حديث في مقهى كردستاني
عبد الرحيم الفارسي
استغل صديق عراقي توقف سيارتنا عند إشارة المرور في أحد شوارع أربيل الفسيحة، ليوجه عتابا إلى صديق طفولته المعجب بتجربة الأكراد السياسية والتنموية.
قال له:”كيف تدعم الأكراد في دعوتهم للانفصال عن العراق. هذا موقف لم أعهده منك، وأنت الرجل الغيور على وطنه!”.
لم يكد صاحبنا يكمل جملته حتى تغير ضوء الإشارة إلى الأخضر، فانطلقنا دون الاسترسال في النقاش، صوب أحد الأحياء الراقية للقاء مجموعة من الإعلاميين.
لكن يبدو أن صاحبنا لم يستسغ موقف صديقه فانتظر إلى أن جلسنا في مقهى الفندق، ليكمل عتابه: “ما الذي يعجبك في تجربة الكرد، ألا تدري أن الكثير من قادتهم فاسدون؟ ألم تر أنهم قدموا مصلحتهم الإقليمية على مصلحة عموم العراق في هذا الظرف العسير؟”.
صمت صديقه قليلا ثم رد عليه: “ألا ترى أن الكرد وفروا الملجأ لنا بعدما ضاقت بنا المناطق التي يسيطر عليها نوري المالكي؟ أتُنكِر رفض الكرد إعلان الانفصال حين كانوا قادرين على ذلك حين توغلت القوات الأميركية في بغداد عام 2003؟ ألم تَرَ أنهم لم يوجهوا ولو رصاصة واحدة نحو بعضهم البعض منذ عام 1997، بينما عرب العراق يقتلون بعضهم البعض على الهوية؟ أتنسى أنهم أفسحوا المجال لبروز قوى سياسية شابة منافسة للحزبين التاريخيين، الديمقراطي والوطني، ونحن مازال العجائز وتجار الدين يحكموننا؟”.
التفتُّ إلى مسؤولة الفندق وهي تشير إليّ، فذهبت عندها، لتخبرني بصوت خافت بأن الشخص الجالس في البهو له شأن كبير في الإقليم.
استعنت بإعلامي كردي لعله يخبرني بصفة الرجل، فقال: “إنه سياسي معروف بتعصبه الشديد ضد العراقيين وكل ما هو عربي”.
قدمني إليه بالكردية، فنظر إليّ للوهلة الأولى نظرة فاترة، لكن ما إن علم أنني قادم من لندن وأوجه له أسئلة باللغة الإنجليزية حتى أفرج عن ابتسامة فيها الكثير من الاحترام، وقدم لي رقم مساعده إن أردت منه أي خدمة.
على مسافة أربعة أمتار منه كان الصديقان ما يزالان منهمكين في مناقشة مصير كردستان والعراق الذي ينحدر بسرعة نحو التفكك.
تساءلت مع نفسي: “إن عدت في العام المقبل إلى أربيل، أتُراني سأجد صديقي العربي، والسياسي الكردي المتعصب، جالسين تحت سقف مبنى واحد رغم عمق الخلاف في الرأي بينهما، أم إن هذه الأيام هي آخر عهدهما بالعيش ضمن الخريطة العراقية التي وضعها سايكس وبيكو قبل قرن من الزمن؟!”.