شريط آخر الأخبارلقاءات وحوارات

حوار خاص مع المعارض السوري ميشيل كيلو

Yekiti Media

 أستاذ ميشيل .. الكلام عن( أسلمة) الثورة السورية و (عسكرتها) شائعٌ بشكلٍ عام، و في أوساط شريحة المثقفين السياسيين، بشكلٍ خاص. ،ما الذي يترتّب على هذه الشريحة إزاء هذا الكلام.. برأيكم؟

يجب على المثقفين إبراز الطابع الوطني للثورة .

جواباً عن سؤالكم حول عسكرة الثورة وما يترتّب على المثقفين ؟ أعتقد أنه يجب على المثقفين إبراز الطابع الوطني للثورة، الذي لا بدّ أن يعلو على الانتماءات الدنيا ، حزبيةً كانت أو هامشية وخاصةً عليهم وضع انتماءتهم الوطنية فوق كلّ ما عداها، وتشجيع المواطن على رؤية انتماءاته جميعها في ضوء انتمائه الوطني، بدل أن يرى انتماءه الوطني في ضوئها ، و بالأحرى بدل أن يغيّب انتماؤه الوطني وراء انتماءاته الخاصة ، ويغيّب ما هو مشترك بين السوريين، ويفاقم اختلافاتهم وخلافاتهم ، مثلما حدث خلال الثورة ولعب دوراً خطيراً في حرفها عن الحرية كهدفٍ وطني وجامعٍ لهم، وفي تأجيج صراعٍ يبدو بلا نهاية بين إنتماءاتٍ خسروا بسبب تمسّكهم بها رهانهم على الحرية، وغرقوا في زمن البؤس والهزيمة ،الذي نحن فيها .

 أُعلن عن تشكّل عددٍ كبيرٍ، نسبياً، من الأحزاب السورية ، خلال السنوات التي أعقبت بدء الثورة.!، أي سبيلٍ ترونه، لتأطير عمل هذه الأحزاب، و الوصول لرؤيةٍ سياسية مشتركة، كبرنامج الحد الأدنى لها؟

 البعث هو مجرد غطاء إيديولوجي مهمته حجب وجود حزب المخابرات .

 هناك احزاب تشكّلت في الداخل واحزاب في الخارج.، أعتقد أنّ المجموعتين تعانيان من مشكلةٍ جوهرية ؟ بالنسبة لمن في الداخل ، فقد سمح النظام الأسدي لهم بتشكيل أحزابٍ ، لكنها تعمل في البيئة التي يعتمدها ، وألزمهم بها، وبهذا المعنى ، فإنهم سوف يدورون في حلقةٍ مفرغة ، ما داموا يمثّلون قلة التقت وقرّرت تأسيس حزبٍ، ثم تقدّموا بطلبهم إلى الأمن لنيل الموافقة على تشكيل حزبٍ، هذا إذا لم يكن الأمن هو مَن طلب منهم تأسيسه، وبذلك يخرجون عملياً من الحياة العامة، لأنّّ المخابرات لن تسمح لهم باعتماد خطط وبرامج تغيّر علاقاتٍ لقوى في المجال العام،  أن سمح لهم أصلاً بالانخراط فيه،  لذلك أعتقد أنّ وزنهم سيبقى صفرياً، لأسبابٍ تتعلّق بعدم رغبة المواطنين الجياع والمشرّدين والغارقين في الفاقة بالانتماء إلى أحزابٍ لا تستطيع أن تكون غير رديفةٍ لحزب البعث ، وبالعمل السياسي المباشر أو الالتفافي مع السلطة. اما في الخارج ، فهناك استسهال كبير لمسألة تشكيل الأحزاب .. الخ ، لأنه ، كما تعرفون، يُفترض أن يكون الحزب تنظيماً يلبّي حاجةً تاريخية لقطاعات من الناس لها مصالح طبقية ومجتمعية خاصة، ويتفاعل مع بيئةٍ سياسية وفكرية يقدّم أجوبةً عن الأسئلة االتي تطرحها على المجتمع وعليها. بهذا المعنى ، لا يستحقّ اسم الحزب كلّ تجمّعٍ نخبوي يضمّ  كم شخصٍ – قرّروا تشكيله ، ولا بدّ أن يتخلّف في إطار تيار  واسع، يقرأ الواقع في ضوء الصراعات والمصالح الاجتماعية، وماهو جديد تاريخياً من تطورٍ ، ويعمل بالتالي لملاقاة هذا الجديد بمعونة رؤية أو أيديولوجيا يتفاعل معها الشعب أو قطاع كبير منه . عندنا تكوّنت أحزاب نخبوية، تبنّت أفكاراً نخبوية لحامل أقلوي عددياً، لم ينطلق من المجتمع ومن التفاعل مع مستجدات تاريخية ، أو وضع اجتماعي جديد. لذلك، كان مَن شكّلوا الأحزاب  أقليات عددية التقوا على فكرة ،وعبّروا عنها في بياناتهم، وحين ظلّوا معزولين عن مجتمعهم ، توجّه اهتمامهم نحو السلطة بما هي موضوع السياسة الرئيس، إن لم يكن الوحيد،  وبعد حينٍ وجدوا آنفسهم أمام خياراتٍ صعبة كالدوران في حلقةٍ مفرغة، أو العزلة أو استقطبت السلطة بعضهم، ووجدوا أنفسهم أمام خلافات وانقسامات ودخلوا في تشابكاتٍ تناقض ما كانوا يعدون به عندما شكّلوا حزبهم . شخصياً، لا أعتقد أنّ لدينا أحزاب فاعلة وتستقطب الناس داخل وخارج سورية، فكما تعلم فإنّ الناس في الداخل، وبسبب سيادة الفضاء المخابراتي العام تخلّوا حتى عن حزب السلطة، بعد بدايات الثورة، وحزب السلطة في نظري ليس البعث، على إجرامه، بل هو  المخابرات: الحزب الكبير والمنظّم ولديه الوسائل الضرورية للعمل طيلة أربع وعشرين ساعةً. أما البعث فهو مجرد غطاء أيديولوجي مهمته حجب وجود حزب المخابرات.

