح «بيريت» في الجامعة اليسوعية في بيروت.

أغاني سولو… وأطلق أغنية سولو بعنوان «ركب أصانصير» أدّاها الفنان أيمن رضا

من مواد جريدة يكيتي العدد 301

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى