حرب الدولار وسلطة الاقتصاد الأمريكي
دوران ملكي
قالها صراحةً رئيس الدبلوماسية الأمريكية الأسبق المُخضرَم هنري كيسنجر (من لا يسمع طبول الحرب أصمٌ ستبدأ من الحرب على إيران وتمتدُّ لتصبح حرباً عالميةً، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على المقدرات الاقتصادية لسبع دولٍ عربيةٍ ووضعها في خدمة الحرب).
وفي الحقيقة، تظهر بوادر هذا يوماً بعد يومٍ إذ بات من الضروري الوقوف عند تصرفات الكثير من الأنظمة في المنطقة من الولايات المتحدة وحلفائها الذين يتجاهلون حدود امكانياتهم ويعيشون أسيري أوهامهم وخيالاتهم التي يستمدُّونها من جذورهم ذات الخلفية الدينية وإيديولوجيا الإسلام السياسي، ومحاولة إعادة عجلة الزمن إلى الوراء متناسين أنَّ العالم تجاوز عقدة الكثرة والشجاعة والأسلحة التقليدية التي تعتمد على الإنسان كعاملٍ رئيسيٍ، واستبدالها بوسائل جديدة عمادها الحفاظ على الإنسان كقيمةٍ ساميةٍ بدلاً من التضحية به وزجِّه في الحروب، وتأليف القصص والملاحم عليه، هؤلاء ينطلقون من القيمة الدونية للإنسان ليتمَّ استغلاله تحت شعاراتٍ ويافطاتٍ ولَّى زمانها معتمدين على الفئات الدنيا من المجتمع وهم الأغلبية في مجتمعاتنا الشرقية وتسخيرهم لأهدافهم الاستعلائية بوسائل شبه ديمقراطية احياناً ودكتاتورية أحياناً أخرى، وأكثرهم يقف في وجه التطور، إذ يمنعون على الشعب التواصل مع العالم الخارجي والتفاعل معه حتى يستطيعوا قيادته انطلاقاً من إرادة القطيع وتعويده على التوكُّل والمآلات الغيبية وسلطة القدر بغية التخفيف عـن النفس وعدم البحث عـن الأسباب.
يحاولون بناء أمجادٍ عبر السير على خطى الماضي، وخلق الصراعات والفتن، وإحياء العقلية العصبية التي تعتمد منهج التطرُّف والقتل المفرط والاستهتار بالإنسان حتى الوصول إلى الضياع الفكري والخلقي، والتحوُّل إلى الغريزة الغابية ليجدوا لنفسهم محلاً للإعراب وأصبح جلياً قيام بعض الأنظمة بإنشاء الإرهاب ودعمه وأصبحت أغلب دول العالم على درايةٍ بهم.
يتناسون أنَّ النظام الدولي الحديث مرتبط بشبكةٍ واسعةٍ من الاتصالات تخترق خيالاتنا وأحاسيسنا ومشاعرنا مثل (الفيس بوك والواتس والغوغل.. الخ) بالإضافة إلى شبكةٍ من العلاقات المالية والاقتصادية التي لا يمكن تجاوزها، ولا يمكن للمجتمعات الاستمرار بدونها كونها تعتمد النظام النقدي الورقي والذي يتمُّ دعمه وحمايته عن طريق التبادلات التجارية العالمية اذ تقوم كلُّ دولةٍ بالارتباط مع عملةٍ أخرى في تعاملاتها المصرفية.
اعتمدت أغلب دول العالم الدولار في تعاملاتها كونه يملك القوة والثبات بل يملك الصدارة حتى يُعتبَر اليوم كحبل المشنقة الذي يلفُّ رقاب العملات الأخرى وفي الغالب سيُستعمَل كسلاحٍ فتاكٍ إلى جانب الأسلحة الأخرى .
يُعتبَر الدولار أقوى سلطةٍ اقتصاديةٍ إذ تهابه جميع الدول بإمكاناتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية كونه أصبح يأخذ بعداً سياسياً وعسكرياً.
فاذا تمَّ استخدامه ضدَّ أية دولةٍ فقط بعدم بيعه لدولةٍ ما تجعلها مكسورة الجناح، وما العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على روسيا وإيران وتركيا والتي تهدِّدُ اقتصاداتهم بالانهيار إلا جزء من الحرب القادمة التي لا تحتاج إلى الجنود والعتاد إنها حرب الدولار.
إنَّ تجدد العقوبات الأمريكية على روسيا وإيران وتهديدها بالمزيد هي إعلان حرب اقتصادية حسب ما صرَّحَ به مسؤولو البلدين وخاصةً في إيران حيث جعل العقوبات عاليها سافلها من انهيارٍ للاقتصاد وتراجعٍ في قيمة التومان الإيراني مما يهدُّدُ النظام السياسي بالانهيار، وحتماً سيتمُّ إجباره على التراجع عن جميع مخططاته التوسعية والتدخل في شؤون الدول المجاورة، والوقوف في وجه المصالح الأمريكية والتراجع عن دعم الإرهاب والتلويح بامتلاك السلاح النووي وتطوير منظومات الصواريخ البالستية إذا رغبت في الحفاظ على نظامها السياسي وخاصةً أنه لا توجد رغبة لدى الولايات المتحدة في تغيير النظام الإيراني في الوقت الحالي.
كما إنَّ محاولات تركيا التحرر من القيود الأوربية والأمريكية كونها عضو في حلف شمال الأطلسي وميوله التوسعية على حساب انهيار النظم السياسية في اغلب الدول العربية ابان الربيع العربي واحلام إحياء السلطنة العثمانية سيصطدم حتماً بالمصالح الأمريكية وكانت البداية في حرب الخليج الثانية وهي منع استخدام الأراضي التركية من قبل قوات التحالف لإسقاط نظام صدام حسين، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، والوقوف مع التحالف الروسي الإيراني في الأزمة السورية ضارباً عرض الحائط بعلاقاته مع دول التحالف الغربي لمواجهة الإرهاب ، والتمادي أكثر في اتهام الولايات المتحدة بمساندة الإرهاب في تركيا حسب زعمهم، والوقوف خلف الانقلاب المزعوم وتطوَّرت أكثر باعتقال القس الأمريكي اندرو برانسون واتهامه بالوقوف مع الانقلابيين والعمال الكُـردستاني.
التجأت الولايات المتحدة الأمريكية فقط إلى الدولار مما أدَّى إلى انهيارٍ في الليرة التركية عبر سلسلةٍ من العقوبات الاقتصادية على صادرات تركيا وبعض الوزراء مما دفع بالرئيس التركي إلى اتِّباع وسائله المعهودة، وهي دغدغة المشاعر الدينية للشعب التركي، ومقاطعة البضائع الأمريكية، وحظر الآيفون لمواجهة الدولار ولن يكون شفيعاً له، إذ حظر الآيفون لا ينجيه من قراءة أفكاره عبر الغوغل وبقية وســائل التواصل الاجتماعي التي مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية.