حوار مع الشاعرة والكاتبة خديجة السعدي
نص الحوار
باسم هيئة تحرير يكيتي نرحّب بالشاعرة والكاتبة خديجة السعدي ونشكرها على منحها لنا بعضاً من وقتها الثمين ،والسيدة خديجة السعدي هي كاتبة وشاعرة. خريجة جامعة مينسك للصحافة في جمهورية بلروسيا .
تكتب في العديد من الصحف العراقية و العربية.
الكتب المطبوعة :
١- مجموعة شعرية بعنوان ” أزهار الفجر ” بطبعتين في ٢٠٠٣ و ٢٠٠٦
٢- مجموعة قصصية بعنوان ” قصص صغيرة ” سنة ٢٠٠٩
٣- مجموعة شعرية بعنوان ” قصائد عن الحبّ والغربة وأشياء أخرى” سنة ٢٠١٤
٤- مجموعة شعرية بعنوان ” ممرات العبور ” سنة ٢٠١٦
٥- مجموعة قصصية بعنوان ” عوالم ” سنة ٢٠١٨
٦- مجموعة شعرية بعنوان ” حصيرةُ أمي ” سنة ٢٠٢١
س: ما هي أهم عوامل انتهاك حقوق المرأة ومسبّباتها؟
ج : الانتهاكات ضد المرأة قديمة جداً ، ففي العصور القديمة كانتْ المرأة هي الربّة، والملكة، وصاحبة الكلمة النافذة في المجتمع وهي أيضاً أول مَن مارس مهنة الزراعة.، وأول مَن كتب قصيدة شعرية في الغزل، ولكن قبل البدء في ذكر عوامل الانتهاك ومسبباتها التي أدّتْ إلى تقليص دورها وتهميشها، يجب الإشارة إلى أنّ الحقوق لا تُمنح بسهولة، بل تؤخذ بالمُثابرة، وقوّة العزيمة، وامتلاك الوعي للمشاركة في عملية التأثير والتغيير، والتحويل المجتمعي نحو الأفضل والأرقى.
في أواخر عصر الزراعة ظهرتْ الحاجة إلى العمل المُكثف، وإلى القوة البدنية القويّة في إدارة شؤون العمل، وبما أنّ الرجل يمتلك القوة الجسدية اللازمة للعمل المُضني والشاق ، أخذ يشعر بأهميتهِ وبدأ يفكّر بأخذ دور القيادة في العمل وإخضاع المرأة لسيطرته ، ومن هنا توالتْ الانتهاكات وسلب الحقوق وابعاد المرأة عن العمل وجعلها أسيرة أحكام الرجل، ومن الأهمية أن يُشار إلى ما قامتْ به الأديان القديمة كافةً من لعب الدور الرئيسي في عملية إهانة المرأة وسلب حقوقها من خلال ما كانت تنشره “دور العبادة” بحقها ونعتها بنعوت لا تليق بها وبمكانتها القديمة، وأشهر هذه النعوت هي “المرأة الشيطانة” و”المرأة الساحرة” وملاحقتها ومراقبة تصرفاتها وإلحاق الأذى بها، عبر كلّ الوسائل المُتاحة، والاقلال من أهمية دورها.
ففي القرون الوسطى على سبيل المثال قتلتْ الكنيسة خلال القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر أكثر من خمسة ملايين امرأة رجماً بالحجارة وحرقاً وقتلها بالمقصلة لاحقاً ، والحال مُشابه بالنسبة للأديان الأخرى فلقد تمّ منعها من التعليم وخاصةً في المراحل المتقدمة، وزرع المفاهيم الخاطئة في عقول الغالبية المُتدينة، والترويج لمفهوم المرأة مكانها البيت والمطبخ وتربية الأطفال، وعدم السماح لها بالاختلاط والمشاركة في الفعاليات الاجتماعية المختلفة، وعدم أخذ رأيها في الزواج، وسيطرة رأي الأب، والأخ الأكبر، ومن ثم الزوج، والابن الأكبر والتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة في حياتها الخاصة، وغيرها من الأفعال التي ترغمها على أن تكون تابعة للرجل أينما تكون.
وبمرور الوقت بقيتْ المرأة خاضعة لهذه الأفكار وغير قادرة على عمل أي شيء مُخالف لرأي الرجل، وترسّختْ في ذاكرتها وتناقلتها وراثيّاً حتى أصبحتْ هي الأخرى تُربّي أطفالها على هذا الأساس.
ففي المُجتمعات الشرقية الحالية يبرز بوضوح دور الدين في عمليات إذلال المرأة وخشوعها وعدم السماح لها بممارسة أي فعل من أفعال الحرية الشخصية والعامة.
س: هل توجد عوامل أخرى ساهمت في البقاء على الحالة المُتردية للمرأة؟
ج : تلعب السياسة أيضاً دوراً مشوّهاً في إبقاء حالة التخلف الدائم للمرأة وإن ظهرت هناك مجموعة من النساء في مراكز متقدمة وظيفيّاً ، فهنّ مُقيدات بالتزامات حزبية وتنظيمية ودورهنّ ليس فعّالاً كما ينبغي أن يكون.
ومن الإنصاف قول وجود بعض النساء الواعيّات والقادرات على لعب دور القيادة والمشاركة في خلق حالات التغيير والتحويل المجتمعي كونهنّ في أحزاب وطنية واعيّة أو مثقفات ثقافة وطنية خارج الحزب، والتنظيمات الاجتماعية كونهنّ من عائلات وطنية مُثقفة، ولكنّ الحكومات المتتالية لم تسمح لهنّ بأخذ دور الريادة ولهذا ما زلن واقعات تحت وطأة البطش والإبعاد والتهميش وعدم المُبالاة.
س: ماذا عن قانون الأحوال الشخصية؟
ج : قانون الأحوال الشخصية الحقيقي الذي يمنح المرأة حق ممارسة حياتها بشكل طبيعي بعيد عن التبيعة للرجل ما زال غائباً في مجتمعنا الحالي ، فقانون الزواج المُبكر، وعدم تسجيل الزواج بالمحكمة، وتعدد الزوجات، وسماح الدين بزواج المُتعة، والمسيار والذي يُعتبر “عُهر مُبطن داخل الأديان”، وقتل الحب وهو في المهدِ، وغيرها من الحقوق التي ما زالت المرأة محرومة منها في المجتمعات الشرقية كافة.
يُحضرني مثل ياباني جميل يقول: “إنما البيتُ امرأة” بدونها تتعطّل الحياة فهي التي تُربي وتُعلّم كلّ أفراد المُجتمع. حين تكون المرأة يقظة وواعية فالمجتمع كلّهُ يكون بأحسنِ حال.
س: وماذا عن العائلة والمجتمع بشكل عام؟
ج : ما تُعانيه المُجتمعات هو صورة عن تخلف الواقع العام للعائلة بسبب غياب الوعي الكلي، وأكيد هذا الشيء لا ينطبق على الجميع ، فهناك عائلات راقية ومُتعلّمة ومُتفهمة لدور المرأة، ولكنها ليست بالمستوى الذي يجعل المجتمع بكامله قادر على تجاوز المفاهيم القديمة وغير الواعية لدور المرأة في المجتمع، فلو كان الرجل واعيّاً ومُدركاً لكانت المرأة والأسرة لا تُعاني من أي نقص واحتياج.
الرجل في المجتمعات المتخلفة هو الآخر غير قادر على تجاوز واقعه بسبب التخلف الاجتماعي الآنف الذكر، فالرجل والمرأة كلاهما ضعيفان ودورهما لا يكاد يُذكر، ولكن وما يجعل الرجل مُتفوقاً على المرأة هو غياب القانون، والفوضى السياسية القائمة، والقوة الجسدية التي تجعلهُ يُهيمن على حياة المرأة والأسرة بكاملها.
س: هل يكفي العمل في المنظمات والحركات الاجتماعية للدفاع عن حقوق المرأة؟
ج : ازدادت في الآونة الأخيرة المنظمات التي تعمل من أجل صالح تقدم المجتمع المدني، وتُطالب بدور أكبر وأهم للمرأة، ولكن مُجمل هذه المُنظمات غير قادرة على لعب دور القيادة والتوجيه، فالعقلية هي ذاتها الموجودة عند الغالبية الخاضعة والمُسيّرة فهي لهذا لا تستطيع أن تُدافع عن المرأة وأسرتها في ظل شريعة الغاب، وغياب القوانين التي ترعى وتهتمّ بشؤون المجتمع بكامله، فمـن يعمل داخل هذه المُنظمات هم من أفراد هذا المُجتمع وإن تباينتْ أفكارهم الثقافية والاجتماعية والسياسية قليلاً.
الكثير من الرجال يتحدّثون عن الحريّة، والحق، والمُساواة خارج بيوتهم، ولكن الأمر يختلف حين يتواجدون داخل بيوتهم، فهناك العديد من الرجال يضربون زوجاتهم وبناتهم لأسباب لا يقتنعون بها ، فأيّ دور يلعبهُ مثل هؤلاء الرجال من أجل المرأة والعائلة.
س – وماذا عن المرأة الجاهلة ؟
ج : ما ينطبق على الرجل الجاهل ينطبق على المرأة الجاهلة أيضاً،، كلاهما يفتقدان الوعي. الوعي إذاً هو “التزام داخلي” في المقام الأول، بمعنى آخر أن يكون الإنسان حرّاً عليه أن يعمل ويتصرف بشكل عقلاني بدون مُراوغة كلامية ونفاق وتحيّز أعمى.
الوعي لا يدخل إلى العقل البشري إلا بالعلم والمعرفة واستبدال طرق التفكير القديمة بأخرى تتماشى مع التطوّر العام للبشرية جمعاء وبدون الوقوع في أخطاء الماضي وتكرارها.
الوعي هو أن نمنح ما عندنا للآخرين دون ندم، ونتجاوز الماضي برؤية نافذة وبصيرة واعيّة، وأن نحبّ ونتفاعل مع الجميع بروح عالية من المسؤولية، فالحب بمفهومه الواسع يُلقي بظلالهُ على جميع الأحياء في الطبيعة حينها سيسمو القانون الطبيعي ومعهُ ترتقي المجتمعات ويسود بينها السلام والمعرفة وصولاً إلى المعرفة الكليّة.
س : ما أهمية دور القانون في تنظيم المجتمع وهل هو موجود في مجتمعنا؟
ج : القانون هو الحدّ الفاصل بين التخلف والتقدم، فحين يغيب القانون تعمُّ الفوضى ويزداد التخلف ويغيب دور الفرد رجلاً كان أم امرأة ويفقد المجتمع بكامله مكانته بين المجتمعات الأخرى.
يُقاس تقدم المجتمع بوجود القوانين التي تحمي المجتمع وتدافع عنه، وفي ظلّ القانون يتطور وضع المرأة والطفل والأسرة بكاملها، وهذا هو بداية درب التطور الطويل للمجتمع.
س : نعرف جيداً بأنّ الثقافة هي انعكاس لواقع المجتمع ماذا باستطاعتك القول بشأن ذلك؟
ج : المجتمع الذي لا يهتمّ بالثقافة وبالتعليم بمختلف مراحله، لا يخرج من دائرة الظُلمة الداكنة ويبقى في وضع متخلف ولن يتغيّر ويعيش خارج الحضارة الإنسانية.
س: كيف هو حال الأدب النسوي العربي، والكُردي، وأدب باقي القوميات في البلاد وما هو دور السلطات المسؤولة؟
ج : الحديث عن الأدب النسوي يأخذ أبعاداً مُختلفة، فانا شخصيّاً لا أُحبذ الدخول في مثلِ هذه المتاهات، فالأدب يُعكس إدراك، وانتباه الأديب رجلاً كان أم امرأة فعلى سبيل المثال لا الحصر تكتب المرأة برقة وبأحاسيس مُرهفة، وبمجالات مُختلفة، والسبب يعود إلى كون تركيب دماغ المرأة يختلف عن تركيب دماغ الرجل، فدماغ المرأة دائري التكوين وهذا ما يجعلها تفكّر بأمور مُختلفة في آنٍ واحد، فمثلاً تكون المرأة جالسة في المطبخ تُطالع جريدةً أو تقرأُ في كتاب وتستمع الى الموسيقى وتُتتابع حركات طفلها وتهتمّ بمراقبة الطعام الذي تعدّهُ للعائلة وتُفكر بذات الوقت بأمور أخرى تشغلُ بالها، أما الرجل فتركيب دماغه مهيأ ليختصّ في مجالٍ مُحدد، وهنا أشير إلى ظاهرة تحدثُ عند غالبية العوائل فحينما يعمل الرجل أو يستمع إلى برنامج معين أو يقرأُ في كتاب، لا يهتمّ بما يدور حوله ولهذا فالمرأة التي لا تعرف هذه الحقائق العلمية تتذمر من وضع زوجها وتتهمهُ بعدم المُبالاة وعدم الاهتمام بها، وبشؤون البيت ، وباختصار إنّ المرأة تقوم بأشياء كثيرة ” مُجتمعة” في حين يهتمّ الرجل بجانب معين، وباختصاصٍ مُحدد فيُبدع في مجال ويخفق في مجالات أخرى، ومع هذا هناك مَن يُحاول أن يجمع أفكاره ويُعيد ترتيب الأمور بشكل أفضل، ولكن النسبة في زمننا الحالي قليلة جداً.
وهنا يمكن القول إنّ الأدب هو انعكاس لحالة الفرد بغضّ النظر عن نوع الجنس البشري.
أما الحديث عن دور السلطات المسؤولة فالأمر أكثر معاناة للجميع، فالسلطات في كافة الدول الشرقيّة لم تستطع حتى الآن أن تخرج من واقعها المأزوم، كونها بعيدة كلّ البعد عن مطالب الناس، وغير قادرة على أخذ القرارات الصحيحة والأسباب كثيرة منها سياسيّة، واقتصادية، واجتماعية فهي مرتبطة بسلسلة مُعقدة من الارتباطات الدولية، والداخلية وتتدخل فيها قيادات دينية ومؤسسات سلطويّة كابحة لكل تغيير وتحويل قد يحدث، ومُرتبطة بعلاقات وثيقة مع مُنظمات دولية وأيادٍ خفيّة تعمل على إبقاء حالة التخلف، وتفتعل الأزمات بين فترةٍ وأخرى لزيادة المعوقات وتسعى جاهدة لتدهور الوضع من سيء إلى حالة فوضى وخراب دائم، وخسارات مُتلاحقة في كافة المجالات، والدخول في دهاليز مُظلمة لا ضوء فيها ولا أمل.
س : هل تتوقّعين أن يكون هناك تغيير قريب؟
ج : الواقع لا يتغيّّر إلا بالشروع في تغيير نمط التفكير ومُعالجة الأسباب التي أدّتْ إلى هذا التدهور المُجتمعي الكبير، ودراسة حالات اليأس والقنوط والانتحار والهروب من الواقع وخاصة بين الشباب والشابات واللجوء إلى تعاطي المُخدرات والانجرار إلى التنظيمات التي تسعى إلى تمزيق المجتمع وتعقيد الأوضاع فالبطالة تُبعد الشباب عن التفكير وخاصةً حين يسود الجهل في المجتمع ويُمزّق أوصالهِ.
اليقظة ضرورة حتميّة للخروج من حالات اليأس والقهر الجماعي، واليقظة لا تأتي بدراسةِ جانب مُعيّن من الحياة، أو حالة مؤقتة وطارئة، فالمجتمع هو عبارة عن مجموعة من العلاقات قائمة على أدوار عديدة تقوم بها جماعات مُختلفة في التفكير والمنطق والفهم والإدراك والنظرة الشمولية للأشياء، فدراسة كلّ هذه الأمور مُجتمعةً هي التي تجعل التفكير البشري “ايجابياً” وتُقرّب وجهات النظر لاحقاً رغم وجود بعض الاختلافات، فبدون الاقتراب والجلوس معاً والتفكير بمنطق المنفعة العامة لن تكون هناك حلول ولا مخارجَ معقولة لتغيير الواقع وتحسين حياة العائلة التي تُشكّل نواة كلّ المجتمع.
س : نعود للقانون وأهميته. في ظرفنا الراهن نسمع بين فترة وأخرى بسن قوانين جديدة، ولكن الحصيلة لا شيء. ماذا بصدد كثرة القوانين وما الفائدة المرجوّة منها وما هو الحل للخلاص من الوضع المتأزم؟
ج : القوانين التي تحمي الجميع هي التي تدوم وتتطور، ففي ظلّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي والأمني المُتردّي لا أهمية لأي قانون، والحل يأتي فقط حينما تتوسع القاعدة الشعبية الحاضنة للثقافة الحقيقية، والقضاء على الخرافات المُترسّخة في عقول الغالبية التي تُروّج لها جهات عديدة داخلية وخارجية، عبر الأفعال التي لا تجلب للمُجتمع سوى التخلف والدمار والخراب، فنشر العلم والثقافة الإنسانية المُدركة والواعية هي سبيل الخلاص للالتحاق بركب الحضارة الإنسانية التي عملت جاهدة ولقرون عديدة بفصل الدين عن الدولة والاهتمام بالواقع التعليمي والصحي وإعطاء المرأة وأسرتها الحرية المضمونة بقوة القانون.
وأخيراً إنّ توحيد “الكلمة والفعل” من قبل المُنظمات الاجتماعية المدنيّة مع الحركات السياسية التقدمية والأفراد النشطاء من النساءِ والرجال، وتغليب لغة العقل على العاطفة السلبية هي التي تنقذ المجتمع من التشرد والضياع والخراب ووحدة الكلمة والفعل دربٌ من دروب الإدراك المُجتمعي المُتقدم.