حين تخطفنا الهجرة مِن بساطةٍ ألفناها
غسان جانكير
الهجرة و المهاجرين، التي كانت الجدات تحكي لنا روايات وقصص مأساوية عنها، وما تحمله مِن المظالم والأسى و الفراق و التشتت و المصير المجهول لأفراد الأسر، ورحلة البحث المُضني عن الأهل – فيما بعد – التي تكاد أن تتماثل مع البحث عن إبرة في حقول القرى و مدن التيه.
كانت كل قصة تأخذ منّا أياماً مليئة بالقلق والحزن على مصائر هؤلاء الضحايا، لحروبٍ أرغمتهم على النجاة بأرواحهم، تُشابه في أحد الوجهين، الصورة المُتخيّلة عن يوم القيامة، حيث المقولة الأكثر شيوعاً ” اللهم نفسي “. وفي الوجه الآخر، كانت صور قوم الدجال المقيتة في مخيّلتنا تتسابق لتحل محل الوجوه التي تفقد ملامح البشر حين القيام بالمجازر.
ما كان ليخطر على البال، أننا في يومٍ ما سنكون شخوص تلك القصص التي سمعناها صغاراً، متوكئين على منظمة الأمم المتحدة، بمجالسها المتعددة، التي أُنشأت بغرض انهاء الحروب و المآسي الناتجة عنها، مع التزام أعضاءها بعدم الاعتداء على الغير، و الإقرار بحقوق الانسان الاساسية في العيش الكريم، ونبذ العنف المُمارس مِن قِبل الحكومات مع مواطنيها.
الرأفة والتعاطف اللذان كان جُلّنا يُبديهما للأجيال اللاحقة مِن المهاجرين هربا من حروب و مجازر القيصر الروسي و السلطان العثماني، والإمتعاض من نتانة البعض ممن يحملون العقلية العشائرية المُقيتة، المُتعلقة بمكانة المرء من خلال انتسابه العشائري، مع استمرار هذا البعض في وسم المهاجر بميسم المهاجرين كعشيرة مجهولة النسَب، حتى وإن قام المهاجر بسرد أسماء اجداده الى الجد السادس عشر.
ذات الرأفة و التعاطف، بات السوري كغيره من المهاجرين، يستجديها في المهاجر التي لاذ بها، وذات النظرة المُتعالية يتلقاها ليس في دول الجوار فحسب، وأنما لا يُعدم الأمر حتى في أرقى المجتمعات، التي يطفح فيها الى السطح التباطىء الشديد في عدم الاندماج، لأسبابٍ عدة قد يكون أهونها عدم التمكّن من اللغة، بسبب ضغط الحاجة للبحث عن العمل، الذي لا يتناسب في معظمه مع الاختصاص.
الحالة التي يعيشها السوري في المهاجر، التي جابه دونها الأهوال، في البحار والأنهار و الحدود المُلغّمة، أوضح مما تُبديه الزجاجة عمّا تحويه، في بحثه عن سراب الاستقرار، الذي إذا ما تحقق، لا يعدو عن كونه قيد يسلبه حياة البساطة التي اعتادها في وطنه، فيُلزمه بالتعايش مع مجتمعاتٍ من أبرز سِماتها، انها عبيدة للاستهلاك .