  كيف تفسّرون غياب التضامن العربي و الإسلامي على المستويين الشعبي و الرسمي، مع الشعب السوري الثائر، الذي يتعرّض للبراميل المتفجّرة و الأسلحة الكيميائية من قبل نظام الحكم ؟

هناك تضامن مع الشعب السوري ، لكن يأخذ شكل شفقة ورأفة ، أكثر مما يشكّل فاعلية سياسية وإنسانية .

   من تجربتي وعلاقاتي الشخصية، أعتقد أنّ هناك تضامن، لكن يأخذ شكل شفقة ورأفة أكثر مما يشكّل فاعلية سياسية وانسانية . عندما تتكلّم مع أيٍ كان، سواءً في العالم العربي أو هنا في أوروبا، ويسألونك من أين أنت؟ ، وتخبرهم أنك من سوريا ، يقال لك بغضب: ما هذا المجرم الذي يقتلكم ،وكيف تتحمّلونه.؟ هذا الموقف واسع الانتشار جداً في أوروبا ،لكنه لا توجد عندنا، للأسف الشديد ، جهود موجّهة نحو تعبئته ونظيمه، وليس لدينا مؤسسات تتفاعل مع أصحاب هذه الأصوات، لتحوّلها إلى تيارٍ سياسي ، تضامني و إنساني فاعل يغطّي القارة، ويضغط على أصحاب القرار فيها. لا تتوفّر لنا هذه المؤسسات . أما في العالم الإسلامي والعربي فيكفي شعوبه ماهي فيه مما يحول بينها وبين التضامن معنا، بما أنها هي أيضاً في قبضة اجهزة عنيفة وعاتية، وتعاني من مشكلات لا أول لها ولا آخر . إذا كان ٤٠٪ من الشعب العربي أو الإسلامي تحت خط الفقر، وكان جزء منه يفضّل المخاطرة بحياته، والاستهانة بخط الغرق في البحر، على البقاء أسير الفقر و الإذلال في وطنه، ما الذي سيجعله يتضامن مع الشعب السوري، إن كان هو آحوج منه إلى التضامن ، وكان لا يغامر بما يرفضه نظامه: تضامنه معنا ؟ هناك تعاطف فردي ،لكنه لا يُترجم إلى تضامنٍ جماعي وإنساني ، ونحن كمعارضين لم ننتبه إلى هذه القضية ولم نولِها الأهمية التي تستحقّها، وليس مستغرباً أن الناس لطالما اعتقدوا أننا مجموعة إرهابيين ، مثلما كان يتّهمنا الأسد . في الفترة الأخيرة ، تغيّر الموقف بعد تحوّلات المواقف الدولية، خاصةً بعد أن تأكّد رفض النظام الأسدي للحلّ السياسي، وتصميمه على  تحقيق حلٍّ عسكري جعله يفتك ويبطش بجميع السوريين دون تمييز، الأمر الذي افتضح بعد محاكمات جرت في بعض بلدان اوروبا ،وبعد العمل الذي قام به الصديقان أنور البني وميشيل شماس ومن معهم من حقوقيين بذلوا جهوداً رائعة نبّهت العالم إلى ما ارتكب من فظاعات، قدّم قيصر العظيم أدلة ملموسة عليها من خلال صور الجثامين، التي قتل أصحابها تعذيباً ،ورآها العالم بذهولٍ أثار الرعب لديه.

 كيف تقيّمون العلاقة بين الكُرد والمعارضة السورية  ؟ وهل لكم تواصل مع أطرافٍ كُردية محدّدة في الفترة الأخيرة ؟ وماهي طبيعة هذا التحرك ؟

لابدّ أن ينال الكُرد حقوقهم القومية في مجالات الثقافة واللغة والإدارة والاعتراف الدستوري .

