حول ظاهرة التنمّر
كاظم خليفة
هناك فئة ليست بقليلة من الناس السلبيين الذين اتخذوا التذمر والانتقاص من كلّ ما حولهم سبيلاً للتعبير عن ذاتهم، وقد يمتلك البعض من هؤلاء القدرة على التأثير بنهجهم في الإفراط بذكر عيوب الآخرين وتداول الأخبار السيّئة متوهمين وموهمين بأنّ الإيجابية متجسّدة في شخصهم ضد سلبية الآخر التي يجب محاربتها وفضحها فيشكّلون حالةً سُمّيت بالتنمر بل تحوّلت هذه الحالة إلى ظاهرة إجتماعية، سياسية ، دينية …. ، وأكاد أن أجزم الاعتقاد بأنها من أكثر الظواهر السلبية في مجتمعنا على وجه الخصوص بشقّيه الظاهر والمبطن ولعلها حالة سلوكية موروثة فرضتها أنظمة استبدادية متخلّفة على أناس يعانون من الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس مقابل مايحقّقه الآخرون من نجاح وتفوق عليهم في مجالات الحياة.
فيكون جلّ اهتمام وشغف أولئك المتنمرين هو البحث عن سلطة سياسية أو اجتماعية … لاثبات الذات واستخدام كافة الوسائل في سبيل الانتقاص من الآخرين وإيذائهم سواءً من خلال العنف اللفظي أوالجسدي وذلك من أجل تحقيق غاياتهم في إشباع وَهْم العظمة لديهم لشعورهم الدائم بالنقص.
ولايمكن اعتبار التنمر حالة مستحدثة أو خاصة بمجتمع دون الآخر، ولكن البيئة التي يكتسب منها الانسان سلوكياته لها الدور الاكبر سواءً في تفشي هذه الظاهرة أو في محاولة لجمها والحدّ منها ، ويعاني المجتمع الكُردي من هذه الظاهرة السلبية أكثر من غيره لما عاناه من اضطهاد وظلم على يد الأنظمة الاستبدادية الغاصبة لحقوقه القومية والإنسانية على مدى تاريخ ليس بقصير، ولعلّ طبيعة الإنسان الكُردي التوّاقة إلى الحرية والانعتاق واعتماده على مكنونه العاطفي في العمل من أجل حقوقه المشروعة والتي تقابلها لا أخلاقية سياسات الدول التي تستخدم القوانين الأممية لحقوق الإنسان في خدمة مصالحها ، وغير ذلك من القيم التعليمية و الاجتماعية والدينية الموروثة شكّلت ردّة فعل و دوافع بحث عند البعض لتحقيق الأنا الفردية وتعظيمها فابتعدوا عما يخدم المصلحة العامة وفضلوا مصالحهم الشخصية بغية لفت الإنتباه إليهم والحديث عن انتصاراتهم المزيفة.
ولا يقتصر التنمر على سلوك الفرد فحسب بل تستخدمه الأنظمة الاستبدادية وبعض الأحزاب والقوى السياسية والدينية والإجتماعية أيضأ بغرض فرض هيمنتها و التحكم بالآخر وبهذا تمارس عدوانيتها للديمقراطية و وعدم التشاركية مع الآخر بل رفضه ومحاولة إلحاق الأذى به والانتقاص منه وبذلك يكون هذا السلوك التنمري من العوامل الأساسية في ضعف وتخلف المجتمعات التي لاتملك القدرة في إيجاد آليات البناء السليم للانسان حتى يواكب تطورات الحياة .وليس بخافٍ ما تعانيه الحركة السياسية الكُردية اليوم من هذه الظاهرة السلبية لأنها قد أضحت مرتعاً خصباً لنمو هذه الظاهرة واستفحالها نتيجة ما تعانيه الحركة من تشتت وانشطار وبروز عدد يثير الاشمئزاز من الأحزاب والمنظمات غير الفاعلة حيث يستغل أولئك المنهزمون هذا الواقع السيء وهم يخلطون بقصدٍ بين الصالح والطالح ويصبّون جام حقدهم على كل من يعمل في الحقل العام بداعي إبداء الرأي والنقد الذي لايمكن أن يتجاوز الجانب السلبي منه وخاصةً في ظل عالم التكنلوجيا و أدوات التواصل الاجتماعي التي باتت تستخدم على نطاق واسع ويعبّر من خلالها المتنمرون عن عظمتهم وقيمهم الوطنية والقومية العالية مقابل احتقار الآخرين وما يمتازون به من سوء وفساد وخيانة بحسب رؤيتهم ، سواءً كان ذلك بصورةٍ علنية وبأسماء صريحة من خلال ادّعائهم لقول الحقيقة و ممارسة النقد أو بأسماء وهمية مختفية لينفّثوا مايشاؤون من تراكمات الحقد والكراهية في أنفسهم على الآخرين . وقد عايش غالبية المتنمرين مراحل حياة سادها الاضطراب والقلق والشعور بفقدان الاهتمام والعطف من قبل المحيطين بهم واعتقدوا بأنّ اتباع سلوك التنمر و التطبّع به تعتبر الوسيلة الوحيدة التي ستمنحهم القوة والسعادة في الحياة ليحققوا ذاتهم الضعيفة الفاقدة للثقة بالنفس .ولمعاجة هذه الظاهرة السلبية لابدّ من إعادة النظر في الكثير من القيّم الموروثة- التربوية والدينية والإجتماعية…- ودراسة هذه الظاهرة بصورة علمية لكشف الأسباب وتشخيصها والبحث في طرق العلاج للحد من انتشارها وخطورتها.
تم نشرهاةفي جريدة يكيتي بعدد 290