حل مشاكل الشرق الاوسط يكمن في النظام الاتحادي / الفيدرالية
د. محمد جمعان
الشرق الاوسط ليست فقط غنية بثرواتها المعدنية و الباطنية من البترول ، الغاز و الفحم واراضيها الخصبة الصالحة للزراعة بكافة انواعها ، إنما المنطقة ودولها غنية جدا بتنوعها الثقافي و الحضاري و التاريخي، وهذا يعتبر غنى و ثروة لا تضاهيها ثروات، فمن الاختلافات العرقية الى الدينية و المذهبية ….الخ.
هذا الثراء في الثروات المادية و الروحية المختلفة لم تستفد منها الدول لتطوير المنطقة لمتابعة التطور الحضاري الحالي في العالم، إنما اصبح هذا الثراء و الثروات وباء على المنطقة و العالم برمته.
فأصبحت كلها خلافات و مشاكل لا تستطيع السلطات و الانظمة في المنطقة من إيجاد حلول لها . تطورت هذه الاختلافات الى مشاكل متجذرة بين شعوب المنطقة ونتيجة سيطرة سلطة معينة و حزب أو عرق معين أو قومية أو دين معين ، أدى استحواذ قوى معينة السلطة و و الثروة في البلاد للسيطرة و قمع شعوبها و جر البلاد الى حروب داخلية ضد شعوبها، و بناء سجون و أجهزة قمعية و شراء اسلحة فتاكة تدمر الإنسان و الارض و تحرق الأخضر و اليابس. فبدلا من الاستفادة من الثقافات المختلفة كوعاء للتطور وكثروة ، أصبح اضطهاد الآخر المختلف أو المطالب بحقوقه والعدل، مما أدت الى استحالة العيش المشترك تحت مركز واحد.
و الامثلة الظاهرة للعيان في شرقنا هي : سوريا ، العراق ، تركيا ، ايران ، اليمن ، لبنان ، اسرائيل/ فلسطين، و كذلك عدم إيجاد حل لشعوب منسية أخرى في شمال افريقيا مثل الشعب الأمازيغي ، الشعب الذي قسم بين عدة دول ، هذا الشعب قدره كقدر الشعب الكردي الذي منع، و لا يزال، من ممارسة حقوقه كشعب و ثقافة مختلفة و حتى ممارسة أديانه و طقوسه المختلفة عن العربية/ الاسلامية.
الحروب المستمرة و الاضطهاد الدائم من المركز أدت الى شبه القطيعة بين المركز / السلطات المركزية و الشعوب الأخرى في الدولة .
لذلك و تجنبا لمزيد من الحروب و الخلافات بين شعوب المنطقة، وبالتالي إلحاق تلك الشعوب بركب الحضارة، فلا بد من إيجاد بدائل أنسب لتوجيه هذه الشعوب و وضعها على سكة التطور و التقدم، و الحل الأنسب للتعايش هو توزيع المسؤولية و الواجبات على الجميع بشكل عادل، و هذا الحل هو النظام الفيدرالي ، حيث يتكافأ فيه جميع الشعوب و الأقليات و المناطق القريبة و البعيدة عن العاصمة ، و لن تبقى هناك مناطق منسية ، مناطق فقيرة ، مناطق مختارة و مناطق مهملة و ماشابه ، الكل له حق التطوير و المنافسة .
وبناء على ذلك فإن النظم الفيدرالية تقوم على أساس جمع مختلف الفئات المجتمعية ضمن نظام موحد، وليس على أساس التقسيم أو الفصل بين المجموعات السكانية، لكن مفهوم الفيدرالية أخذ أبعاداً مختلفة في المنطقة العربية نظراً لغياب الوعي بدور هذا النمط من النظم السياسية كمفهوم وإدارة وأسلوب حكم وتنمية، وحل للمشكلات الثقافية و القومية والإدارية، و هذا الدور مطلوب من النخب المثقفة لكي تلعب دورا أفضل و تبني ثقافه ووعي حول هذا النمط من الحياة و التعايش المشترك ، إذ ينظر إلى النظام للفظرالي في العديد من الدول الغربية على أنه أفضل نظام للحفاظ على الوحدة الجغرافية للدول التي قطعت الأقاليم فيها شوطاً كبيراً في الاستقلال الإداري عن سلطة المركز.
هناك عدة حالات ناجحة جداً من نظم الحكم الفيدرالي، وخاصة الدول التي نشأت من خلال الاتحاد بالانضمام و الاتحاد الاختياري الحر وهي الطريقة الغالبة والشائعة لنشوء الاتحاد الفيدرالي، حيث تنضم عدة أقاليم مستقلة وتشكل دولة واحدة مع احتفاظ كل منها بقدر من الاستقلال الذاتي؛ لأن الهيكل الفيدرالي يسمح لها بذلك، حيث تتحد عدة ولايات متقاربة تشترك شعوبها في ملامح اجتماعية وجغرافية وتاريخية، فتتنازل كل واحدة منها عن بعض سلطاتها الداخلية وعن سيادتها الخارجية وفق دستور فيدرالي، ومن أبرز هذه النماذج: الولايات المتحدة الأمريكية التي تشكلت عام 1787، والاتحاد السويسري الذي تشكل عام 1874 وجمهورية ألمانيا الاتحادية التي تشكلت عام 1949، والإمارات العربية المتحدة التي تأسست عام 1971.
و نموذج الإمارات العربية المتحدة هو نموذج ناجح، يظهر التطور الخارق لهذه الدولة التي وصلت لمصاف الدول المتطورة عالميا في أغلبية المجالات و العيش الرغيد لجميع إماراتها….
فالمطلوب من النخب المثقفة في المنطقة العمل على إيجاد حوار جاد و فعال و بناء، لخلق هذه الاجواء من وعي ثقافي وعلمي و موضوعي حول ان الاتحاد / الفيدرالية هو النظام الأفضل لإدارة شعوب المنطقة، و بالتالي خلق كيانات تتفاهم على مبادئ الحرية و بناء مجتمعات ديموقراطية متقدمة تتساوى في الحقوق و الواجبات، القوي مع الضعيف و المتدين مع اللاديني و الغني مع الفقير . مجتمع يتساوى فيه الجميع في سبيل التطور و البناء و المنافسة الحرة الشريفة، و بذلك يتم سد الطريق على الحروب و الصراعات الدائمة.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 286