حقائق أخرى برسم «حركة المجتمع الديموقراطي»
هوشنك اوسي
تبدو الدعوة التي أطلقها السيّد آلدار خليل، القيادي في «حركة المجتمع الديموقراطي»، في المقال الذي نشرته «الحياة» يوم 13/12/2016 تحت عنوان «دعوة إلى تلاقٍ مُعارض عربي- كردي في سورية»، دعوة في محلّها، على رغم أنها أتت متأخّرة. وهي ينبغي أن تحظى بالترحيب من الطيف السوري المعارض. وما من شكّ في أن كل الانتقادات التي وجّهها للمعارضة السوريّة، السياسيّة منها والعسكريّة، المؤتمرة بأمر المخابرات التركيّة، صحيحة ألف بالمئة، بل ثمّة المزيد مما يمكنه قوله في هذا الصدد. لكن الصحيح أيضاً، وطالما أنها دعوة «سلام وتوافق» كما جاء في نهاية المقال، بضع نقاط نأمل في أن يتسع صدر الكاتب لها:
1 – بإمكان آلدار إقناع أي سياسي أو مثقف أو إعلامي أو مواطن عادي بجديّة طرحه الوطني والتزامه به حتى النهاية. لكن من الصعوبة أن يقنع أي مطلع على تفاصيل تركة ما يزيد عن 5 سنوات مما يناقض ويفنّد كلامه! يكفي إدخال اسم آلدار خليل في محركَي البحث «فرات نيوز» و «هاوار» التابعين لحزبه، حتى يكتشف المرء لائحة طويلة عريضة من التصريحات التي تنطوي على استيراد المشكلة الكردية في تركيا إلى سورية. مثلاً لا حصراً، تصريحه المنشور في «هاوار» (21/7/2016) بعنوان «روجآفا (المناطق الكرديّة السوريّة) نافذة للتعرّف إلى فكر أوجلان»، حيث يقول: «… تجربة روج آفا هي فرصة لتكون نافذة والمجسم العملي الذي سيتعرف جميع شعوب شرق الأوسط من خلالها إلى فلسفة قائد الشعب الكردي» أي أوجلان. والكل يعلم ماذا يعني هذا الكلام في ميزان الصراع الكردي- التركي؟! وخليل يُلحق كل المناطق الكرديّة، طبقاً لمنظومته الأيديولوجيّة والسياسيّة، وحتى التنظيميّة، بحزب العمال الكردستاني (التركي). وفي الوقت عينه، يقول في «الحياة»: «بعض الديموقراطيين في قيادة المعارضة السورية المدعومة تركياً لم يتوانوا عن تصدير إشكاليات الصراع الكردي- التركي إلى سورية، نتيجة للاحتضان والدعم التركيين لهم». ثم يضيف: «من الخطأ تصدير هذا الصراع إلى سورية». ثم إن ما قاله عن «الديموقراطيين في المعارضة السوريّة…» ينسحب أيضاً، وربما أكثر، على آلدار خليل ورفاقه وحزبه، وهذا هو مأخذ قوى الحركة الكرديّة على حزب الاتحاد الديموقراطي.
2 – طالما يطلق دعوة للحوار والسلام مع المعارضة العربية السورية، فالأجدى به أولاً تحرير المعارضين الكرد من سجونه، وهم بالعشرات، ولا يتسع المقام لسرد أسمائهم، وتخفيف قبضته الأمنية على المجتمع والحراك المدني، والكفّ عن تخوين الناس واتهامهم بالأردوغانيّة والارتزاق، مع المضيّ في اللقاء بمسؤولين رسميين وأمنيين تابعين لنظام الأسد.
3 – بعد الأشهر الأولى للثورة السوريّة وقف حزب آلدار بالضدّ منها، وهي لما تزل في الطور السلمي، وقبل ظهور التنظيمات التكفيريّة. وثمة أطنان من الوثائق والأحداث والمعطيات تؤكّد ذلك. أما الشطر الكردي المنخرط في ثورة الحريّة والكرامة، فبكل تأكيد لم يكن «حزب الاتحاد الديموقراطي» و «حركة المجتمع الديموقراطي» وكل تفريخات «العمال الكردستاني» في سورية، بل الموجودون الآن في سجون حزب آلدار، من أعضاء وقيادات الأحزاب الكرديّة الأخرى.
4 – هل يعني خليل ما يقوله عن نظام الأسد بأنه «النظام المجرم»؟!. وإذا كانت الإجابة بـ «نعم»، فماذا يفعل هذا النظام حتّى الآن في القامشلي والحسكة؟!. ولماذا مجالسة القيادات الأمنية والسياسية التابعة لهذا النظام المجرم والتنسيق معها؟!
5 – نجاح خليل وحزبه في تحييد الكرد عن الاستمرار في الثورة، بالعنف والإكراه، هو ما أطلق عليه خليل التوصيف التالي: «رفض الكرد أن تكون مناطقهم مناطق تآمر أو اتفاقات تضر بمستقبل الشعب السوري، وحرصوا على تشكيل ائتلاف واسع أخذاً في الاعتبار حقوق عموم السوريين، من سريان وآشوريين وكلدان وكرد وعرب ودروز وشركس وأرمن وتركمان». وسها كاتب المقال، الضليع والملمّ بتفاصيل النسيج الاجتماعي في المناطق الكرديّة في سورية، عن «الدروز والشركس»… في المناطق الكرديّة. وزجّ بهذه المكوّنات في سياق الحديث والمديح الذاتي، لاستكمال عدّة الكلام الذي يقال في مناسبات كهذه! ثم أين هذا «الائتلاف الواسع» الذي شكّله حزب خليل بما يجعله ممثلاً للسياسات المثمرة والناجعة وطنيّاً!؟
6 – يقول خليل: «الائتلاف، كإطار جامع لمختلف القوى والأحزاب المعارضة، لم يتمكن من التعبير عن تنوع المكونات السورية، وعلى رغم وجود بعض الشخصيات أو بعض التشكيلات التي تدعي هذا التمثيل، فهي في الواقع لا تملك التواجد الفعلي في الداخل السوري، وبالتالي لا تمثل إلا نفسها». إذاً لمن وجّه الدعوة إلى «السلام والتوافق»؟! فإذا صار «الائتلاف» على هذه الدرجة من الانعدام، فما الجدوى من توجيه الدعوة إلى «السلام والتوافق» إليه؟! لكن خليل يستدرك موضحّاً أنه لا يقصد «الائتلاف»، بل «جميع المعارضات السورية المؤمنة بوحدة سورية واستقلال قرارها الوطني…»، وهو ما يُفترض أنه ينطبق أيضاً على «هيئة التنسيق» وغيرها ممن انشقوا وتفرّدوا في نشاطاتهم السياسية. هؤلاء أولى بالدعوة إلى السلام والتوافق.
أيّاً يكن الأمر، فدعوة آلدار خليل جميلة وفيها إيجابيّات كثيرة، لكنها بحاجة إلى قرائن وبراهين. وهي ينبغي أن تطبّق على الصعيد الكردي أولاً، عبر إطلاق سراح السجناء السياسيين في سجون آلدار خليل، والانفتاح على المختلفين معه ومع حزبه والكفّ عن تجنيد الأحداث والقصّر في الحرب ضد «داعش»، وإلاّ، سيُفهم مقاله- دعوته بأنها بروباغندا، إن لم يتم اعتبارها ديماغوجيّة من العيار الثقيل، هدفها إقناع «السبونسر» الأوروبي والأميركي بمدى وطنيّة آلدار خليل وديموقراطيّته، لأن «السبونسر» كلما اجتمع بمسؤول من الاتحاد الديموقراطي، وضع أمامه ملفات ثلاثة: الانتهاكات للمعارضة الكردية، والتبعية للعمال الكردستاني، والعلاقة مع نظام الأسد والمعارضة السوريّة.
الحياة