من الصحافة العالمية

حزب «الاستعراض والاستفراد» الديموقراطي!

هوشنك اوسي

يذكر «حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)» في البند الثاني من نظامه الداخلي أنه «يقبل قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان، قائداً للحزب. ويعتبر مؤتمر الشعب الكردستاني (أحد تفريخات العمال الكردستاني) الجهة التشريعيّة العليا للشعب الكردستاني». ما يعني أنه لا يكتفي بجعل أوجلان المرجعيّة الفكريّة أو الآيديولوجيّة لنفسه، كما يردد قادته، ولا يعتبر «العمال الكردستاني» الجهة التشريعيّة العليا لنفسه وحسب، بل يعتبره لعموم الشعب الكردي. ويذكر الحزب الأوجلاني السوري في بند العضويّة ضمن نظامه الداخلي أنه يقبل في عضويّته كل من أتمّ الثامنة عشرة، و «يقبل بنهج الحضارة الديموقراطيّة للقائد عبدالله أوجلان». مع ذلك، ينفي زعيم الحزب صالح مسلم عن حزبه، في شكل قاطع، تهمة أنه الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني»، أو أنه أحد استطالاته أو تفريخاته في سورية! وبالتالي، فحال هذا الحزب، كحال من اختلق كذبة، ولكثرة ترديده لها، صار يصدّقها.
مناسبة هذا الكلام، عقد الحزب مؤتمره السادس، بعد مضي 12 عاماً على تأسيسه عام 2003، ضمن أجواء استعراضيّة، في منطقة رميلان الكرديّة السوريّة الغنيّة بالنفط، حيث أعاد انتخاب صالح مسلم رئيساً لدورة ثالثة، علماً أن النظام الداخلي للحزب لا يتيح له الترشّح لأكثر من دورتين. جرى ذلك حتّى من دون تعديل البند المتعلّق برئاسة الحزب في النظام الداخلي. ومعطوفاً على ما سلف، فصالح مسلم مقيم في أحد البلدان الأوروبيّة، حيث حصل على اللجوء السياسي، علماً أن حزبه ممسك بالسلطة في المناطق الكرديّة!
ذلك أنه من الغرابة والتناقض بمكان أن يقدّم زعيم حزب طلب لجوءاً سياسياً لدى أحد البلدان الأوروبيّة، بينما حزبه يدير سلطة على رقعة جغرافيّة ما! وحتى لو كان وجود مسلم في رئاسة الحزب كعدمه، لأن من يديره وحزبه من خلف الكواليس هم كوادر «العمال الكردستاني»، فهذا لا يعني انتهاك دستور الحزب، إلاّ في حال عدم وجود شخص داخل الحزب بإمكانه لعب دور «الواجهة» الملتزمة بأوامر قيادات «الكردستاني» أكثر منه! ولعل ما يشير أيضاً إلى الجو الاستعراضي، «العرض عضلاتي»، الذي جنح إليه الحزب في مؤتمره، أن الضيوف كانوا ضعفي أعضاء المؤتمر تقريباً. إلى جانب تركيز إعلام الحزب على تواجد بعض الشخصيّات الأجنبيّة باعتباره «نصراَ دبلوماسياً» و»اعترافاً» بإدارة الحزب للمناطق الكرديّة. وكنموذج عن ممثلي بعض الأحزاب «الميكروسكوبيّة» التي دعيت وحضرت المؤتمر، كان هناك «حزب الحمر النروجي».
الحقّ أن هذا الحزب مدين للثورة السوريّة. فلولاها، لما كان على ما هو عليه الآن. فقبلها، كان مظلوماً، ملاحقاً، مقموعاً، مستهدفاً من التحالف الأمني الأسدي – الأردوغاني، على خلفيّة اتفاقيّة أضنة التي بموجبها نفض نظام الأسد الأب يديه من دعم «الكردستاني» وإيواء زعيمه أوجلان ومعسكراته في دمشق. وبعد أن أبلى الحزب بلاءً حسناً في قمع التظاهرات المناهضة لنظام الأسد في المناطق الكرديّة، ونجح في سياسة الترهيب والترغيب لتحييد الكرد عن الثورة السوريّة (بحجّة ان عاقبة الانخراط في الثورة، ستكون وخيمة، أقلّه، تدمير المدن الكرديّة، بنيران وصواريخ الأسد)، منحه نظام القرداحة إدارة المناطق الكرديّة السوريّة. لكن النظام لم يسحب أيديه تماماً من تلك المناطق، وما زال يديرها من خلف الكواليس. هذه الإدارة أطلق عليها الحزب اسم «الإدارة الذاتيّة الديموقراطيّة». وهي تسمية تفتقد إلى أبسط درجات الصدقية.
فلا هي إدارة، كونها تفتقد للكفاءات والخبرات في فن الإدارة. وما هو موجود سلطة حزبيّة، آيديولوجيّة، شديدة التشنّج والدوغمائيّة، أقرب إلى التسلّط، وتتوارى خلف شعارات محاربة «داعش» وحماية المناطق الكرديّة من إرهابه. وهي ليست ذاتيّة، بحكم وجود نظام الأسد، أمنيّاً وإداريّاً في المناطق الكرديّة. كما أنها أبعد ما تكون عن الديموقراطيّة، بدليل تقارير منظمة العفو الدوليّة والمنظمات الحقوقيّة التي تنتقد انتهاكات هذه السلطة، سواء على صعيد قمع المعارضين أو فرض الأجندة الآيديولوجيّة الحزبيّة، أو على صعيد تجنيد الأحداث والقاصرات ضمن قواها العسكريّة.
والحزب يضاعف هيمنته على المناطق الكرديّة، واتخاذه لها رهينة، بحجّة حمايتها من إرهاب «داعش». فقد بدأ بتدمير نظام التربية والتعليم، عبر وضع نظام جديد لتلاميذ المرحلة الابتدائيّة، يسعى من خلاله إلى نمذجة تجربة «الكردستاني»، وترسيخ أفكار أوجلان الطوباويّة. كل ذلك بحجّة تدريس اللغة الكرديّة التي كان يمنعها ويقمعها نظام البعث. كذلك سنّ المجلس التشريعي لـ»الإدارة الذاتية» قانوناً يطلق فيه يد سلطة الحزب في السيطرة على أملاك المهاجرين الكرد، المنقولة وغير المنقولة، و «وضعها في خدمة المجتمع وسكّان الإدارة الذاتيّة»! هذا الفرمان الاستبدادي، الذي سيكون تطبيقه جريمة حرب، أتى أيضاً بحجّة حماية أملاك الناس من «داعش»!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى