آراء

حرائق الجزيرة تنذر بالأسوأ ما لم تعالج بالحكمة والتدابير المهنية

عبدالباسط سيدا

موضوع الحرائق التي تعرضت، وتتعرض، لها حقول القمح والشعير في منطقة الجزيرة بات يفرض نفسه بقوة في أوساط المزراعين المتضررين، وسكان المنطقة بصورة عامة، بل اصبح موضوع استنكار واستفسار من جانب السوريين على نطاق أوسع، فهو يمس لقمة عيش الناس مباشرة، وستكون له انعكاسات على الأمن الغذائي، والاستقرار السكاني في المنطقة، ما لم تعالج أسبابه ونتائجه بحكمة، وهو موضوع يحاول بعضهم توظيفه ضمن الجهود المبذولة من قبل أطراف مختلفة التوجهات، متوافقة المصالح، تعمل على تفجير العلاقة العربية- الكردية، وذلك عبر إثارة الشكوك، وتسويق الإتهامات.

إلا أن وعي أبناء المنطقة، وحرصهم على استمرارية الوئام والتواصل بين سائر المكونات، ومعرفتهم بأهداف مروجي هكذا إشاعات؛ كل هذه العوامل ساعدت حتى الآن على منع وصول المعنيين إلى أهدافهم،ويبدو أن هناك من يريد دفع المزيد من أبناء المنطقة نحو الخروج منها، استعداداً لمشاريع قادمة، يُخطط لها.

ولكن خسائر اصحاب الحقول التي تعرضت للإحراق المتعمد، على الأغلب، باتت مقلقة، وتستوجب التحرك السريع من أجل مساعدة المنكوبين، والتخفيف عنهم، وتمكينهم من الإستمرار في البقاء والإنتاج.

وعملية المساعدة هذه يمكن أن تتم، على سبيل المثال، عبر صندوق أهلي طارئ، يؤسسه، ويشرف عليه اشخاص ممن لهم مصداقية مشهود لها، ووضعية اعتبارية محترمة بين أبناء المنطقة، أو ربما تكون هناك جهود محلية في كل منطقة أو حتى في كل قرية، تعرضت للحرائق، على أن تتم دراسة الحالات من قبل مجموعة من الفعاليات المجتمعية، ويتم تقديم المساعدة وفق الخبرات والقواعدالمتعارف عليها بين الناس في مثل هذه الحالات.

هذه الخطوات الإسعافية قد تخفف الضرر والتوتر بعض الشيء، أما المساعدات التي يمكن أن تقدمها المنظمات الدولية، وحتى السلطات المحلية، فيمكن أن تأتي في خطوة لاحقة، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات الكثيرة التي يسجلها الناس حول عمل هذه المنظمات، والجهات المحلية المتعاملة معها، فهناك حديث كثير حول الفساد والمحسوبيات، وتوجيه المساعدات نحو الموالين من دون المتضررين المستحقين بالفعل.

ولا تتحمل المنطقة توجيه الاتهامات المتبادلة غير المؤيدة بالدليل والمنطق، مع أن القراءة المنطقية لواقع الحال تدفعنا للقول بأن من يقف وراء هذه الحرائق الممنهجة هم خلايا داعش النائمة والمتحينة للفرص، ومنهم أولئك الذين تم اطلاق سراحهم بدون مبرر من قبل سلطات الادارة الذاتية، ولايمكن منطقيا توجيه التهم الى الادارة الذاتية ولا الى النظام السوري، كون المذكورين بحاجة الى المحصول هذا العام أكثر من أي وقت مضى، ويهدفان لإرضاء من تبقى لهما من المؤيدين، أو من الساكتين عنوةً على السياسات والممارسات التي تنفذ من الطرفين المذكورين.

ولكن بالتوازي مع هذه الخطوة الهامة، خطوة تقديم المساعدات للمتضررين، لا بد من تناول موضوع الدفاع المدني والنقص المرعب في الاستعدادات لمثل هذه الكوارث، رغم وجود الإمكانيات المادية، والقدرة على تأمين السيارات والتجهيزات الضرورية لمكافحة الحرائق، وهذا أمر مفروض على كاهل سلطات الأمر الواقع التي يشرف عليها الـ ب. ي. د. فالحزب المعني يتحكّم، بناء على أوامر حزب العمال الكردستاني من قنديل، كما نعلم جميعاً، بكل شاردة وواردة في أمور المنطقة، ولذلك فإن مسؤولية العمل من أجل المحافظة على أرزاق الناس ومصالحهم، وأمنهم وأمانهم، تقع على عاتق السلطات المعنية التي تحصل على المساعدات، ولديها موارد تنموية، تتجلى نتائجها في ظهور عدد كبير من الأغنياء الجدد الذين استفادوا من الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة، وذلك عبر إقامة العلاقات مع سلطات الأمر الواقع، وحتى مع النظام والأطراف الأخرى. وفي هذا السياق يطرح الناس الكثير من التساؤلات حول مغزى الفارق الكبير بين الأسعار المعلنة لشراء المنتوجات الزراعية  من جانب النظام، وتلك التي أعلنتها السلطات التي تسمي نفسها “الإدارة الذاتية”. وذلك لمعرفتهم المسبقة بأن هذا الأمر يفتح المجال أمام السماسرة والمسؤولين للتلاعب، وممارسة الفساد تحت شعارات تضليلية، يضع بموجبها اصحابها انفسهم خارج دائرة المساءلة والمحاسبة.

الناس مغلوبون على أمرهم. لا توجد سلطة قضائية مستقلة محايدة يشكون إليها ويحتمون بها، ولا وجود لسطلة تنفيذية منبثقة عن إرادتهم الحرة، وإنما هي حالة سريالية كافكاوية، تدغدغ المشاعر الإنفعالية، ولكنها لا تقنع العقول، طالما أنها لا تستند إلى ابسط قواعد المنطق السليم.

فسلطات الأمر الواقع غير قادرة، أو بالأحرى غير مؤهلة للتعامل بحكمة وحرفية مع قضايا الناس، لا سيما الطارئة منها، وهذا أمر يستوجب في الظروف الحالية إتاحة المجال أمام أبناء المنطقة أنفسهم، ليتمكنوا من التعامل مع المستجدات بخبراتهم المستمدة من الآباء والأجداد، على أن يتم تزويدهم بالإمكانيات المطلوبة، وإزالة العراقيل التي تحول دون حصولهم عليها من المنظمات الموجودة بكثافة في المنطقة، وإن كانت الادارة الذاتية غير قادرة على تأمين فرق الدفاع المدني المؤهلة والقادرة على لعب الدور المناط بها في هكذا حالات، ولعدم توفر الوقت الكافي حالياً لتدريب الكوادر المتخصصة بهذا الأمر، فعلى هذه الادارة وبدون تباطؤ قبول دخول فرق الدفاع المدني السوري التي عملت طوال السنوات الماضية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وبمهنية وكفاءة عاليتين، وهي مدعومة لوجستيا من مجموعة دول تعتبر نفسها أصدقاء الشعب السوري، وحازت على أوسمة تقدير دولية ومنها جائزة نوبل للسلام البديلة، ولهذه الأسباب أضحت مراكز الدفاع المدني أهذافاً لقصف الطائرات الروسية السورية.

المركز الكردي السويدي للدراسات

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى