حول التدريب الأميركي للمعارضة السوريّة
عهد هندي
نشرت صحيفة «الدايلي بيست» الأميركية قبل أيام، خبراً يتحدث عن انسحاب 1000 مقاتل سوري من برنامج أميركي للتدريب والتسليح، وذلك عقب طلب أحد ضباط الارتباط في وزارة الدفاع الأميركية، من المستفيدين من البرنامج، التوقيع على استمارة يتعهدون فيها عدم استخدام الأسلحة الأميركية ضد نظام الأسد.
لا شك أن البرنامج يعكس المناخ العام الأميركي الحالي، وتتخلله أخطاء كثيرة، كما لا يلبي طموحات المعارضة السورية في إسقاط الأسد، والتي عبّر عنها الشعب السوري في انتفاضة 2011. إلا أنه الأمر الوحيد المتاح اليوم لمعارضة حاجتها ماسّة إلى التدريب والسلاح، وعلى المعارضة القبول بهذا الممكن الحالي كونها غير قادرة على تغييره. فهي لا تملك أي تأثير في دوائر صنع القرار في أميركا، وبرنامج التدريب والتسليح ليس دستوراً يستحيل تغييره، إذ إنّ تعديله أو تغييره أمر جائز مع الوقت.
يندرج رفض المعارضة توقيع شروط البرنامج، ضمن السذاجة السياسية، بخاصة أن الاستمارة والتوقيع عليها إجراء روتيني تحتاجه وزارة الدفاع الأميركية لتأكيد امتثالها للقانون الذي سنّه الكونغرس، والذي ينصّ، في شكل حصري، على برنامج تدريب المعارضة السورية وتسليحها للقضاء على «داعش».
يُفتَرَض بالمعارضة السورية، التي لا تملك أي تأثير في دوائر صنع القرار الأميركي، قبول البرنامج وشروطه. فقتال «داعش» ليس قتالاً بالنيابة عن الأميركيين كما يدّعي البعض، إنّما عن سوريين خرجوا عام 2011 للمطالبة بدولة حرة ورغيدة، وليست «داعش»، بكل تأكيد، هي الحامل أو الممثّل لتلك الطموحات. زد على ذلك، أن غالبية أطراف المعارضة السورية، بمَن فيهم المتطرفون أو القاعديون، يعتبرون «داعش» عميلاً لنظام الأسد وإيران. فإن كان افتراض عمالة «داعش» صحيحاً، فما الضير في تطهير الأماكن المحرّرة من تنظيمٍ قوي يتّخذه نظام الأسد «حليفاً» له!؟
بعض المعارضين لم يُشِد بالانسحاب من البرنامج وحسب، بل وصف ما تحدثت عنه «الدايلي بيست» بالفضيحة المدوّية لأميركا، على رغم أن هذه «الفضيحة» ليست حديثة الانكشاف. فبرنامج التدريب والتسليح كان قد نصّ عليها منذ تصديقه، بل منذ كتابة مسودّته الأولى. وإن كانت في الخبر أية «فضائحية»، فهي تطاول موقف المعارضة المبني على «الكرامة» الشعاراتية أكثر مما تطاول أميركا. فتأثير انسحاب 1000 مقاتل من البرنامج في الأمن القومي الأميركي، لا يزيد في حجمه عن فعل إلقاء مقاتل في تنظيم «داعش» دبوساً في المحيط الأطلسي، معتقداً أن ذلك سيلحق الضرر بحاملات الطائرات الأميركية العائمة في المحيط!
تدريب 1000 مقاتل من جانب جيش قوي محترف كالجيش الأميركي، وتقديم المساعدات التقنية والسلاح المطلوب، هما خطوة على الطريق الصحيح لبناء سورية الحرة والديموقراطية، وإثبات المُدرَّبين قدراتهم على تطهير الأماكن المحررة من تنظيم كـ «داعش» سيؤدّي، بكل تأكيد، إلى رفع سقف البرنامج من القضاء على «داعش» وأشباهه، إلى تأسيس جيش سوري قوي يدافع عن الأماكن المحررة، ويتوسّع في دفاعه بحماية دولية.
تتمثّل نقطة القوّة الوحيدة التي تمتلكها المعارضة للتأثير في الرأي العام الغربي، في أدائها بمحاربة تنظيم يلحق الأذى بالسوريين بالدرجة الأولى، بعد اجتماع كل الدول العظمى والإقليمية على فكرة إزالته، واختيارها تلك المعارضة شريكاً لها في قتاله من دون الأسد.
عاش السوريون ردحاً مِن الزمن أسرى لخطابات الممانعة وعلى التغنّي بكرامة لم يحظوا بها يوماً، وها هم اليوم وبعد أن تحرروا، يعودون بملء إرادتهم الى النفخ في القُرَب المفخوتة ذاتها! إنّ انسحاب الـ1000 متدرب من البرنامج، الذي علّله مصطفى سيجاري، قائد القوات المتدرِّبة، وفقاً لـ «الدايلي بيست»، بخوفه مِن وصف رجاله بـ «مرتزقة لقوات التحالف»، لا يشبه في ما يشبه إلا العذر الذي استخدمه النظام لتعليل عدم الانفتاح على الغرب، والذي بقي السوري بمقتضاه رازحاً تحت ظلال ما يُسمّى بـ «الكرامة»، بينما يعيش شقيقه العربي في ظلال «الارتزاق» المفترض، الذي أمّن له ولأبنائه وأحفاده ازدهاراً وعيشاً رغيداً كريماً لا تجوز مقارنته بحال مع مطحنة «الكرامة» التي لم تطعم السوريين إلا جعجعة على مدار نصف قرن ويزيد.
الحياة