   في تقديري أنّ الكُرد هم اليوم ثلاثة أطراف : المجلس الوطني وله دون شك بعض” الدالة” على الناس القريبين منه ، وقسد بما ومن معها من توجّهات وتيارات . بسبب كثرة تنظيمات الطرفين، أعتقد أنّ المواطن الكُردي العادي صار حائراً بين ما يريده ويراد له . أما بالنسبة إلى المعارضة فأعتقد أنّ هناك مشكلة حقيقية تنبع من حقيقة عدم إجراء حوارٍ مع الكُرد، كان يجب أن يتمّ في مرحلةٍ مبكرة جداً بعد الثورة، للوصول إلى اتفاقٍ على جدول أعمالٍ موضوعه الرئيس نمط الدولة المطلوب لسوريا بعد الأسد، وسبل بلوغه،  وإلتزامات المتحاورين به ، كلٌّ في مناطق وجوده ، اساسه التعاون والتكامل في الرؤية والنشاط الموجّه ضد النظام الأسدي، وكيف نسقطه، وماهي خطة تحقيقه إليه. .. الخ. غاب الحوار، ففعلت الأحكام المسبقة وأشكال سوء الفهم التقليدية فعلها، حتى صار الحوار يبدو وكأنه يجري بين أطرافٍ متعادية، ويحتاج إلي وسطاء.  أعتقد شخصياً أنّ القضية الكُردية في سوريا هي جزءٌ من القضية الوطنية الديمقراطية العامة،  قضيةٌ فرعها الأول المواطنة المتساوية للكُرد مع غيرهم من جميع السوريين، وفرعها الثاني حقوقهم النابعة من خصوصيتهم القومية كطرفٍ ينتمي إلى دولةٍ ومجتمعٍ سوري، لا بدّ أن ينال حقوقه القومية في مجالات الثقافة واللغة والإدارة والاعتراف الدستوري… الخ، كالتزامٍ وطني يمليه التوافق على نمط الدولة. هذا كله ليس مطروحاً اليوم للأسف ، ولا بدّ من العمل له ، لقطع  الطريق على مَن يعتقد أنه يستطيع فرض أهدافه الخاصة على السوريين، في ظلّ حالة الضعف التي تنتابهم، وتراجع أوضاع المعارضة، وما يرونه من فرصٍ للتفاوض من مركز قوة، وهذا سوء تقدير وفهم ! هذا الإشكال من الاختلاف على ما يجب أن يكون هناك من حوار واتفاق حوله باعتبارنا جميعاً نرغب بسوريا ديمقراطية يجب أن يزول ولن يزول إلا إذا قرّرنا فتح باب الحوار وحاورنا بصدقٍ وبنزاهة ومن دون خلفيات ونتفهّم حقوق بعضنا ونؤيّد أن يصل كلّ طرفٍ إلى حقوقه بطريقةٍ ملزمة ومعلنة وحقيقية من دون – لعب أو غش – علماً أنني أرى بأنّ مَن يراهن على الوصول إلى حقوقه بطريق خاص لايمرّ بالمعارضة وبالتالي بالخيار الوطني الديمقراطي لن يصل إلى شيء والذي يراهن على إعادة الكُرد إلى زمن حافظ الأسد وعائلة الأسد أيضاً لن يصل إلى شيء وفي الأول والآخر يجب أن نجد طريقاً يخرجنا من هذه المأساة التي نعيشها . ..

 في الفترة الأخيرة كان هناك تواصل مع الشيخ رياض درار والسيدة إلهام أحمد وأحد الأخوة ومع الأسف لا أتذكّر اسمه لأنني ألتقيه أول مرة ، وقلنا وجهات نظرنا واتفقنا أن نحاول أن نطوّر قواسم مشتركة ، نقاط يمكن الانطلاق منها، أن نجد حلول تلبّي مصالح كلّ الأطراف ، ولكن للأسف الشديد التطورات التي تحدث هذه الأيام على الأرض لا تشجّع كثيراً على أن نقول إنه نحن كسوريين لنا دور كطرفٍ هو مهتم ومعني بحلّ قضيته ، وأنا أعتقد بأنّ الاتفاق الذي حصل بخصوص النفط هو أول خطوةٍ تتمّ بين دولة أجنبية  وهي الولايات المتحدة عبر شركة نفط أخذت موافقة من وزارة الخارجية وبهذا المعنى يعتبر موافقتها رسمية وبين طرف ينجز اتفاق حول ثورة سيادية هي ملك للشعب السوري كله ، فكأنهم راغبين أو ذاهبين إلى حلٍّ من الخارج ، أو راغبين في حلٍّ خارج القرارات الدولية والتوافقات الوطنية ،هذه قصة خطيرة جداً جداً وجداً جداً ، وأنا أعتقد بأنّ هذا الخط إذا استمرّ فهو سيأخذنا إلى ما لا نريد جميعاً

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى